في كربلاء .. النازحات يواجهن قيودا صارمة .. وتعنيفا!
يجد النازحون الى كربلاء صعوبة في الحصول على فرص عمل ويواجهون نظرة استغراب مجتمعية تخشى على خصوصية المدينة مظهرا وثقافةً ولهجة. على جانبي طرق مداخل مدينة كربلاء، يسكن آلاف من النازحين القادمين من مناطق اجتاحها تنظيم "الدولة الاسلامية"، معظمهم من الشيعة، وهنالك نازحون سنة، هربوا من تدهور الانبار الأمني في أوقات سابقة. يتخذ النازحون من الحسينيات مساكن لهم، وكذلك من الأماكن المخصصة للمواكب، ويحاولون مضطرين التكيف مع العيش بمساكن شيدت في الأصل لتكون مؤقتة، تنتهي مهامها بانتهاء أيام الزيارات المعدودة التي تشهدها كربلاء خلال العام. معظم هذه الحسينيات تقع على أطراف المدينة، وهي شبه معزولة، ولا يجد فيها الصبية ما يملأون به سعة نهارهم، ولجوء البعض منهم لبيع المياه المعدنية وعلب المشروبات الغازية قرب نقاط التفتيش لا يعني أنهم وجدوا أعمالا يعيلون بها أسرهم، وإنما شيئاً يشغلون به أنفسهم فقط. والبطالة هي المشكلة الكبرى للشباب النازحين، وهؤلاء يذهبون الى عمق المدينة لمحاولة القبض على فرصة عمل حقيقية هناك، في المطاعم او الفنادق التي تكتظ بها كربلاء لكنهم لا يجدون في الغالب. كرار نعمة شاب في عقده الثاني، واحد من هؤلاء، يفسر عدم حصوله على عمل رغم بحثه الدؤوب، بتمييز يتعرضون له هو وأقرانه النازحين من الشباب. وقال في هذا الصدد لموقع نقاش الاخباري "أرباب العمل لا يرحبون بالشباب النازحين، ويفضلون عليهم أبناء المدينة". ويعلل قوله ذلك، الى أنه لم يجد ايا من النازحين يعمل في فنادق المدينة او مطاعمها: "كل العاملين من أبناء كربلاء". عباس الصافي مدير احد الفنادق وسط كربلاء، لا يخفي أمر تفضيل أصحاب الأعمال في كربلاء أبناءها على النازحين في منح فرص العمل، ويبرر ذلك بان أغلب الشباب النازحين لا يتحدثون اللغة العربية، إنما يتحدثون بالتركمانية، لأن جلهم نازحون من قضاء تلعفر غربي نينوى. ويضيف "ولا يمتلكون خبرة التعامل مع الزبائن، التي ترتكز على اللباقة والتفهم". أرباب الأعمال في كربلاء يطرحون سبباً آخر يتعلق بكساد عام في سوق العمل داخل كربلاء منذ أن سيطر تنظيم الدولة الاسلامية على مناطق واسعة بين اقليم كردستان وبغداد خلال الأشهر الثلاث الأخيرة، أضطرت فيه الكثير من المشاريع الاستثمارية السياحية الى تسريح عدد كبير من عمالها لتقليل الخسائر. وبعضهم يهمس بسبب يبدو هو الرئيسي، يرتبط بخشية المجتمع الكربلائي بصفة عامة من التعامل مع الغرباء لتجنب حدوث خروقات أمنية ظلت كربلاء آمنة منها طوال سنوات. النازحون يواجهون مشكلة أخرى في كربلاء، وهي تقاليد وعادات الظهور في أماكنها العامة ذات الطابع الديني بنحو عام، فتكسر من غير عمد بعض النازحات هذا القيد الصارم، ليلقين تعنيفاً او حتى تهديدات بالطرد من المدينة من قبل مواطنيها. وهذا ما دفع ممثل المرجعية الدينية بكربلاء أحمد الصافي الى مطالبة أهالي كربلاء في إحدى خطب الجمعة الأخيرة بمعاملة النازحين معاملة حسنة، وعدم توجيه الكلمات القاسية إليهم، لأن النازحين جاءوا الى كربلاء مرغمين وسيعودون الى ديارهم بعد زوال المخاطر التي أجبرتهم على النزوح. وتروي نازحة تدعي ليلى بشير أنها كانت تتبضع من سوق العلاوي وسط كربلاء، عندما فاجأها احد الباعة وهو يعنفها بسبب ما ترتديه، وطلب منها مغادرة المدينة او احترام قدسيتها بارتداء المناسب من الثياب. ليلى لم تجد في ثوبها ما يسيء الى الحياء العام، وتقول "صحيح أنها كانت ضيقة بعض الشيء، وربطة رأسي لم تكن تخفي شعري بالكامل، ولم أكن ارتدي جوربين، لكنني واثقة من ان ثيابي كانت ملائمة". وتابعت "النازحات لا يتعمدن خرق تقاليد مدينة كربلاء. لكنهن اعتدن على نمط من اللباس في مناطقهن وعلى الكربلائيين ان يمنحوهن فرصة ليعتدن على أجواء المدينة". ويبدي علي جاسم (56 سنة)، وهو من أبناء المدينة، قلقه من اهتمام الشباب المتزايد بالفتيات النازحات المتبرجات، قائلا "نخشى على قدسية المدينة من الانتهاك بسبب عدم احترام النازحين خصوصيتها". وخصوصية كربلاء التي يحرص اهلها على عدم المساس بها تكمن في ارتداء النساء العباءة الفضفاضة وإخفاء الشعر بنحو كامل، مع عدم وضع مواد التجميل على الوجه. والكثير من النازحات لم يعتدن على ذلك في الأماكن التي نزحن منها. ويرى كربلائيون تحدثوا أن مدينتهم تعرضت الى موجات نزوح عديدة منذ عام 2003، وهي مهددة بسبب ذلك ثقافياً وأجتماعياً، واللهجة الكربلائية على المحك بفعل طغيان لهجات أخرى حملها نازحون قادمون من أمكنة مختلفة.