أزمة الكهرباء تنشر الفوضى داخل الأحزاب الشيعية العراقية
سلطت الاحتجاجات الشعبية العارمة في عدّة محافظات عراقية على تردّي الخدمات وفي مقدّمتها التزود بالكهرباء، الضوء مجدّدا على قضية الفساد الإداري والمالي الذي ينخر الدولة العراقية منذ أكثر من عقد من الزمان ويجعل من البلد الثري بموارده في عداد أفقر دول العالم من حيث مستوى العيش وتوفير الخدمات للمواطنين.
وكسائر القضايا العراقية سرعان ما دخلت قضية الفساد ضمن مسار تصفية الحسابات السياسية خصوصا بين فرقاء العائلة السياسية الشيعية الموسّعة الحاكمة في البلاد.
دور المالكي
ورأت جهات حزبية محسوبة على رئيس الوزراء العراقي السابق ونائب رئيس الجمهورية الحالي نوري المالكي فرصة للانقضاض على رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي واتهامه بالضعف والفشل والاستسلام للفاسدين من حوله. ويأتي ذلك فيما تؤكّد دوائر سياسية عراقية أنّ المالكي لم ينقطع على تحيّن الفرص لخلفه العبادي بهدف إسقاطه وأن الاحتجاجات الشعبية الراهنة تمثّل بارقة أمل كبيرة له.
غير أن المالكي يصطدم بعقبة كبيرة تتمثل في شيوع قناعة بين أغلب العراقيين بأن أخطر ملفات الفساد مترتّبة عن فترة حكمه التي استمرّت لولايتين متتاليتين على رأس الحكومة وبلغ فيها الفساد مستويات غير مسبوقة وطال مختلف مفاصل الدولة بما فيها القطاع العسكري الأمر الذي أثّر على مستوى القوات المسلّحة وأفضى في الأخير إلى انهيارها أمام زحف بضع مئات من عناصر تنظيم داعش.
اهدار تريليونات من الدولارات
وتروج أنباء بالداخل العراقي عن أن المالكي أهدر تريليون دولار خلال سنوات حكمه في ظلّ غياب تام لآليات الرقابة والمحاسبة، مع تمتع رئيس الوزراء بحريّة تامة في التصرّف بموارد الدولة.
وتضيف قضية التراشق بتهم الفساد سببا آخر للتناحر بين قادة الأحزاب الشيعية التي تعيش هذه الأيام على وقع الخلافات على رئاسة التحالف الوطني المكون من كتل برلمانية شيعية والتي يتمسّك نوري المالكي بأنها من حقّ كتلته دولة القانون بحكم امتلاكها العدد الأكبر من النواب.
وتمتد الخلافات إلى داخل الأحزاب بحدّ ذاتها على غرار حزب الدعوة الذي ينتمي إليه كل من المالكي ,والعبادي.
وبرزت البرلمانية العراقية المنتمية لدولة القانون عالية نصيّف المقربة من نوري المالكي في مشهد الاحتجاجات الشعبية على أزمة الكهرباء وذلك بمساندة تلك الاحتجاجات وشنّ حملة على الفساد، فيما توالت الردود من سياسيين شيعة على نصيّف بأن المالكي هو من “ارتقى بالفساد إلى مرتبة المؤسسة”.
ولا يستبعد متابعون للشأن العراقي أن تأخذ قضية الاحتجاجات على أزمة الكهرباء بعدا طائفيا بأن تمثّل فرصة لبعض المتشددين الشيعة داخل أروقة الحكم لانتزاع مناصب وزارية من الوزراء السنة ومن بينهم وزير الكهرباء قاسم الفهداوي ووزير الدفاع خالد العبيدي والذي لطالما اتهم بالمسؤولية عن تعثّر الحرب على تنظيم داعش.
الفهداوي يتصرف في حدود الموازنة
ويقول المدافعون عن الفهداوي إنّ الرجل يتصّرف في موضوع الكهرباء في حدود الموازنة المرصودة لوزارته وأنه من المستحيل تحسين مستوى التزويد بالطاقة الكهربائية بينما لا يتوفر الحدّ الأدنى من البنية التحتية لذلك والتي تتطلب إعادة إنشاء بالكامل قد تستغرق سنوات من الزمن.
ولمّح العبادي أمس إلى مسؤولية سلفه فيما آلت إليه أوضاع البلاد كاشفا عن عدم وجود احتياطي نقدي لدى الحكومة العراقية، مشيرا إلى أن الحكومات السابقة أنفقت كل الاحتياطي.
وقال العبادي في كلمة ألقاها خلال المؤتمر الأول للتعايش بين الشباب إنه “لا يوجد احتياطي نقدي لدى الحكومة العراقية منذ استلمنا رئاسة الوزراء في أيلول الماضي”.
العبادي يشكو
وشكا العبادي أيضا من عدم تجاوب أعضاء حكومته مع مساعيه الإصلاحية قائلا إن مسؤولين رفيعي المستوى بالدولة رفضوا قرار مجلس الوزراء القاضي بخفض رواتبهم في مسعى لتقليل الفوارق بين سلّم الرواتب في الوظائف الحكومية.
وأضاف أن “الخطوات التي يتخذها للإصلاح تقابل بالرفض من قبل مسؤولي الدولة”، علما أن الغالبية العظمى من هؤلاء المسؤولين ينتمون لذات الأحزاب الشيعية التي ينتمي إليها العبادي نفسه.
وأوضح أن المسؤولين في كل من مجلس النواب والحكومة والرئاسة رفضوا قرار الحكومة بخفض رواتبهم وشمول مساكنهم بالقطع المبرمج للكهرباء.
وكان العبادي حذّر من أن موجة الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها مختلف المحافظات بسبب تراجع الخدمات هي بمثابة “جرس إنذار” للدولة، ووجّه المسؤولين في حكومته إلى العمل بسرعة لتوفير متطلبات المواطنين.
ويعاني العراق من أزمة مالية بعد تراجع أسعار بيع النفط في الأسواق العالمية، وزيادة النفقات وخصوصا العسكرية منها، فيما توقفت المئات من المشاريع الخدمية في جميع المحافظات، وأعلنت الحكومة عجزها عن سداد نحو 7 مليارات دولار قيمة الديون المستحقة لمقاولي الشركات.
كتابات |