الوقت والمال ضحيّتا الروتين والابتزاز في دوائر المرور!

 بحماس وحيوية توجّه مثنى صباحاً الى دائرة المرور لتسجيل مركبته، متصوراً أن متاعب اختيارها والتنقّل بين المعارض هي نهاية المطاف، بعد الطريق الترابي من بوابة بغداد، وطأت قدماه أرض مرور الكاظمية ليرحّب به طابور من المعقبّين معلنين عن  خدماتهم "عقود مرورية فورية، تسهيل إجراءات نقل الملكية، تعقيب معاملات، تغيير صنف وسحب استمارات الخ" ، هذه العروض تختزل الوقت وتعطيك الأولية لإنجاز معاملتك، بمجرد اكمالك الشاي يتم ذلك، مقابل مبلغ مالي يذهب جزء منه الى الموظفين داخل الدائرة، وآخر أتعاب المعقّب. لكنَّ مثنى، قرر أن يدخل بنفسه ويستعلم عن الأمر ويتابع شؤون تمشية معاملته. لكنه وجد أن الفوضى والتدافع أمام شبابيك الموظفين، تسرق يومين من حياته،  فرأى أن لا حل سوى أن يعود ليرتشف الشاي ويوكل الأمر لأحد المعقّبين.

شبكة المعقبين أرحم للمراجعين

أما مؤيد مهدي مواطن آخر، يبحث عن نقل ملكية سيارته، فيروي أنه دفع (200) الف دينار، الى أحد المعقبين بعد أن انصدم بسلسلة تعقيدات تجبره على الذهاب الى مديرية المرور العامة، ومن ثم الانتظار لشهر تحت رحمة المعتمد الذي هو الآخر يطلب المال،  لكن الـ(200) الف تُذيب جليد الروتين ليتخطى السفح بسهولة، حيث تذهب الى وصل سبايكر (20) ألفاً، رسم (50) الفاً، ويتبقى لهم (130) الف دينار، يعطون لكل موظف (20) ألف دينار، لكي يختم وهم خمسة موظفين، مما يتبقى للمعقب (30) ألفاً هي أتعابهم لتسهيل الإجراءات وتبسيط التعقيدات التي اغلبها من اصطناع موظفي مكاتب المرور.

محمد عبد الصمد مواطن، يراجع لأجل استحصال رقم جديد لسيارته، رغم تسلمه سنوية السيارة منذ أشهر، لكنه كلما يراجع يتم اخباره بعدم وجود أرقام، بالتالي لايتمكن من الخروج بالسيارة والاستفادة منها. موضحاً: أنه على هذه الحالة منذ أشهر. مسترسلاً: نصحه احد الاصدقاء باللجوء الى معقّب معاملات، ربما يتمكن من اتمام المعاملة وترقيم السيارة. مستدركاً: لكن بسبب موقفه من الرشى والفساد، قرر الانتظار حتى يحصل على الأرقام بصورة طبيعية. الا ان هذا لم يتم حسبما علّق صديقه، الذي نصحه بالمعقب موضحاً: أنه سبق وأن اتخذ ذات الموقف، من نقل ملكية السيارة لاعتقاده سهولة الاجراءات، خاصة أن البائع موجود وكل الأوراق سالمة. مستدركاً: لكن ضابط المرور، عقّد الموضوع بطلبات عدة بعضها (تافهة) حسب وصفه. مستطرداً: فما كان أمامي سوى الامتثال لنصيحة البائع وتسليم المعاملة لمعقب تسلّم منا 100 الف دينار مناصفة وجاءت المعاملة بعد أقل من نصف ساعة.

اعتماد أسلوب الإهانة

عن تأثير المعقبين وتحكمهم بالقرار، تحدث رسول عبد الحسين لـ(المدى) اعمل منذ سنة ونصف السنة، في أحد المكاتب المجاورة للدائرة كعامل، لوحة الدلالة للمكتب تشير الى "تنظيم عقود السيارات، استنساخ، كبس ، سحب استمارة، أرصدة. مستدركاً: لكن الحقيقة، أنا وخمسة عمال، مهمتنا استقبال المراجعين وسحبهم للتعامل معنا. مبيناً: أنهم مخولون من قبل صاحب المكتب "الذي يملك علاقات واسعة مع كبار الضباط في العامة. منوهاً: انه يتم الاتفاق على انجاز المعاملة، ويكون السعر حسب نسبة التعقيد فيها ومراحل إنجازها، إذ أن كل حلقة تمر بها، تقع عليها نسبة محددة يتم الحساب بعد نهاية الدوام بين الموظفين، وصاحب المكتب وهذا الأمر يحدث مع جميع المكاتب التي تعلن شيئاً وتعمل بآخر.

وأشار عبد الحسين: هناك مصطلحات لا يجيدها سوانا للتعامل مع الموظفين، فمجرد النظر الى المعاملة يحدد "درهم أو وحشية " والدرهم يعني خمسين دولاراً أما الوحشية فهي المئة دولار. مضيفاً، يعتمد الموظفون على اسلوب الاحتقار والإهانة مع المواطنين وعدم توجيههم بالشكل الصحيح، فمن الطبيعي أن ينتظر المواطن ساعة أمام شباك الموظف، ليجيبه بوجه مكفهر "مو يمي" . مردفاً: الا ان المضايقات من قبل بعض عناصر النزاهة أو موظفي مكتب المفتش العام، تتم معالجتها من خلال صاحب المكتب أيضاً، وعند  تعرض أيّ منا للسجن أو المساءلة القانونية هو الكفيل بتخليصنا، مؤكداً: أن من يحاول العمل لحسابه الخاص أو التنسيق مع الموظفين دون الرجوع لصاحب المكتب، تعتبر هذه نهايته ويقدم الى القضاء بعد أن يتم الإبلاغ عنه   .

مفوّض مرور ينقل نقيب مرور

النقيب وسام مفتن تحدث لـ(المدى) رغم تعدد الأجهزة الرقابية في كل دائرة مرور، من مكتب المفتش العام والنزاهة والاستخبارات، الا ان المواطن الذي يتعرض للابتزاز، يعزف عن تقديم شكوى ضد من يقوم بعملية الابتزاز أو تعمد تأخير اتمام المعاملة. عازياً ذلك الى عدم ثقة المواطن بالجهاز الرقابي، وشعوره بأنهم فريق واحد. متابعاً: بالإضافة الى أن الموظف النزيه يحارب وينقل من مكان عمله، بالتالي تخلو الساحة للموظف السيء ومن يتعامل معه.

وأضاف مفتن: أن الأوامر والتنقلات لا تخضع لمبدأ الكفاءة والمهنية، فهذه أوهام امام الدولار وسماسرة المناصب.  متابعاً: تم نقلي من إحدى دوائر المرور الى الشارع "الذي هو الآخر يخضع للصفقات، فالساحات العامة والتقاطعات المهمة، تباع مقابل مبالغ خيالية". منوهاً الى أن، سبب النقل، خلاف مع  "مفوض شرطة مرور" حول معاملة اجراءاتها غير قانونية، فلم يكن منه الا أن همهم "بسيطة اذا خليتك بمكانك" وبسرعة البرق يصل كتاب نقلي الى أحد القواطع المروية ومنها الى الشارع .

وأكد نقيب المرور: أن الفساد بلغ اقصى درجاته، فتحويل ملكية مركبة دون حضور صاحبها الشرعي أو دون حضور الورثة، أمر يمرر ببضع (وحشيات) "عدّة اوراق من فئة 100 دولار" بالإضافة الى من هم مطلوبين للقانون وعليهم قضايا جنائية. مؤكداً: فالأمر يتم بكل سهولة ومن خلال معقبين مختصين بهذا النوع من  المعاملات. مشدداً: غالباً ما تتم الصفقات وترتيب الاجراءات والحسابات خارج الدائرة  لتلافي الرقابة ومحاسبة دوائر النزاهة .

200 دولار سعر إجازة السوق

بعد قرار المديرية العامة للمرور بمنع قيادة المركبات دون إجازة سوق لتقليل الحوادث ومنع ممن هم تحت السن القانونية للقيادة، الأمر الذي ادى الى كثافة عالية في عدد المراجعين على دوائر إصدارها، الحجز من خلال الانترنت وسحب استمارة وفق جدول الكتروني، أعدّته مديرية المرور من اجل ذلك، ومن ثم التوجه الى دائرة الصحة لفحص البصر وتأكيد سلامة المتقدم،  ثم خضوعه لاختبار القيادة وعلامات المرور، الذي يعتبر اختباراً دولياً لمنحه اياها، تلك هي الاجراءات القانونية لاستحصال الاجازة والتي تستغرق شهراً ونصف  الشهر تقريباً، فيما يؤكد الشاب علي حسن لـ (المدى) استحصلت إجازة السوق خلال اربعة ايام، دون المرور بتلك الاجراءات مقابل (20) دولاراً. مضيفاً: هناك وصل لدائرة الصحة وللاستمارة في حالة اتمامها من قبل المواطن، فإن الامر يتوقف على الاختبار الذي يفشل فيه الكثير مما يضطرهم للجوء الى معقّب يسهل الأمر عليهم مقابل (75) ألفاً.

في حين دفع سيف قاسم (200) دولار دون أن يكلف نفسه حتّى الحضور الى مديرية المرور وسحب استمارة، اذ تكلف المعقب ومن يتعاون معه بذلك، بعد أن سلمه الأوراق المطلوبة. ويقول قاسم لـ(المدى) اكثر من مرة، اضطر لدفع مبلغ الوصل لشرطي المرور، دون اتسلمه، اذ يعتبر ذلك غرامة فورية. متابعاً: وبسبب كثرة تلك الحوادث، قررت استحصال اجازة السوق، لكن لعدم قناعتي بنجاحي في الاختبارات المرورية، التجأت الى معقّب دلني عليه أحد اصدقائي في الكلية. مبيناً: أن الأمر لم يستغرق سوى ايام حتى جاءت اجازة السوق الى الكلية.

غياب دور الرقابة والمتابعة

مواقع تسجيل المركبات (التاجيات، الحسينية، الضلال، الكاظمية وغيرها) يفترض أنها وجدت لخدمة المواطنين لا ابتزازهم واستهلاك وقتهم بالتنقل من شباك الى آخر. تحسين كاظم، سائق سيارة تاكسي، يقول، عند زيارة أو مراجعة أي مواطن لأحد هذه المواقع، سيجد الكثير من المراجعين، يندرج وجودهم هناك مابين تسجيل المركبات أو البحث عن اللوحات الى آخره من المتاهات، التي يركض خلفها المواطن لإنجاز معاملته. مؤكداً: في كل الاحوال على المواطن وبدون شرط وقيد، أن يفرغ مافي جيبه من اوراق نقدية محلية كانت أم امريكية حتى يصل الى مبتغاه.

واسترسل كاظم بحديثه: حتما ستجد طابوراً في ايّ من هذه المواقع، وما عليك سوى أن تقف لتستمع لما يقوله لك أي واحد منهم، حتى بدون معرفة سابقة. مضيفاً: بعد سماعك عدّة اشخاص، ستتيقن أنك أمام مجاميع من مصاصي جيوب المواطنين مابين معقبّين وموظفين ومنتسبين في المرور من شرطة مرور بالمراتب الى ضباط. متسائلاً: الى متى يتم التلاعب بالمواطن بهذه الطريقة الهمجية، من قبل دوائر وقواطع المرور؟ والى متى تبقى هذه الدوائر ومنتسبيها مرتهنة بالرشى والفساد الاداري ؟ ولماذا لايعاقب الموظف الذي يعطل اتمام معاملات المواطنين، واين المدير العام للمرور عن كل مايجري؟ ومكتب المفتش العام، ودوائر هيئة النزاهة؟.

اعتماد التكنولوجيا الحديثة

تتنوع طرق دفع المواطن للجوء الى المعقبين الذين يتواجد اغلبهم بالقرب من شباك المراجعة، حتّى أن بعضهم، اختص بكل شباك حسب نوع المراجعة، صباح نوري، اضطر الى التنقل بين اكثر من قاطع ودائرة لإتمام معاملة سيارته، اذ باع واحدة واشترى أخرى، الاولى يريد تحويلها الى المشتري، لكن التعقيدات رافقته مع كل شباك، بالتالي ارغم على دفع (300) دولار بسبب مجادلة مع أحد الضباط، الذي تعذر بعدم وضوح أحد اختام عقد البيع والشراء، بالتالي اراد الشطب على المعاملة لولا تدخل المشتري. مضيفاً: ورغم محاولاتي تهديده بالشكوى، قال الباب امامك مفتوح، اين تريد الشكوى لاتقصر. متابعاً: سحبني الرجل المشتري على جنب واقنعني أن هذه مافيات لايمكن لأحد الوقوف أمامها.

واسترسل نوري بحديثه: ياليت الأمر توقف عند ذلك، وربما من سوء حظي أن معاملة السيارة الثانية كانت عند ذات الضابط الذي يبدو يحتفظ بالأسماء والوجوه بشكل جيد، لذا لم يتهاون بالسؤال أين وصلت دعوتك ضدي. موضحاً: لحظتها عرفت أن المعاملة لن تنجز دون معقّب، وهذا ما حصل لكن هذه المرة، كان الرقم (500) دولار وحسب الضابط وما تفوّه به (حتى يتعلم). مؤكداً: أن هناك تعمداً بإذلال المواطن لأجل اجباره على الدفع عبر المعقبين الذين لايقلون جشعاً عن منتسبي تلك المكاتب والقواطع المرورية.

فيما شكا وحيد كريم، من طريقة تعامل الضباط مع المراجعين بطريقة مهينة دون الأخذ بنظر الاعتبار، العمر والمنصب الوظيفي والمكانة الاجتماعية للكثير منهم. مؤكداً: أن مشكلة ارقام السيارات باتت معضلة كبرى أمام من يريد تغيير أرقام سيارته أو اصدار رقم جديد حسب التعليمات. مشيراً: الى أن السيارات التي تحمل ارقام الاقليم يعاني اصحابها من ابتزاز رجال المرور في الساحات والتقاطعات، ناهيك عن منتسبي مكاتب وقواطع نقل الملكية وتسجيل السيارات. داعياً الى ضرورة اعتماد التكنولوجيا الحديثة بالمراجعة خدمة للصالح العام والمواطنين.

المرور في الصدارة

وكانت هيئة النزاهة، قد اعلنت في وقت سابق، عن حلول مواقع المرور المختصة بإصدار إجازات السوق في صدارة دوائر محافظة بغداد، التي شاب إجراءاتها شبهات بتعاطي الرشى، فيما اكدت مديرية المرور، انها لا تتوانى عن محاسبة جميع المخالفين من منتسبيها ممن يرتكبون حالات فساد اداري، وقد خصصت ارقام طوارئ سيتم الاعلان عنها فور تهيئة الملاك النسوي الذي سيقوم باستقبال جميع المكالمات الواردة على مدار الساعة، للإبلاغ عن حالات الفساد أو وقوع حادث أو الحاجة الى مساعدة، موضحة أن، هذا الملاك سيقوم بالاتصال بالجهات المعنية فور تلقيه أية مكالمة لتقديم المعونة أو معاقبة المسيء.

فيما أكد مدير المرور العامة، عن تخصيصه يوم الاربعاء، من كل اسبوع، لسماع المواطنين واستقبالهم في مكتبه، مؤكداً انه، بإمكان جميع المواطنين دون استثناء، مقابلة المدير دون أي تعقيد، وتابع أن، المديرية تعد المتقاعس عن عمله بمثابة المفسد، وسيحاسب شأنه شأن المفسد، لأن اهدار الوقت يعني اهداراً للمال، مضيفاً، هناك تقاعس من المواطن أيضاً، لأنه لا يقوم بتقديم شكوى في حال تعرضه لأيّ ابتزاز من أحد منتسبينا له، ونؤكد أن، من يقوم بذلك من منتسبينا، سينال العقاب فوراً بغض النظر عن منصبه.

ملاحظة أخيرة.. أغلب المواقع الالكترونية لمديرية المرور العامة، غير محدثة ولايستفاد منها المواطن عند لجوئه اليها، باستثناء بعض الاستمارات. كما أن اغلب ماتنشره غير صحيح، ولا يتم الاعتراف به من قبل منتسبي قواطع المرور، عند مراجعة أي مواطن لإتمام وانجاز معاملة نقل ملكية أو تسيجل سيارة أو استحصال سنوية وإصدار إجازة سوق.