سدّ إليسو التركيّ يهدّد الأهوار وأنهر العراق بالجفاف
بعدما بدأ الجفاف يضرب الأراضي الزراعيّة في أنحاء العراق، بسبب انخفاض مناسيب مياه الأنهر، ألقى المسؤولون العراقيّون، خلال الفترة القليلة الماضية، الضوء على تفاقم الخطر، بسبب سدّ إليسو التركيّ الجديد الذي يقام على نهر دجلة، وينتهي إنجازه في نهاية عام 2016. وكان في طليعتهم وزير الموارد المائيّة حسن الجنابي، الذي أكّد في 17 أيلول/سبتمبر 2016، إلى وسائل الإعلام أنّ “العراق مقبل على كارثة عند تشغيل السدّ الجديد، وأنّ الحكومة العراقيّة تأمل في التوصّل إلى حلول مرضية مع الحكومة التركيّة في هذا الشأن”.
كما طالب النائب عن كتلة الأحرار في البرلمان العراقيّ رسول الطائي في تصريح إلى وسائل الإعلام، في 25 أيلول/سبتمبر 2016 الحكومة بـ”الضغط اقتصاديّاً على تركيا لإيقاف بناء السدّ، والتحرّك دوليّاً لتفعيل الاتّفاقيات المائيّة مع الجانب التركيّ”. وهي اتّفاقيّات ذات أهميّة كبيرة للعراق، لأن منابع نهري دجلة والفرات في خارج البلاد، في تركيا وإيران.
وفي تنبيه إلى الخطر أيضاً، حذّر النائب في البرلمان عزيز العكيلي، عبر وسائل الإعلام، في 24 أيلول/سبتمبر 2016 من أنّ “سدّ إليسو الذي أنشأته تركيا سيؤثّر على ديمومة الأهوار العراقيّة التي أدرجت ضمن التراث العالميّ في 17 تمّوز/يوليو 2016”.
وعلى مدى فترات زمنيّة متعاقبة، كان قطع المياه عن نهر الفرات أيضاً من قبل تركيا، يتسبّب في كّل مرّة، بأزمة إنسانيّة كبيرة ممّا دفع عشرات الأسر إلى النزوح من مناطق داخل محافظة الرمادي في الأنبار، حيث يمرّ نهر الفرات.
وهذه الحقيقة يؤكّدها رئيس لجنة المياه والزراعة في البرلمان النائب فرات التميمي، الذي قال “، إنّ “هذا المنع الممنهج لتدفّق المياه إلى الأراضي العراقيّة من قبل تركيا، سوف يزداد، ويلحق أضراراً أكثر فداحة بالزراعة، بعد اكتمال المراحل النهائيّة للسدّ التركيّ”. وأضاف: “اعترض العراق على مشروع السدّ، من دون جدوى، وباكتماله سوف يخسر العراق نحو 50% من مياه نهر دجلة”.
وكشف التميمي عن “مشروع لاستضافة البرلمان وزير الموارد المائيّة خلال شهر تشرين الأوّل/أكتوبر، لمناقشة الخطط والإجراءات، لمواجهة مخاطر إنشاء السدّ، وكيفيّة معالجة الآثار السلبيّة على الريّ والزراعة، كما يستضيف البرلمان مسؤولين في وزارة الخارجيّة لبحث السبل الدبلوماسيّة لكسب التحشيد الدوليّ ضدّ مشروع السدّ”.
وإذا كانت دراسة أعدّها معهد الموارد العالميّة، في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 كشفت عن أنّ العراق أيضاً يحلّ في المركز 21 في قائمة الدول المهدّدة بأزمة مائيّة، على الرغم من مرور نهرين في أراضيه، فإنّ المهندس المدنيّ قحطان خيال السلطاني الذي خدم في المشاريع الإروائيّة في الوسط والجنوب، يضيف أسباباً أخرى للأزمة، فيقول إنّ “تنظيم “داعش” والجماعات المسلّحة سيطرت على السدود والمشاريع المائيّة في غرب البلاد وشرقها، كما أنّ جوّ العراق الجافّ ودرجات الحرارة تزيد من معدّلات تبخّر المياه، وهو ما يجبر الفلّاحين على ترك أراضيهم، لا سيّما وأنّ هناك تبذيراً واضحاً للمياه بسبب تقنيّات الارتواء البدائيّة وعدم وجود مشاريع تخزين مياه، حيث يذهب الجزء الأعظم منها إلى شطّ العرب، ثمّ الخليج، من دون الاستفادة القصوى منها”.
ومع تعاظم الخطر من انحسار مناسيب المياه في القنوات الإروائيّة، تتصاعد الدعوات إلى حلول للتهديدات التي تطال الأمن المائيّ، فقد أكّد مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي في 17 حزيران/يونيو 2015 عبر وسائل الإعلام أنّ “قضيّة المياه تشكّل جوهراً مهمّاً في السياسة الخارجيّة العراقيّة مع سوريا وتركيا وإيران، وأنّ العراق يحاول إيجاد حلول مع تلك الدول لزيادة حصصه المائيّة”.
وأحد هذه الحلول، كما يراه االنائب علي البديري هو في “الضغط على تركيا اقتصاديّاً، لتنسيق إنشاء السدود والخزّانات التي تنوي إقامتها، وضمان تقسيم عادل للمياه بين دول المنبع (تركيا وايران) ودول المصبّ (العراق وسوريا)”. بل ويقترح البديري أيضاً “استخدام النفط الذي ينقل عبر الأراضي التركيّة كوسيلة إغراء لتركيا، طالما أنّها في أمسّ الحاجة إليه”.
ولا يغيب الغرض السياسيّ من السدود التي تقيمها تركيا بحسب البديري، فيقول: “تتّبع تركيا سياسات مائيّة، لكي تؤثّر في الأزمات الإقليميّة في الدول المجاورة، ويظهر ذلك جليّاً في سعيها إلى التأثير على الأوضاع في سوريا والعراق، عبر التحكّم في المياه”.
فيما الحلّ الآخر من وجهة نظر مدير عام الهيئة العامّة للسدود والخزّانات في وزارة الموارد المائيّة مهدي رشيد، هو في “إرساء تفاهمات مع الجانب التركيّ، حيث سيجري العراق مباحثات رسميّة معه عبر وزارة الخارجيّة والموارد المائيّة، في شهر تشرين الأوّل/أكتوبر، للحيلولة دون تأثير السدّ على الإطلاقات المائيّة للعراق”.
واعتبر رشيد أنّ “سدّ إليسو سوف يخفّض الوارد المائيّ لنهر دجلة إلى ثمانية مليار متر مكعّب في السنة، وهذا سيؤدّي إلى تدهور القطاع الزراعيّ، ويزيد مساحات التصحّر في العراق بنسبة كبيرة، وسيؤثّر على توليد الطاقة الكهربائيّة من المنشآت الهيدروليكيّة القائمة على سدّ الموصل وسدّة سامراء”.
ويذكّر الاختصاصيّ في الزراعة والإرواء في معهد المسيب في بابل الدكتور عامر حبيب، في حديثه إلى “المونيتور”، بأنّ “تركيا أقامت في عام 1990، سدّ أتاتورك على نهر الفرات الذي يعتبر من أكبر السدود في العالم، وقد تسبّب في شحّ واضح في مياه الإرواء في المناطق التي يمرّ بها النهر ومنها محافظة بابل”.
واعتبر حبيب أنّ “انخفاض نسب الحصص المائيّة للعراق من تركيا، أدّى الى تبدّلات بيئيّة واجتماعيّة بسبب عزوف المزارعين عن الزراعة نتيجة الملوحة والتصحّر”.
وأخيراً، إنّ العراق سوف يتجاوز أزمته المائيّة عبر تطبيق المعاهدات الدوليّة التي يكفلها القانون الدوليّ، الذي ينظّم الحصص المائيّة بين دول المنبع والمصبّ للأنهر، وكذلك باستخدام تقنيّات الريّ والتخزين الحديثة، التي تكفل عدم ضياع المياه، وإرواء أكبر مساحة من الأرض بأقلّ كميّة من المياه.
المصدر : المونيتور |