لم يجد ذلك الفتى اليتيم الضئيل الجسم والزائغ النظرات ما يستدعي بقائه في الشرقاط تلك البلدة الواقعة بين تكريت والموصل بعد ان قتل والده المجند في قوات الفرسان العشائرية في معركة مع المتمردين الاكراد بالقرب من السليمانية، فقرر مشعان ركاض ضامن الجبوري شد الرحال الى العاصمة بغداد بحثاً عن عمل يسد به جوعا لازمه لسنوات طويلة. وكان من سوء حظ مشعان انه جاء الى بغداد والاجواء السياسية فيها ملبدة عقب نكسة حزيران 1967 التي شارك العراق برئاسة المرحوم عبدالرحمن عارف في معاركها على الجبهتين المصرية والسورية، ولم يجد غير ان يشتغل بصفة (جابي) تبرعات للمقاومة الفلسطينية في احد مكاتبها بمنطقة (العلوية) مقابل نسبة ضئيلة. ويتذكر احد زملائه في تلقي التبرعات واسمه ناظم غيدان الذي اصدر صحيفة اعلانية تجارية عقب الاحتلال اسمها (المنار الجديد) ان الكثيرين من اصحاب المحال التجارية في سوق الشورجة كانوا يتبرعون الى مشعان نفسه بمبالغ زهيدة وليس الى المقاومة الفلسطينية شعوراً بالرأفة عليه لصغر سنه. وكانت الانعطافة الاولى في حياة مشعان في عام 1970 عندما تعرف على شاب من آل العايش التكريتية كان يعمل حارسا في مكتب صدام حسين الذي كان قد اصبح الرجل الثاني في القيادة العراقية ويأتي بعد الرئيس احمد حسن البكر، حيث تمكن هذا الشاب التكريتي من استخدامه كسائق دراجة هوائية يقوم بنقل الكتب والمراسلات البريدية بين مكتب صدام والدوائر الرسمية وكانت هذه الطريقة مستخدمة في اكثر الوزارات والدوائر الرسمية بالعراق. وشكل هذا العمل الاستخدامي الصغير تحولا في حياة مشعان الجائع والمحروم وشبه الامي فقد حصل على راتب شهري 18 دينارا وكان مبلغا كبيرا في ذلك الوقت واستمر فيه حتى عام 1972 عندما قدم طلبا الى نائب الرئيس صدام حسين يشرح فيه قصة (استشهاد) والده في حرب الشمال وحرمان اسرته من التقاعد ورغبته في وظيفة جديدة تساعده على اعالة عائلته وعلاج امه المريضة. واستجاب صدام ونظر في طلب (الاسترحام) الذي قدمه مشعان وقرر نقله للعمل في مطبعة جريدة (الثورة) الناطقة باسم حزب البعث الحاكم. ولانه غير ملم بالقضايا الفنية ولم يعمل سابقا في المطابع فقد تقرر تنسيبه الى شعبة التصوير في الجريدة ليعمل مساعد مصور حيث اتاح له هذا العمل حضور المناسبات الرسمية وتصويرها اضافة الى تعرفه على عدد من الصحفيين الذين ساعدوه للانتماء الى نقابة الصحفيين بصفة (مصور صحفي). ومن جريدة الثورة انتقل مشعان للعمل مصورا في مجلة (الف باء) ولكنه لم يستمر فيها طويلا خصوصا عندما رأس تحريرها حسن العلوي الذي نجح في تطوير المجلة والارتقاء بها لتصبح المجلة الاولى في العراق بدعم مباشر من نائب الرئيس صدام حسين، فاضطر مشعان الى الانتقال الى دائرة حكومية مستحدثة تابعة لوزارة الاعلام كانت تحمل اسم (الثقافة الجماهيرية) وكان مقرها في شارع المغرب. وعاد مشعان للعمل في (الف باء) عقب عزل رئيس تحريرها حسن العلوي الذي احيل على التقاعد في صيف 1979 بسبب قرابته العائلية مع وزير التخطيط عدنان الحمداني احد المتهمين الرئيسيين في مؤامرة ذكرت السلطات الحكومية انها استهدفت عرقلة وصول نائب الرئيس صدام حسين الى رئاسة العراق عقب تنحي الرئيس احمد حسن البكر في تموز 1979. ولان مشعان يتقن اللهجة التكريتية ويحسن استخدام مفردات يتحدث بها أهل قرية (العوجة) مسقط رأس صدام حسين، فانه بدأ في استغلال مهاراته في هذا الشأن ساعده في ذلك عمله في المجلة العراقية الاولى وقيامه بتصوير وتغطية بعض الاحداث السياسية والاجتماعية، وضحكت له الايام في تلك الفترة عندما تعرف على شاب استقدم من العوجة ليمثل دور صدام حسين في فلم روائي كتبه الشاعر عبدالامير معلة واخرجه المخرج المصري توفيق صالح واسمه (الايام الطويلة) يتحدث عن رحلة لصدام حسين عبر الصحراء من العراق الى سوريا عقب مشاركته في محاولة اغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم في السابع من تشرين الاول 1959 ، ولم يكن هذا الشاب غير صدام كامل الذي اصبح له شأن كبير في حياة الرئيس صدام حسين حيث تزوج من ابنته الثانية (رنا) عقب زواج شقيقه الاكبر حسين كامل من ابنة الرئيس الكبرى (رغد) واصبح الشقيقان من كبار مرافقي الرئيس ومسؤولي حمايته قبل ان يقتلا بعد تمردهما في عام 1996.
جاكوج
تعليقات الزوار سيتم حدف التعليقات التي تحتوي على كلمات غير لائقة Will delete comments that contain inappropriate words