لماذا سيدفع الكيان ثمنًا باهظًا جدًّا بقصفِ قاعدةٍ للحشد الشعبيّ في العِراق؟ وكيف سيكون الرّد ومتَى؟ وما هو دَورُ العِناق الاستراتيجيّ بين “طُوفان الأقصى” و”الوعد الصّادق” في تغييرِ المُعادلات بالمِنطقة ومُستقبلها؟
عبد الباري عطوان
هناك مثل انجليزي شهير يقول “اذا وقعت في حفرة، فان اول شيء عليك فعله ان تتوقف فورا عن الحفر”، ويبدو ان هذا المثل ينطبق حرفيا على دولة الاحتلال الإسرائيلي التي وقعت في حفرة قطاع غزة العميقة، وواصلت الحفر بهجماتها “المسعورة” في سورية “القنصلية الإيرانية)، وايران (قصف أصفهان بمسيّرات)، وفجر اليوم بهجوم مفاجئ على قاعدة “كالسو” للحشد الشعبي في محافظة بابل العراقية، وتشير كل الدلائل انها قد لا تستطيع الخروج من هذه الحفرة مطلقا، خاصة اذا نفذت تهديداتها المتجددة بإجتياح مدينة رفح في القطاع.
الرد الإيراني بقصف ثلاث قواعد جوية إسرائيلية في النقب، احداها قريبة جدا من مفاعل ديمونا النووي، بحوالي 360 مسيّرة وصاروخ باليستي، ثأرا لشهدائها السبعة من قادة الحرس الثوري في دمشق، على رأسهم العميد محمد رضا زاهدي، كان هذا الرد نقطة تحول استراتيجي غير متوقع إسرائيليا، جعل من ايران “دولة مواجهة” مباشرة، ولعل الهجوم الإسرائيلي فجر اليوم على قاعدة الحشد الشعبي في العراق، سيدفع قوات هذا الحشد، ليس للقيام برد عسكري انتقامي ثوري فقط، وانما انتقاله الى الحدود الأردنية والسورية مع فلسطين المحتلة، واستخدامها كقاعدة لشن هجمات في العمق الفلسطيني المحتل.
***
غزو أمريكا للعراق، واحتلاله عام 2003 الذي كلفها اكثر من 6 “ترليون” دولار كان بتحريض إسرائيلي لمنع تحويل العراق الى دولة مواجهة، وتدمير قواته العسكرية، والقضاء على طموحاته النووية، وتهيئة أجواء المنطقة للتطبيع العربي الإسرائيلي، وتأسيس تحالف ما يسمى بـ”محور الاعتدال” ضد ايران بزعامة تل ابيب، وبدعم من الولايات المتحدة واشرافها، وهذا ما يفسر استهداف وتدمير سورية وليبيا واليمن تحت “ذرائع” الديمقراطية وحقوق الانسان.
هذه الضربة الإسرائيلية الصاروخية المباشرة لقاعدة الحشد الشعبي في محافظة بابل ربما تؤدي الى تقويض كل المخططات الامريكية الباهظة الثمن في العراق، واجتثاث قواعدها على ارضه، وعودة العراق الى دوره القيادي كقوة مواجهة للمشروع الإسرائيلي الأمريكي، فهذا الحشد الشعبي يملك مسيّرات، وصواريخ، وحاضنة شعبية عقائدية قوية جدا، سياسيا وعسكريا، مدعومة بقوة إقليمية عظمى صاعدة اسمها ايران.
المقاومة العراقية بدأت تطل برأسها بقوة، وتحتل دورا بارزا على خريطة المنطقة الاستراتيجية في مواجهة الاحتلال عندما شنت هجمات مؤثرة على اهداف إسرائيلية بدأت بقصف صاروخي على ميناء ايلات في فم البحر الأحمر وخليج العقبة، وتطورت الى قصف منصات استخراج الغاز الإسرائيلية في حقل “كاريش” في المتوسط، وانتقلت الى ميناء حيفا، وقصف قواعد عسكرية في هضبة الجولان المحتل.
تصدي الصواريخ الاعتراضية التابعة للقواعد الامريكية والبريطانية والفرنسية الموجودة على الأراضي الأردنية للمسيّرات والصواريخ الباليستية الإيرانية التي كانت في طريقها لقصف القواعد الجوية الإسرائيلية في صحراء النقب وإسقاط نسبة كبيرة منها، قد تكون الذريعة لإختراق الحشد الشعبي وقواته للأراضي الأردنية لتنفيذ هجمات ثأرية ضد دولة الاحتلال مستقبلا.
بنيامين نتنياهو كان يخطط ومنذ 10 سنوات على الأقل لتوريط أمريكا في حرب ضد ايران وأذرعها في المنطقة، تحت ذريعة تدمير منشآتها النووية، ويبدو ان هزيمته في قطاع غزة الباهظة التكاليف، والخسائر، بشريا وماديا ومعنويا، دفعته للمغامرة بتوسيع دائرة الحرب، مستغلا ضعف الرئيس الأمريكي جو بايدن، وخضوعه، وحزبه، لهيمنة اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
***
“إسرائيل” تواجه الآن خمسة جبهات إسلامية “عقائدية” بزعامة ايران، الأولى “حزب الله” (في لبنان)، وانصار الله (في اليمن)، والحشد الشعبي (العراق)، وحماس والجهاد الإسلامي (قطاع غزة)، علاوة على الحاضنة الام (ايران)، ولا نعتقد ان أمريكا ستخرج منتصرة مهما بلغ حجم الدعم الأمريكي العسكري والسياسي والمالي، فأمريكا التي إنهزمت في أفغانستان، وتواجه هزيمة أخرى وشيكة في أوكرانيا، باتت تواجه هزيمة اكبر في الشرق الأوسط انطلاقا من قطاع المعجزات في غزة.
انها الغطرسة الامريكية الإسرائيلية المشتركة، والرهان الخاسر على أنظمة عربية فاسدة مستسلمة، و”مضبوعة” إسرائيليا وامريكيا، نتيجة للاعتقاد الراسخ والخاطئ بأن هؤلاء هم القاعدة، وغيرهم هم الاستثناء، وان هذا الاستثناء لن يجرؤ على الرد على الهجمات الاستفزازية خاصة في سورية والعراق ولبنان واليمن.
“طوفان الأقصى” الحمساوي، و”الوعد الصادق” شقيقه الإيراني، سيغيران ليس وجه منطقة الشرق الأوسط فقط، بل وسيؤرخان لنهاية العصر الأمريكي الإسرائيلي فيه وسيرسمان خريطة جديدة للعالم ومراكز القوة فيه.. العراق عائد.. اليمن عائد.. فلسطين عائدة.. ولبنان عائد.. وإسرائيل ذاهبة.. والأيام بيننا.
رأي اليوم |