مشردون تحت رحمة السماء يفترشون العراء مأوىً

تجلس على الرصيف ، وأمام احدى شركات السياحة والسفر في شارع السعدون ، حتى باتت تعرف بمجنونة السفر والسياحة، تضع ما توفر لها من اغطية وفراش تكرّم به أحد الأشخاص قبل فترة وجيزة. في الصباح تطلق العنان لأقدامها بالتجول في أزقة شارع السعدون والبتاوين، تأكل هنا وتشرب هناك، تمرّ على بعض الأماكن وكأنها تركت شيئاً ما فيها، ما إن يطرق المساء أبواب اليوم ويحين موعد إقفال الشركة تعود الى مكانها لتستبقل نظرات وتساؤلات المارة التي تجلدها وتزيد من همومها. كل ما يعنيها وسط كل ذلك كفّ اذى البعض من المتطفلين ممن يحاولون العبث معها او الاستهزاء بها وبصورتها التي راكمت عليها الايام مزيداً من السواد والوجع.

موازنات مليونية ونسبة فقر

ان تجد امرأة نفسها بلا مأوى آمن ليس بالأمر الهين الذي يمكن التساير معه، خاصة في ظل ظروف لايمكن وصفها لمن تحملها من فوضى وضبابية وانعدام القانون وغياب السلطة والضمير، وحياة يغلب عليها طابع العنف والقسوة. ان تجد امراة نفسها داخل حلقة (اللاّمأوى)أي عدم التمتع بمأوى سكن دائم وآمن وسط مجمتع يمثل التدين نسبة كبيرة فيه، وتحكمه احزاب اسلامية دينية وتبث قرابة (50) فضائية دينية برامجها ومحاضراتها طوال اليوم، مع عشرات الاذاعات والصحف ، هي طامة كبرى. من أبرز الظواهر التي تصيب المجتمعات الفقيرة التي تشكو من أوضاع اجتماعية واقتصادية متقلبة وهشة ظاهرة اللاّمأوى. 

في بلاد تصل موزانتها السنوية الى عشرات المليارات ترتفع فيها نسبة الفقر لتصل الى 22,5% عام 2014 حسب ما اعلنته وزارة التخطيط من خلال نتائج التحليل التي أطلقت والمبنية على مؤشرات الاقتصاد الكلي وتقديرات الإسقاطات السكانية ونتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة والتي توصلت الى ان نسبة الفقر تراجعت الى ما كانت عليه عام 2007 اي (22.5%) بعد ان كان متوقعاً ان تنخفض من (19%) في عام 2012 الى (15%). 

الدراسة التي أجرتها وزارة التخطيط، بينت ارتفاع نسبة الفقر في المحافظات المغتصبة الى (41%) ، وفي بغداد الى (13%) فيما اصبحت في محافظات الوسط (19%) بينما هي في محافظات الجنوب (31,5%) وفي اقليم كردستان (12,5%) وفي محافظتي كركوك وديالى تشير الدراسة الى ان نسبة الفقر (18%).

البرد والطفل .. كيان المشرد

يؤكد المتخصصون في الطب والرعاية المجتمعية ان البرد الذي يتعرض له المشردون هو السبب الرئيس في وفاة عدد كبير منهم، إضافة الى سوء التغذية وانعدام النظافة التي تسبب تسمم الجلد. مجموعة من الشباب العراقي الناشط في المجال المدني قاموا في الايام الماضية ،التي شهدت موجة برد تسببت بانخفاض درجات الحرارة الى ما دون الصفر، بتوزيع أغطية للمشردين في بعض مناطق بغداد ، اذ يقول عضو المركز الوطني للتنمية والإبداع‏ الناشط في مجال حقوق الانسان عمر العلواني: عمل الفريق التطوعي للمركز الوطني للتنمية والإبداع ،في الفترة الماضية التي شهدت موجة برد قاسية، على التجوال بعد منتصف الليل بعد خلو الشوارع من المارة تقريباً. مضيفا انهم وجدوا أناسا بعضهم من كبار السن لايملكون مأوى ويسكنون في العراء او قرب الصبّات الكونكريتية او بين الأزقة الضيقة في ظروف صعبة وقاسية. 

العلواني ذكر انهم وجدوا (11) طاعناً في السن بين رجل وامرأة ، وطفلا واحدا بعمر(10) سنوات تقريباً وشابا واحدا أيضاً. موضحا ان جولتهم شملت مناطق العلاوي والكاظمية والسعدون والكسرة وحافظ القاضي وشيخ عبدالقادر الكيلاني وشارع النضال وساحة الفردوس. وعن الطفل ذي السنوات العشر قال: الصبي "كيان" وهذا اسمه ينام ليلا في احد اكشاك المرور ويقضى النهار بالتجوال في منطقة الكسرة بعد ان قضى أهله جميعهم بانفجار الكسرة الاخير. 

القانون ووزارة الصحة 

خصص قانون الرعاية اللاحقة الفقرتين (104) و(105) لمعالجة قضية المشردين الذين لا يملكون مأوى بعد الوصول إلى السن القانونية. فالفقرة (104) تنص على تأمين دار لإيواء الذين انهوا مدة إيداعهم وليس لهم مأوى يلجأون إليه في الحال، ولمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر. فيما نصت المادة (105) على إيداع الحدث في إحدى دور الدولة اذا ثبت بعد الأشهر الثلاثة فقدانه للرعاية الأسرية بالكامل. لكن الذي يبدو ان هذا القانون معطل كعشرات القوانين التي تهم المواطين ربما بسبب قلة دور الدولة المخصصة لهذه الشريحة والتي لا تتجاوز الدارين فقط يقعان في العاصمة بغداد.

المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عمار منعم بيّن ان عدد المستفيدين من دور الدولة للأيتام بلغ (452) مستفيدا، منهم (159) مستفيدا في بغداد وفي باقي المحافظات (293) مستفيدا .وفيما يخص عدد المسنين في دور رعاية المسنين في بغداد والمحافظات، ذكر المتحدث باسم الوزارة ان مجموعهم يبلغ (488) مستفيدا، حيث يبلغ عدد الرجال (194) مسنّا وللنساء يبلغ العدد(294) مسنّة .

وعن أعداد الدور الإيوائية في بغداد والمحافظات قال منعم ان عدد دور الدولة للأيتام يبلغ (22) دارا وللمسنين عشرة دور ولشديدي العوق داران هما دارا الحنان في بغداد وكربلاء.  اذن المجموع الكلي يبلغ (34) دارا ايوائية. فضلا عن جناحين إيوائيين في معهدي النور للمكفوفين في بغداد والبصرة. وبشأن المشردين او ممن مسهم الجنون المنتشرين في الشوارع قال منعم: ان هؤلاء ضمن مسؤولية وزارة الصحة ومستشفى الامراض النفسية.

عضو اللجنة الطبية الاستئنافية العدلية النفساني د. جميل التميمي ذكر بهذا الشأن: ان المشردين اذا كانوا غير مرضى نفسيين فتقع مسؤوليتهم على عاتق وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، واذا كانوا مرضى نفسيين فهي مسؤولية وزارة الصحة . مستدركا : لكن بالتنسيق مع مجلس القضاء الاعلى لتشريع قانون حول ايداعهم المصح العقلي لحجرهم لأن الوزارة لوحدها ليس لها الحق في حجر اي شخص دون اللجوء الى القضاء.

التقاطعات العائلية

يجد البعض من النساء أنفسهن بلا مأوى حيث يصنفهن أخصائيو علم الاجتماع الى الاسرة والمجمتع باعتبارهما البنى التقليدية لسلم الحياة، كما تلعب الحالة الاقتصادية دورا كبير ومؤثرا في هذا الامر من خلال عدم المقدرة على توفير المستلزمات الضرورية للحياة. اذ تقول الاخصائية الاجتماعية بسمة العزواي: تنحدر اغلب النساء المشردات من الاحياء والمناطق الفقيرة. مشددة: ان اغلبهن انقطعن عن الدراسة في سنوات مبكرة وتفرغ البعض منهن للعمل في البيت او مساعدة احد افراد العائلة خاصة الوالدين. مضيفة:  مع وفاة الوالدين تجد المرأة نفسها مشردة دون مأوى بسبب افرازات المجمتع والقطيعة التي أدت إلى فقدان الروابط التقليدية مع العائلة والأقارب والأصدقاء. 

العزاوي اوضحت: ان الكثير من النساء المشردات تعرضن للعنف المجمتعي والاغتصاب، مشيرة الى احداهن التي ظلت تحمل جنينها نتيجة الاغتصاب حتى وفاتها بسبب السقوط من احد جسور المشاة التي كانت تستخدمها كمأوى. مسترسلة: للاسف فإن البعض من ضعاف النفوس تسوّل له نفسه الاعتداء على المشردات رغم ماهن عليه من وضع مزرٍ ومؤلم.

مسؤولية الحكومات المحلية

في العديد من شوارع المدن العراقية ثمة ظاهرة لمشرد او مشردة حتى ان بعضهم بات علامة بارزة ومميزة في زقاق او حي او عند تقاطع او اشارة ضوئية. وربما لاتخلو اية مدينة عراقية من هذه الظاهرة اذا ما كانت مركز محافظة او قضاء او ناحية ، الامر الذي يشير حسب عدد الوحدات الادارية الى وجود  قرابة (118) قضاء وبحدود (250) ناحية مع (18) مركز مدينة بالتالي سيكون هناك (386) مشردا في ابعد الاحوال لن يصل العدد الى (500) ، ترى هل تعجز الدولة ومجالس المحافظات عن ايجاد مكان ومأوى مناسب لهؤلاء الناس الذي نص القانون والدستور العراقي على حقوقهم.

المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عمار منعم بين ان المشردين في الشوارع من مسؤولية الحكومات المحلية في كل محافظة. مبينا ان هناك لجنة برئاسة نائب المحافظ وعضوية عدد من الوزارت المعنية بالامر، مهمتها ايجاد مأوى لهؤلاء.

اختطاف وسرقة الكلى

يطلقون عليها إيمان ، امرأة في منتصف العقد الرابع تقريبا ضاعت ملامحها من الغبار والشعر الكث الذي طغى على معالمها، مع ملبسها الرث والرائحة التي تفوح منها . لكن رغم كل ذلك تعي جيدا كيف اخذوها الى احد البيوت واعتنوا بنظافتها حيث كانت تمني نفسها بالعودة الى جدارن مأوى آمن، لكن أحلام إيمان لم تستمر سوى ايام معدوادت حيث تم اقتيادها الى مستشفى خاص بالكلى وتم نقل احدى كليتيها الى امراة اخرى تشكو من تلف كلوي. وبعد ان تماثلت للشفاء اعطوها بعض الملابس والمال اللذين سرعان ما سرقا منها فعادت الى مكانها تفترش العراء قرب احد الفنادق في منطقة الميدان. 

حكاياتهم الموجعة

كريم حسن ، سائق تاكسي "فولكا" على خط باب المعظم - ساحة النصر له مواقف عديدة مع المشردين خاصة في منطقة باب المعظم اذ يبين ان البعض منهم ليس بمجنون لكن الظرف الحالي تسبب بوضعه وساعد بتشرده في ظل ظروف قاسية يعيشها الجميع. حسن لم يخفِ وجعه تجاه امراة تقيم تحت مظلة باص المصلحة الذي انقطع عن المرور بتلك المظلة مثلما انقطع عنها اهلها ومن يعرفها بعد ان فقدت زوجها الذي كان كل شيء لها، ولأنها دون عمل او معيل لذا كان الشارع هو المأوى لها.

على مقربة منها ثمة شاب اختلطت معالمه مع شعره الكث وملابسه والغطاء الذي يحتمي به من البرد، كان يتكئ على حائط ويضع ساقا فوق اخرى غير عابئ بمن حوله او بمن يمر قربه، بعضهم ينظر له بشفقة وآخر يمر مسرعا من الرائحة التي اختلطت بشتى الاشياء، لكن رغم ذلك هناك من يقدم له الطعام والماء. من خلال سائق التاكسي تبين ان حكاية "باب" ، وهذا اسمه المشهور به فقد والديه عام 2000 اثناء زيارتهم الإمامين الكاظمين، وبعد ان يئسوا من العثور عليه بعد ايام من ضياعه عادوا الى مدينتهم من دونه. حيث سقط في شرك عصابة خطف تتاجر بالاطفال عبر التسول في المحافظات وبسبب الضرب والتعذيب فقد عقله وظل يتنقل بين المدن حتى حط رحاله في باب المعظم منذ سنين عدة.

تجاربهم  الإنسانية

الكاتب والناشط المجتمعي مؤيد محمد قادر المشهور بـ "ابو روزا الحرافيش" له تجربة خاصة مع المشردين في كركوك خاصة اذ يعمل على رعايتهم وتقديم المساعدة لهم بشكل يومي . ابتدأ قادر حديثه بمقولة للمفكر الفرنسي ميشيل فوكو «لا حياة تكتمل من دون لمسة جنون» مسترسلا: يجب ان نميز المشردين حسب حالتهم النفسية وهم نوعان، الاول هم شاردو الذهن (مجانين) والنوع الثاني هم بكامل قواهم العقلية، لكن الظروف الاجتماعية والاقتصادية فرضت عليهم حالة التشرد، وخير دليل على ذلك، ان بعض المبدعين عاشوا حالة التشرد مثل الشعراء والفنانين والكتّاب ، وفي العراق تحديدا هناك اسماء لامعة في عالم الابداع عاشوا مشردين نذكر منهم على سبيل المثال (عبد اللطيف الراشد وعقيل علي وعبدالامير الحصيري وجان دمو وحسين السيد وصباح العزاوي والفنانة سهى عبد الامير وآخرون). ابوروزا شدد في حديثه : يجب علينا كمثقفين ان نمد لهم يد العون، وليس من الصواب ان نلوم المؤسسات الحكومية المعنية بهكذا حالات او منظمات المجتمع المدني، فرعاية المشردين واجب انساني بحت يقع على عاتق كل من يحمل حساً انسانياً.

حنونة وعالية والطاغية

قادر توقف عند المجانين حيث عدهم ضحايا الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي اثرت على نفسيتهم ما ادى الى فقدان عقلهم من وجهة نظر الآخرين بينما هم ليسوا كذلك. وبشأن تجربته الخاصة معهم يقول : تقربت منهم وآويت البعض منهم فوجدتهم وديعين ومسالمين جدا، واجمل ما اكتشفته فيهم هو عدم تقبل اية مساعدة اكثر من حاجتهم واغلبهم لايتقبلون المساعدات المالية. وعن بعض الحالات التي شهدها وعايشها بيّن ان هناك احدى المشردات في مدينة كركوك وتدعى (حنونة) ، هذه المشردة كانت مدرّسة لمادة اللغة الانكليزية واثناء الحرب الطائفية قتلوا افراد اسرتها في العاصمة بغداد (زوجها واولادها) فتشردت، ولدي حالة اخرى لمشردة في نفس مدينتي وهي امرأة ايضا تدعى (عالية) وتعيش وحيدة في قلعة كركوك الأثرية. مبينا: ان سبب تشردها هو إعدام زوجها من قبل الطاغية صدام. موضحا: لن تتم  معالجة هذه الحالات وغيرها الا بالقضاء على الأسباب التي ذكرناها آنفا وإشاعة العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان التي نصت عليها القوانين والدساتير.موازنات مليونية ونسبة فقر

ان تجد امرأة نفسها بلا مأوى آمن ليس بالأمر الهين الذي يمكن التساير معه، خاصة في ظل ظروف لايمكن وصفها لمن تحملها من فوضى وضبابية وانعدام القانون وغياب السلطة والضمير، وحياة يغلب عليها طابع العنف والقسوة. ان تجد امراة نفسها داخل حلقة (اللاّمأوى)أي عدم التمتع بمأوى سكن دائم وآمن وسط مجمتع يمثل التدين نسبة كبيرة فيه، وتحكمه احزاب اسلامية دينية وتبث قرابة (50) فضائية دينية برامجها ومحاضراتها طوال اليوم، مع عشرات الاذاعات والصحف ، هي طامة كبرى. من أبرز الظواهر التي تصيب المجتمعات الفقيرة التي تشكو من أوضاع اجتماعية واقتصادية متقلبة وهشة ظاهرة اللاّمأوى. 

في بلاد تصل موزانتها السنوية الى عشرات المليارات ترتفع فيها نسبة الفقر لتصل الى 22,5% عام 2014 حسب ما اعلنته وزارة التخطيط من خلال نتائج التحليل التي أطلقت والمبنية على مؤشرات الاقتصاد الكلي وتقديرات الإسقاطات السكانية ونتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة والتي توصلت الى ان نسبة الفقر تراجعت الى ما كانت عليه عام 2007 اي (22.5%) بعد ان كان متوقعاً ان تنخفض من (19%) في عام 2012 الى (15%). 

الدراسة التي أجرتها وزارة التخطيط، بينت ارتفاع نسبة الفقر في المحافظات المغتصبة الى (41%) ، وفي بغداد الى (13%) فيما اصبحت في محافظات الوسط (19%) بينما هي في محافظات الجنوب (31,5%) وفي اقليم كردستان (12,5%) وفي محافظتي كركوك وديالى تشير الدراسة الى ان نسبة الفقر (18%).

البرد والطفل .. كيان المشرد

يؤكد المتخصصون في الطب والرعاية المجتمعية ان البرد الذي يتعرض له المشردون هو السبب الرئيس في وفاة عدد كبير منهم، إضافة الى سوء التغذية وانعدام النظافة التي تسبب تسمم الجلد. مجموعة من الشباب العراقي الناشط في المجال المدني قاموا في الايام الماضية ،التي شهدت موجة برد تسببت بانخفاض درجات الحرارة الى ما دون الصفر، بتوزيع أغطية للمشردين في بعض مناطق بغداد ، اذ يقول عضو المركز الوطني للتنمية والإبداع‏ الناشط في مجال حقوق الانسان عمر العلواني: عمل الفريق التطوعي للمركز الوطني للتنمية والإبداع ،في الفترة الماضية التي شهدت موجة برد قاسية، على التجوال بعد منتصف الليل بعد خلو الشوارع من المارة تقريباً. مضيفا انهم وجدوا أناسا بعضهم من كبار السن لايملكون مأوى ويسكنون في العراء او قرب الصبّات الكونكريتية او بين الأزقة الضيقة في ظروف صعبة وقاسية. 

العلواني ذكر انهم وجدوا (11) طاعناً في السن بين رجل وامرأة ، وطفلا واحدا بعمر(10) سنوات تقريباً وشابا واحدا أيضاً. موضحا ان جولتهم شملت مناطق العلاوي والكاظمية والسعدون والكسرة وحافظ القاضي وشيخ عبدالقادر الكيلاني وشارع النضال وساحة الفردوس. وعن الطفل ذي السنوات العشر قال: الصبي "كيان" وهذا اسمه ينام ليلا في احد اكشاك المرور ويقضى النهار بالتجوال في منطقة الكسرة بعد ان قضى أهله جميعهم بانفجار الكسرة الاخير.  

القانون ووزارة الصحة 

خصص قانون الرعاية اللاحقة الفقرتين (104) و(105) لمعالجة قضية المشردين الذين لا يملكون مأوى بعد الوصول إلى السن القانونية. فالفقرة (104) تنص على تأمين دار لإيواء الذين انهوا مدة إيداعهم وليس لهم مأوى يلجأون إليه في الحال، ولمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر. فيما نصت المادة (105) على إيداع الحدث في إحدى دور الدولة اذا ثبت بعد الأشهر الثلاثة فقدانه للرعاية الأسرية بالكامل. لكن الذي يبدو ان هذا القانون معطل كعشرات القوانين التي تهم المواطين ربما بسبب قلة دور الدولة المخصصة لهذه الشريحة والتي لا تتجاوز الدارين فقط يقعان في العاصمة بغداد.

المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عمار منعم بيّن ان عدد المستفيدين من دور الدولة للأيتام بلغ (452) مستفيدا، منهم (159) مستفيدا في بغداد وفي باقي المحافظات (293) مستفيدا .وفيما يخص عدد المسنين في دور رعاية المسنين في بغداد والمحافظات، ذكر المتحدث باسم الوزارة ان مجموعهم يبلغ (488) مستفيدا، حيث يبلغ عدد الرجال (194) مسنّا وللنساء يبلغ العدد(294) مسنّة .

وعن أعداد الدور الإيوائية في بغداد والمحافظات قال منعم ان عدد دور الدولة للأيتام يبلغ (22) دارا وللمسنين عشرة دور ولشديدي العوق داران هما دارا الحنان في بغداد وكربلاء.  اذن المجموع الكلي يبلغ (34) دارا ايوائية. فضلا عن جناحين إيوائيين في معهدي النور للمكفوفين في بغداد والبصرة. وبشأن المشردين او ممن مسهم الجنون المنتشرين في الشوارع قال منعم: ان هؤلاء ضمن مسؤولية وزارة الصحة ومستشفى الامراض النفسية.

عضو اللجنة الطبية الاستئنافية العدلية النفساني د. جميل التميمي ذكر بهذا الشأن: ان المشردين اذا كانوا غير مرضى نفسيين فتقع مسؤوليتهم على عاتق وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، واذا كانوا مرضى نفسيين فهي مسؤولية وزارة الصحة . مستدركا : لكن بالتنسيق مع مجلس القضاء الاعلى لتشريع قانون حول ايداعهم المصح العقلي لحجرهم لأن الوزارة لوحدها ليس لها الحق في حجر اي شخص دون اللجوء الى القضاء.

التقاطعات العائلية

يجد البعض من النساء أنفسهن بلا مأوى حيث يصنفهن أخصائيو علم الاجتماع الى الاسرة والمجمتع باعتبارهما البنى التقليدية لسلم الحياة، كما تلعب الحالة الاقتصادية دورا كبير ومؤثرا في هذا الامر من خلال عدم المقدرة على توفير المستلزمات الضرورية للحياة. اذ تقول الاخصائية الاجتماعية بسمة العزواي: تنحدر اغلب النساء المشردات من الاحياء والمناطق الفقيرة. مشددة: ان اغلبهن انقطعن عن الدراسة في سنوات مبكرة وتفرغ البعض منهن للعمل في البيت او مساعدة احد افراد العائلة خاصة الوالدين. مضيفة:  مع وفاة الوالدين تجد المرأة نفسها مشردة دون مأوى بسبب افرازات المجمتع والقطيعة التي أدت إلى فقدان الروابط التقليدية مع العائلة والأقارب والأصدقاء. 

العزاوي اوضحت: ان الكثير من النساء المشردات تعرضن للعنف المجمتعي والاغتصاب، مشيرة الى احداهن التي ظلت تحمل جنينها نتيجة الاغتصاب حتى وفاتها بسبب السقوط من احد جسور المشاة التي كانت تستخدمها كمأوى. مسترسلة: للاسف فإن البعض من ضعاف النفوس تسوّل له نفسه الاعتداء على المشردات رغم ماهن عليه من وضع مزرٍ ومؤلم.

مسؤولية الحكومات المحلية

في العديد من شوارع المدن العراقية ثمة ظاهرة لمشرد او مشردة حتى ان بعضهم بات علامة بارزة ومميزة في زقاق او حي او عند تقاطع او اشارة ضوئية. وربما لاتخلو اية مدينة عراقية من هذه الظاهرة اذا ما كانت مركز محافظة او قضاء او ناحية ، الامر الذي يشير حسب عدد الوحدات الادارية الى وجود  قرابة (118) قضاء وبحدود (250) ناحية مع (18) مركز مدينة بالتالي سيكون هناك (386) مشردا في ابعد الاحوال لن يصل العدد الى (500) ، ترى هل تعجز الدولة ومجالس المحافظات عن ايجاد مكان ومأوى مناسب لهؤلاء الناس الذي نص القانون والدستور العراقي على حقوقهم.

المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عمار منعم بين ان المشردين في الشوارع من مسؤولية الحكومات المحلية في كل محافظة. مبينا ان هناك لجنة برئاسة نائب المحافظ وعضوية عدد من الوزارت المعنية بالامر، مهمتها ايجاد مأوى لهؤلاء.

اختطاف وسرقة الكلى

يطلقون عليها إيمان ، امرأة في منتصف العقد الرابع تقريبا ضاعت ملامحها من الغبار والشعر الكث الذي طغى على معالمها، مع ملبسها الرث والرائحة التي تفوح منها . لكن رغم كل ذلك تعي جيدا كيف اخذوها الى احد البيوت واعتنوا بنظافتها حيث كانت تمني نفسها بالعودة الى جدارن مأوى آمن، لكن أحلام إيمان لم تستمر سوى ايام معدوادت حيث تم اقتيادها الى مستشفى خاص بالكلى وتم نقل احدى كليتيها الى امراة اخرى تشكو من تلف كلوي. وبعد ان تماثلت للشفاء اعطوها بعض الملابس والمال اللذين سرعان ما سرقا منها فعادت الى مكانها تفترش العراء قرب احد الفنادق في منطقة الميدان. 

حكاياتهم الموجعة

كريم حسن ، سائق تاكسي "فولكا" على خط باب المعظم - ساحة النصر له مواقف عديدة مع المشردين خاصة في منطقة باب المعظم اذ يبين ان البعض منهم ليس بمجنون لكن الظرف الحالي تسبب بوضعه وساعد بتشرده في ظل ظروف قاسية يعيشها الجميع. حسن لم يخفِ وجعه تجاه امراة تقيم تحت مظلة باص المصلحة الذي انقطع عن المرور بتلك المظلة مثلما انقطع عنها اهلها ومن يعرفها بعد ان فقدت زوجها الذي كان كل شيء لها، ولأنها دون عمل او معيل لذا كان الشارع هو المأوى لها.

على مقربة منها ثمة شاب اختلطت معالمه مع شعره الكث وملابسه والغطاء الذي يحتمي به من البرد، كان يتكئ على حائط ويضع ساقا فوق اخرى غير عابئ بمن حوله او بمن يمر قربه، بعضهم ينظر له بشفقة وآخر يمر مسرعا من الرائحة التي اختلطت بشتى الاشياء، لكن رغم ذلك هناك من يقدم له الطعام والماء. من خلال سائق التاكسي تبين ان حكاية "باب" ، وهذا اسمه المشهور به فقد والديه عام 2000 اثناء زيارتهم الإمامين الكاظمين، وبعد ان يئسوا من العثور عليه بعد ايام من ضياعه عادوا الى مدينتهم من دونه. حيث سقط في شرك عصابة خطف تتاجر بالاطفال عبر التسول في المحافظات وبسبب الضرب والتعذيب فقد عقله وظل يتنقل بين المدن حتى حط رحاله في باب المعظم منذ سنين عدة.

تجاربهم  الإنسانية

الكاتب والناشط المجتمعي مؤيد محمد قادر المشهور بـ "ابو روزا الحرافيش" له تجربة خاصة مع المشردين في كركوك خاصة اذ يعمل على رعايتهم وتقديم المساعدة لهم بشكل يومي . ابتدأ قادر حديثه بمقولة للمفكر الفرنسي ميشيل فوكو «لا حياة تكتمل من دون لمسة جنون» مسترسلا: يجب ان نميز المشردين حسب حالتهم النفسية وهم نوعان، الاول هم شاردو الذهن (مجانين) والنوع الثاني هم بكامل قواهم العقلية، لكن الظروف الاجتماعية والاقتصادية فرضت عليهم حالة التشرد، وخير دليل على ذلك، ان بعض المبدعين عاشوا حالة التشرد مثل الشعراء والفنانين والكتّاب ، وفي العراق تحديدا هناك اسماء لامعة في عالم الابداع عاشوا مشردين نذكر منهم على سبيل المثال (عبد اللطيف الراشد وعقيل علي وعبدالامير الحصيري وجان دمو وحسين السيد وصباح العزاوي والفنانة سهى عبد الامير وآخرون). ابوروزا شدد في حديثه : يجب علينا كمثقفين ان نمد لهم يد العون، وليس من الصواب ان نلوم المؤسسات الحكومية المعنية بهكذا حالات او منظمات المجتمع المدني، فرعاية المشردين واجب انساني بحت يقع على عاتق كل من يحمل حساً انسانياً.

حنونة وعالية والطاغية

قادر توقف عند المجانين حيث عدهم ضحايا الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي اثرت على نفسيتهم ما ادى الى فقدان عقلهم من وجهة نظر الآخرين بينما هم ليسوا كذلك. وبشأن تجربته الخاصة معهم يقول : تقربت منهم وآويت البعض منهم فوجدتهم وديعين ومسالمين جدا، واجمل ما اكتشفته فيهم هو عدم تقبل اية مساعدة اكثر من حاجتهم واغلبهم لايتقبلون المساعدات المالية. وعن بعض الحالات التي شهدها وعايشها بيّن ان هناك احدى المشردات في مدينة كركوك وتدعى (حنونة) ، هذه المشردة كانت مدرّسة لمادة اللغة الانكليزية واثناء الحرب الطائفية قتلوا افراد اسرتها في العاصمة بغداد (زوجها واولادها) فتشردت، ولدي حالة اخرى لمشردة في نفس مدينتي وهي امرأة ايضا تدعى (عالية) وتعيش وحيدة في قلعة كركوك الأثرية. مبينا: ان سبب تشردها هو إعدام زوجها من قبل الطاغية صدام. موضحا: لن تتم  معالجة هذه الحالات وغيرها الا بالقضاء على الأسباب التي ذكرناها آنفا وإشاعة العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان التي نصت عليها القوانين والدساتير.