داعش يتمول من بيع آثار العراق في البلدات التركية الحدودية
ازدهر تهريب الآثار في العراق وسوريا بعد دخول تنظيم الدولة الاسلامية الى البلدين، ففي السنتين الاخيرتين، استطاع التنظيم من تمويل نفسه بتهريب الآثار القديمة الى تعود الى الاف السنين. ميشيل فان راين، واحد من اكبر مهربي القطع الآثرية في العالم وصاحب اكبر مجمع للقطع الاثرية والمطلوب للشرطة الدولية "الانتربول" يقول :" نجح تنظيم "الدولة الاسلامية" من تمويل نشاطه بواسطة التجارة بالقطع الاثرية النادرة التي يعود عمرها الى القرون القديمة". وانتشر التهريب بالفترة الاخيرة عند وصول مسلحي "داعش" الى مدينة الموصل في حزيران يونيو الماضي، مستغلاً الفراغ الامني الذي سببته القوات الامنية في تلك الفترة ليستولي على اغلب المواقع الاثرية في المحافظة. وتقول منظمة اليونسكو، ان العراق لديه 4500 موقع اثري قديم، يضم اندر القطع الاثارية القديمة الى تعود الى آلاف السنين، بضعها تعرض للنهب بعد هجمات الجماعة الجهادية. وترى وكالة المخابرات العراقية، ان "الدولة الاسلامية" قد جمعت 36 مليون دولار من مبيعات التحف التي يعود عمرها الى آلاف السنين. الجدير بالذكر ايضاً، ان البيانات الحسابية لبيع الاثار على يد المسلحين لم يتم التحقق منها من قبل الشرطة الدولية، على اعتبار ان الانتربول بعادته يُسجل تلك البيانات ليدققها مع السلطات المحلية للبلد الفاقد للقطع الاثرية في حال نهبها. في سوريا، يزداد مشهد سرقة الآثار اكثر عتمة، فقد اظهر شريط فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشار عدد من المسلحين اقتحموا موقع تدمر، العاصمة القديمة في سوريا وهم يحاولون اقتلاع التماثيل الثمينة وتدمير الجدران ذات النقوش الدقيقة، فضلاً عن سرقة عدد من التماثيل التي قطعوا رأسها وحملوها بسياراتهم الى جهات مجهولة. وكشف مراسل صحيفة التايمز البريطانية، تعرض الكنوز التدمرية الى السرقة، حيث تم العثور على جزء منها في العاصمة اللبنانية بيروت، وهي عبارة عن ثماثيل ومنحوتات ومزهريات ومقابر رومانية قديمة، كانت ستباع في السوق السوداء. ولفت المراسل في تقرير الى تورط بضعة متاحف عالمية في شراء الواح طينية عراقية وقطع نادرة تعود الى حضارة اكد، بحجة الحفاظ عليها من الضياع. ولم يعطي المراسل الجهة التي باعت للمتحف او مع من تعامل المتحف لإيصال القطع الثمينة اليه. وعبر الحدود السورية، حيث المكان العلني لبيع الاثار بدون اي خجل او تخفي، فهناك تجري عملية التفاوض بين المسلحين وعناصر مجهولين ينتمون الى جهات غير معروفة لدى الإعلام فأغلب ما تم بيع، ممتلكات المدينة القديمة وقطع من مواقع سورية مختلفة. ابو خالد، مهرب اثار اتهم نظام الاسد بالقول :" بيع الاثار والتجارة بها امر شائع في سوريا، حيث كان بشار الاسد نفسه يشرف على عمليات البيع لصالح جهات اوربية واصحاب متاحف عالمية، فلا عجب في بيعها الان لانها عملية طبيعية اصبحت في سوريا بعد الحرب الاهلية". وكانت صحيفة الواشنطن بوست الامريكية، قد اجرت تحقيقاً بهذا الشأن، حيث التقت مع عدد من كبار ضباط الجيش السوري الحر الذين اكدوا للصحيفة، ان مصدر تمويلهم الخاص من بيع القطع الاثرية التي لا تقدر بثمن. مقاتلو "الدولة الاسلامية"، هم الاخرون يمارسون بيع وشراء الاثار القديمة، ولكن ليس على وجه اليقين، ان عمليات البيع والشراء تكون معروفة لدى الاعلام لانه لا احد قادر على معرفة ذلك غير المسلحين. المجلس الدولي للمتاحف، اعد قوائم وثقت نهب المواقع الاثرية العراقية والسورية من ممتلكات ثقافية والواح طينية كانت تحمل اقدم كتابة بتأريخ العالم، فضلاً عن المنحوتات الحجرية والمعدنية المعقدة، بالاضافة الى البنود المصنوعة من مواد قريبة للورق. مدير مركز الثراث الثقافي في ولاية نيويورك، يقول انه شاهد هذه السلع معروضة للبيع في الاسواق ببلدة حدودية في تركيا. اما كيت فيتز جيبون، وهو محامي وصاحب مبادرة (جمع الاثار واعادتها الى موطنها الاصلي) يقول:" بطبيعة الحال من الصعب اثبات عدد الاثار المنهوبة الواصلة الى الغرب، لان لا دليل يوثق على وصول القطع الى اوربا، ولكن الولايات المتحدة قد كشفت مؤخراً، ان القطع الاثرية وصلت الى دول الخليج وتركيا ودول اخرى مجاورة". علاوة على ذلك، اظهر الخبراء، زيادة في الواردات الامريكية للممتلكات الثقافية العراقية بنسبة 61% بين عامي 2011 و 2013، فأن ذلك يوحي الى زيادة الاتجار غير المشروع في القطع العراقية الثمينة الواصلة الى امريكا، كون المستهلكين من الولايات المتحدة يتجاوزون قانون "حظر التجارة بالاثار"، بحسب الخبراء. وكان العالمان، جيسي كاسانا و ميترا باناهور، قد وجدا ادلة على ان اللصوص يستهدفون تحديداً الاثار الكلاسيكية من اجل توفير الطلب الغربي الذي يميل الى الفن اليوناني في سوريا و السومري القديم في العراق. هيئة الاذاعة الالمانية ( NDR)، انجز هي الاخرى اخيراً تحقيقاً بالادلة يوثق، ان الاثار العراقية في شماله نهبتها الجماعات المسلحة المتطرفة، من خلال بيعها في البيوت الالمانية بعد ايصالها عن طريق تركيا. وكشف التحقيق، كيفية تهريب آثار البلد ولاسيما المصنوعة من الحرف اليدوية التي خضعت لعملية غسل وتعقيم وتنظيف لإزالة الاتربة عنها ومن ثم بيعها في السوق المفتوح. وكان لدول الخليج نصيباً ليس بالهين في هذا المجال، حيث وصلت دفعة من القطع النادرة، بحسب التحقيق المنشور الى دول خليجية هي بالاساس مشاركة في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش". وكان متطرفون من "الدولة الاسلامية"، قد نقلوا اثاراً عراقية الى جهات مجهولة وحرقوها لأنها لا يمكن نقلها الى اي مكان. وتعتبر عملية التهريب، واحدة من مصادر التمويل الناجحة للمسلحين، اذ تغطي نفقات العمليات العسكرية والتجهيزات اللوجستية. ولإيقاف عملية النهب، على المجتمع الدولي ان كان جاداً اتباع بضعة قوانين وضوابط يمكن ان تساعده على الحد من ظاهرة السلب والنهب الحاصلتين في العراق وسوريا، فقانون الطوارئ القاضي "بحظر بيع الاثار" يمكن تفعليه ليكون مادة مضادة تحد من عملية نهب الاثار العراقية، لاسيما ان السلطات العراقية في الغالب لم توثق قطعها الاثرية في السنتين الاخيرتين، مما جعل صعوبة التعرف على القطع المنهوبة لانها غير مسجلة، بحسب معهد التراث الثقافي الامريكي. وهناك إلحاح حقيقي، على الحد من ظاهرة السرقة لان الآثار رصيد ولمحة تراثية تضفي على واقعنا المرير شيئاً هيناً، فضلاً عن الجيل القادم الذي من المفترض التعرف على اعمال اجداده القدامى اللذين صنعوا مجدهم بأيديهم، لتأتي الان عصابات القتل والهجمية تتلاعب بمقدراتهم بسهولة بدون اي رادع يُذكر.