أوساط سُنيّة تطالب بـ"حاكم عسكري" لإدارة 3 محافظات تحرَّرت من داعش
مع اقتراب طي صفحة داعش في الموصل، بدأت أطراف سُنيّة، ليس بينها تحالف واضح، المطالبة بتنصيب حاكم عسكري في ثلاث محافظات بدعوى فشل حكوماتها المحلية بضبط الامن وتهيئة المدن المحررة لإعادة إعمارها.
ويبدي مسؤولون محليون خشيتهم من تدشين صفحة جديدة من الصراع داخل المحافظات "السنية"، مع توقع قرب تلقي العراق منحاً دولية لإعمار المحافظات المحررة.
ويتهم الفريق المعارض لـ"الحاكم العسكري" شخصيات سُنية يصفها بانها "فقدت شعبيتها ومصالحها" بالوقوف وراء تلك المشاريع لإعادة تلميع صورتها.
وتشترك الاطراف المؤيدة بأنها تلقت مؤخرا ضربات متتالية أبعدتها خارج الخريطة السياسية في المحافظات المحتلة او المحررة.
ما قبل معركة الموصل
وتعود فكرة تعيين حاكم عسكري، الى ما قبل انطلاق عملية تحرير الموصل قبل شهرين، اذ تم ترشيح وزير الدفاع خالد العبيدي للمنصب بعد ان تمت إقالته الصيف الماضي.
وكان مشروع "الحاكم العسكري" ضمن عدة سيناريوهات طرحت لترتيب الاوضاع في الموصل بعد تحريرها من داعش. لكن رئيس الوزراء حيدر العبادي نفى ذلك لاحقا.
وقال العبادي، في مؤتمر صحفي في بغداد بعد شهر من انطلاق عمليات تحرير نينوى، ان حكومته "تملتك خططاً لإدارة نينوى بعد تحريرها من سيطرة داعش الارهابي دون وجود نية لتعيين حاكم عسكري للمحافظة".
وعلى نحو مفاجئ دعا وزير الكهرباء قاسم الفهداوي الى إعلان حالة الطوارئ وتنصيب "حاكم عسكري" وحل مجلس الانبار.
وقال الفهداوي، في تصريحات صحفية الاسبوع الماضي، ان "كل بلدان العالم عندما يحدث انفجار وتقع خسائر مادية وبشرية تعلن حالة طوارئ".
ولفت الفهداوي إلى ان "حكم العوائل (العشائر) هو السائد في الأنبار إلا أن عددا من القيادات العسكرية العليا من أبناء المحافظة مستعدون لإدارتها لمدة عام لحين إجراء انتخابات لمجالس المحافظات واختيار محافظ جديد".
بدوره طالب النائب طلال الزوبعي، عضو تحالف القوى العراقية، بعد يومين من تصريحات الفهداوي، الحكومة المركزية بتعيين حاكم عسكري في محافظات الانبار ونينوى وصلاح الدين.
وعزا الزوبعي طلبه الى "صعوبة الادارة للمحافظين الموجودين في هذه المحافظات والاوضاع الاستثنائية التي تعيشها".
النجيفي الخاسر
ويعتقد نائب عن الموصل ان مطالبات تنصيب حاكم عسكري انها "مناورة سياسية لتعويض الاغلبية السياسية التي فقدها محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي".
ويقول النائب عبدالرحمن اللويزي، في اتصال مع (المدى) امس، ان "الخارطة السياسية في نينوى قد اختلفت بعد الإطاحة بالمحافظ"، لافتا الى ان "كتلة النهضة، التي كان يتزعمها النجيفي والتي كانت تضم 8 مقاعد، لم تعد موالية له اليوم".
وبحسب النائب عن الموصل فان النجيفي فقد كل تأثيره السياسي في الموصل، واشار الى "وجود مشاريع واموال لمرحلة ما بعد داعش في الموصل لن تتحقق بدون دعم سياسي".
ويرى اللويزي ان "فكرة الحاكم العسكري هي أحد الحلول لتوفير ذلك الغطاء، وتمرير مشاريع مثل إقليم الموصل الذي يدعمه الأخوانِ النجفي بالتحالف مع خميس الخنجر".
وكانت اطراف في نينوى حاولت، خلال الصيف الماضي، استجواب المحافظ الجديد نوفل العاكوب في خطوة اشّرت لرغبة بعض الجهات لإعادة تنصيب النجفي او أحد المقربين منه في منصب المحافظ.
وكانت الاتهامات حول استجوابه تتعلق باختفاء مبلغ 11 مليار دينار خصصت كرواتب للموظفين النازحين من وزارة الصحة، ومساءلته عن سبب توقف عملية الموصل بعد تحرير القيارة. لكن تلك المحاولات اجهضت لعدم جمع التواقيع المطلوبة داخل مجلس المحافظة.
الحكم العسكري بالدستور
ويؤكد النائب اللويزي، وهو عضو اللجنة القانونية في البرلمان، بالقول "لايوجد في الدستور ما يدعم فكرة تنصيب حاكم عسكري وإلغاء المحافظين المنتخبين"، لكنه يشير الى "امكانية اعلان حالة طوارئ".
لكن الحل الاخير مرهون بتحقيق "اغلبية" في البرلمان، وهو مايعتبره اللويزي "أمراً صعب الحصول اذ لايمتلك النجيفيان ثقلا كبيرا في البرلمان لتمرير مثل هكذا مشاريع".
وينظم الدستور العراقي (في المادة 61/ تاسعاً) حالة اعلان الطوارئ. وتنص الفقرة (أ) من المادة المذكورة ضمن اختصاصات مجلس النواب على ان "الموافقة على اعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين، بناءً على طلبٍ مشترك من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء.". كما تنص الفقرة (ب) من المادة 61 على ان "تُعلن حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً قابلة للتمديد، بموافقةٍ عليها في كل مرة".
كما خولت الفقرة (ج) في المادة ذاتها رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من ادارة شؤون البلاد اثناء مدة اعلان الحرب وحالة الطوارئ على ان ينظم الاجراء بـ"قانون بما لا يتعارض مع الدستور".
وألزمت الفقرة (د) من المادة 61 بان "يعرض رئيس مجلس الوزراء على مجلس النواب، الاجراءات المتخذة والنتائج، في اثناء مدة اعلان الحرب وحالة الطوارئ، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهائها".
لكن النائب سالم العيساوي، عضو ائتلاف المطلك، يؤكد وجود حوارت بين الكتل السياسية لاقناعها باعلان حالة الطوارئ.
ويقول العيساوي، في تصريح لـ(المدى) امس، انه "يمكن تعديل قانون 21 الخاص بمجالس المحافظات لوضع غطاء قانوني لتعيين حاكم عسكري". ويضف "يمكن ان نعرض الأمر على رئيس الحكومة والبرلمان للتصويت عليه".
وتدعم كتلة المطلك تنصيب حاكم عسكري في بعض المحافظات التي تشهد ارباكا امنيا. وبحسب العيساوي، وهو نائب عن الانبار، فإنه "يمكن لاحد الضباط الكفوئين من المحافظة إشغال المنصب".
خطة الفهداوي
بالمقابل تؤكد أطراف محافظ الانبار الحالي صهيب الراوي، وقوف وزير الكهرباء قاسم الفهداوي وراء الترويج لفكرة الحاكم العسكري، عازية ذلك الى "خروج الفهداوي من الخارطة السياسية للانبار".
وقال عيد عماش الكربولي، في حديث لـ(المدى) عبر الهاتف امس، ان "الفهداوي يريد ان يسيطر سياسيا وعشائريا على الانبار بعد ان خسر في التغييرات الاخيرة التي شهدتها الحكومة المحلية".
وأنهت تسوية داخلية في الانبار مؤخرا، صراعا سياسيا دام 7 أشهر، حاول فيه فريق المعارضة، المكونة من محور احمد ابو ريشة وجنيد الكسنزان عن ائتلاف علاوي، الاطاحة بالمحافظ صهيب الراوي.
وتضمنت التسوية استبعاد رئيس مجلس الانبار صباح كرحوت، واستبداله بأحمد العلواني، المقرب من ائتلاف ابو ريشه - الكسنزان، الذي كان يطلق عليه تسمية "فريق الإصلاح".
ويلفت الكربولي، وهو عضو في مجلس الانبار، الى ان "الفهداوي لم يحصل على اي منصب ضمن التسوية الأخيرة مما جعله يفكر بفكرة الحاكم العسكري".
ويرى الكربولي ان "فكرة الحاكم العسكري مفلسة لا سيما وان 80% من الانبار الآن اصبحت تحت السيطرة، وهناك 3 ألوية من الشرطة داخلها".
ويدافع الكربولي عضو مجلس الانبار عن المحافظ الحالي ويرى ان الاخير "اوصل مشكلة الانبار الى العالم وحصل على وعود بدعم مالي".
ويقدر المسؤول المحلي ان تحصل الانبار على مئات الملايين من الدولارات لإعادة اعمار ما دمرته الحرب مع داعش.
ويعتقد الكربولي، وهو ضمن كتلة تضم 11 عضوا يدعمون المحافظ الحالي، ان "المؤدين لفكرة الحاكم العسكري يريدون عرقلة عمل المحافظ وحصول الانبار على تلك الاموال".
وعلى النقيض من كلام الكربولي، يتساءل عذال الفهداوي، عن كتلة عابرون التي يتزعمها وزير الكهرباء، "مافائدة الحصول على الاموال والاعمار والامن غير مستقر؟".
ويشدد الفهداوي، الذي تحدث لـ(المدى) عبر الهاتف، على ان "الاولوية في المحافظة هي للامن ثم اعادة البناء".
ويتهم المسؤول المحلي ادارة الانبار الحالية بـ"الفشل"، ويرى ان "اي ادارة مدنية لاتستطيع قيادة محافظة تعاني ظروفاً استثنائية".
ومازالت في الانبار ثلاثة اقضية كبيرة، هي (راوة، وعانة، والقائم) تحت سيطرة داعش منذ 2014.
المدى
|