لعدة اشهر عملت زوجة ابو بكر البغدادي، زعيم تنظيم "داعش" في لبنان لإرسال الأموال بطريقة سرية إلى المتشددين في العراق وسوريا، وفقاً لمسؤولين لبنانيين.
ففي الأرض اللبنانية كانت تعمل زوجة البغدادي تحت اسم مزور ووثائق مزيفة، فهي تتجول بحرية تحت اسم ملاك عبدالله، لكن المسؤولين اللبنانيين اكتشفوا ان هذه المرأة هي زوجة البغدادي سجى الدليمي التي تزوجها زعيم التنظيم قبل ست سنوات. ويؤكد المسؤولون اللبنانيون ان سجى الدليمي وابنتها اعتقلا في شهر تشرين الثاني من العام الماضي.
ومن خلال نظرة خاطفة على حياة زوجات قياديي التنظيمات المتطرفة، نجدهم لا يعطون أدوارا تقليدية للنساء مثل الطبخ وتنظيف البيوت والاهتمام بالرجال، فالمزاعم التي وجهت ضد الدليمي تشير إلى أخذها وظيفة تصنف من الوظائف الأكثر خطورة في جماعة داعش المتشددة.
ووفقاً لمسؤولين عسكريين فان الدليمي هي الزوجة الثالثة لزعيم تنظيم "داعش" وأنها تمتلك شخصية قوية ومستقلة. وقامت سجى الدليمي في العام الماضي بنقل مئات الدولارات إلى عناصر التنظيم المتشدد في العراق، حسب المسؤولين العسكريين.
فواز جرجيس، أستاذ الدراسات الدولية في الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد، يقول إن "هذه المرأة ليست نمطية فهي تعمل مع الجماعات المتطرفة وتعلم جيداً ماذا تفعل، اذ يمكن وصفها بلقب رجل الجهاد الفخري".
وعادة ما يساعد النساء المنتميات الى الجماعات المتشددة قياديي التنظيم على الحركة استناداً لمعلوماتهن الاستخبارية، فضلاً عن إمكانية قيامهن بعمليات انتحارية وتوزيع الأموال على المسلحين، بحسب فواز جرجيس.
المسؤولون اللبنانيون، حرصوا على اتخاذ الإجراءات اللازمة والصارمة ضد عوائل قياديي التنظيم المتطرف، كما شددوا التحصينات على الشخصيات العراقية المعتقلة في السجون اللبنانية لعلمهم التام بأنهم منتمون الى تنظيم "داعش". كما أشارت تسريبات من داخل السلطات اللبنانية إلى عدم توكيل محام لسجى الدليمي في حال محاكمتها، وهذا الأمر مناف للأعراف القانونية.
وقال ضابط التحقيق في قضية الدليمي ان "النساء العراقيات المنتميات لداعش جئن الى لبنان بطرق غير مشروعة وساعدن كبار قياديي التنظيم بالمعلومات الاستخبارية عن الشأن العراقي".
وأضاف ضابط التحقيق، الذي رفض نشر اسمه، ان السلطات اللبنانية تمنع أي زيارة يقوم بها ذوو المعتقلة الدليمي لخشيتهم من تناقل المعلومات. وعلى ما يبدو، فان عائلات المسلحين انتهزوا فرصة نزوح العائلات السورية الى لبنان ليذهبوا معهم فمن السهل نقل عائلات المتشددين مع اللاجئين الى بيروت ومن هناك الى مخيم عرسال، خصوصا وأن عدد النازحين بلغ مليون نازح في هذا المعسكر.
ويقول المسؤولون اللبنانيون إن الدليمي البالغة من العمر 30 عاماً انتقلت مع النازحين السوريين الى مخيم عرسال، وان النازحين اعتقدوا انها احدى النازحات السوريات لإتقانها اللهجة السورية.
وتعد قصة حياة الدليمي لمحة ثقافية عن التطرف الذي ازدهر بالعراق وسوريا في السنوات الأخيرة. ومنذ حوالي ست سنوات، أكد المسؤولون اللبنانيون زواج الدليمي بأبي بكر البغدادي الذي ينحدر من مدينة سامراء ومن غير الواضح ما اذا كانت الدليمي ايضاً من سامراء او من مدينة الرمادي. لكن حسن الدليمي، وهو احد شيوخ قبيلة الدليم البارزين، يقول إن "زواج سجى بزعيم داعش استمر لثلاثة اشهر فقط ولا يعرف بعدها ما اذا كانا انفصلا أم لا".
ولم يعرف حتى الان لماذا الزوجان انفصلا، فيقول المسؤولون اللبنانيون ان الزواج تم بناء على صفقة بين زعيم داعش ووالد المعتقلة سجى الدليمي في عام 2006 بهدف الحصول على الوجاهة في تنظيم القاعدة عندما دخل الى مدينة الأنبار، فضلاً عن محاولة حامد الدليمي والد سجى بالبروز في محافظة الأنبار كشخصية مؤيدة للتنظيمات المتطرفة المناهضة للوجود الأميركي.
لبيب قمحاوي، المحلل الأردني، يقول إن زواج البغدادي بالدليمي جاء للاتحاد بين التنظيم المتطرف وعشيرة الدليم في السنوات السابقة، مشيراً الى ان التقليد القبلي في العراق يسمح للرجل بطلاق زوجته. وقال من الصعب معرفة ما اذا كانت سجى الدليمي بذمة أبو بكر البغدادي ام لا؟
ووصف المسؤولون اللبنانيون سجى الدليمي بأنها المرأة القتالية وغير المحجبة في بعض الأوقات وهذا ما شاهدوه خلال جلسات التحقيق معها التي جرت مؤخراً. وفي الوقت نفسه أشار احد ضباط التحقيق الى شخصيتها القوية وامتيازها بالهروب من الإجابة فضلاً عن أنها "إسلامية متشدّدة".
ووفقا للمسؤولين اللبنانيين والمحللين فأن الدليمي تزوجت قبل البغدادي برجل وأنجبت منه ابنتين ويعتقد ان البنتين تقيمان مع البغدادي الآن. وأضاف المسؤولون بان سجى الدليمي شاركت في أنشطة مسلحة متمردة ضد الحكومة العراقية، كما لها دور ليس بالهين في الأزمة السورية الحالية من خلال إشرافها على تجنيد النساء وتزويجهن بمقاتلي "داعش" تحت "فتوى" حملت اسم "جهاد النكاح" التي اثارت جدلاً واسعاً في مختلف الأوساط.
وتشير أنباء شبه مؤكدة الى ان سجى الدليمي القي القبض عليها من قبل القوات الأمنية السورية قرب حمص حيث كانت تعيش مع والدها وشقيقتها منذ اذار من عام 2014، ولكن أطلق سراحها في عملية تبادل معتقلين بين الحكومة السورية وجبهة النصرة التي أفرجت هي الاخرى عن 150 شخصاً تابعاً للنظام السوري، وبعد هذا الإفراج انتقلت الدليمي الى لبنان.
وتقول السلطات اللبنانية ان الدليمي عملت مع متشددي جبهة النصرة أثناء وجودها في المنطقة الحدودية السورية في آب الماضي، ومن هناك انتقلت الى العمل مع تنظيم "داعش" نظراً لتأثيره ونفوذه الأكبر من النصرة في سوريا.
وأشرفت الدليمي على عمليات نقل الأموال للمتشددين بوصفها زوجة زعيم التنظيم السابقة، كما كان لها الدور في اختطاف اكثر من 20 جندياً لبنانياً تم أخذهم من نقطة عسكرية بالقرب من مخيم عرسال.
وكانت الدليمي على علاقات واسعة بمديري البنوك والمصارف اللبنانية والسورية، اذ كانت تشرف على معاملات قياديي التنظيم وترتيب أمورهم المالية، حسب مسؤول استخباري عسكري.
وأضاف المسؤول ان الدليمي استلمت أموالاً طائلة من دول الخليج، ورفض المصدر الاستخباري عسكري اعطاء المزيد من التفاصيل عن هذه الدول. وقالت الأجهزة الأمنية اللبنانية ان أنشطة الدليمي كانت لها الدور في تقدم مسلحي "داعش" بالموصل.
المدى