مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق وانعكاسه على العلاقات العراقية – الخليجية
الذي يتفحص برنامج مؤتمر «الكويت الدولي لاعادة أعمار العراق»، وأنعقاد منتدى أو ملتقى «أستثمر في العراق» للفترة من12-14شباط/فبراير2018 سيخرج بعدة ملاحظات:
الأولى أن المؤتمر ينقسم إلى محورين:
الأول المحور النظري الذي يقدم فيه رؤى نظرية للاستثمار في العراق في مجالات النفط، والغاز، والنقل، والصناعات، والعقار، والطاقة، والزراعة، والرعاية الصحية، ودور الشراكة بين القطاعين العام والخاص في التمويل المحلي، والأجـنبي لإدارة مشـاريع الاستـثمار في العـراق.
والمحور الثاني للمؤتمر هو حصول لقاءات مباشرة بين الوزارات العراقية التي تتعلق مشاريع الاستثمار بقطاعاتها كالنفط، والكهرباء، والصناعة، والبناء، والاسكان، والنقل، والزراعة وبين الجهات التي ترغب أن تدخل في سوق الاستثمار العراقي.
أن المعلومات الواردة من كواليس المؤتمر تؤشر مؤشرات مهمة حصلت في ميزان العلاقات العراقية-الكويتية بشكل خاص، والعلاقات العراقية – الخليجية بصورة عامة، إذ أن أحتضان الكويت لهذا المؤتمر هو يمثل نقلة نوعية في نظرة إحدى دول الخليج تجاه العراق التي أكتوت بنار الغزو العراقي للكويت في آب/أغسطس1990 في عهد النظام السابق، وبعد مرور 28 عاما على تلك الأزمة بدأت العلاقات العراقية – الكويتية تنتقل من خانة الصراع إلى خانة التعاون، لاسيما أن الكويت ظل موقفها في محل تساؤلات المراقبين والمحللين حتى بعد الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق في آذار/مارس2003، حيث ظل الجانب الكويتي ينظر إلى العراق بما ورثه مع أزمات مع النظام العراقي السابق، وبالرغم من تبدل ذلك النظام، وحدوث عدة أنتخابات في عامي2010 و2014 بصورة متكررة، وستحدث الثالثة في أيار/مايو2018، إلا أن مجرى العلاقات العراقية- الكويتية لم تخرج من الموقف الكويتي الذي كان مترددا في الانفتاح مع العراق حتى بعد التغيير السياسي وتلك التطورات السياسية اللاحقة.
المهم أنه لا توجد في أدب العلاقات الدولية «عداوات دائمة بل توجد مصالح دائمة» وعلى هذا الأساس أعتقد أن المصلحة الكويتية وحتى توجهاتها تجاه العراق تغيرت بشكل لابأس فيه بسبب قربها الجيوبوليتكي من العراق، والضغوطات الأمريكية لها بنسيان الماضي، والانفتاح على العراق كان وراء الانفتاح الكويتي وأحتضانها لمؤتمر إعادة إعمار العراق، وهذا سيعطي شحنة جديدة من الأمل لتحسين العلاقات العراقية-الخليجية نحو مديات أوسع، لاسيما أن واشنطن تدفع دول مجلس التعاون الخليجي لزيادة نفوذها في العراق، بسبب قلقها من احتواء العراق أقليميا من قبل بعض القوى الإقليمية كإيران وتركيا.
إن الاندفاع الكويتي لاحتضان مؤتمر إعمار العراق لم يأت من فراغ، لأن الكويت تدرك أنه لولا صمود العراق بوجه تنظيم الدولة الإرهابي الذي كان يطمع في ضم الكويت، والسعودية في خريطته الافتراضية التي أعلنها بعد أحتلال الموصل في حزيران/يونيو2014، ومن ثم العمل على ابتلاع نصف دول الخليج لاحقا ليس عبر الاحتلال العسكري، لكن عبر قيام ذلك التنظيم الإرهابي بعدة عمليات إرهابية داخل دول مجلس التعاون الخليجي، ومن ثم الإجهاز على مرتكزات الأمن الخليجي، لتغيرات موازين القوى الجيوسياسية، والجيوستراتيجية لصالح ذلـك التـنظيم الإرهـابي.
إذن الكويت موقفها كان وراء دعم العراق لوجستيا واقتصاديا من خلال هذا المؤتمر من أجل منع تكرار مأساة تنظيم الدولة الإرهابي في داخل دول الخليج، ولمساعدة العراق على إعادة ترتيب أوراقه الداخلية، من خلال دعم الملف الاقتصادي فيه، وإعمار المدن المحررة، ولعل ما قاله صباح الخالد وزير الخارجية الكويتي في تبريره لعقد مؤتمر إعمار العراق في الكويت شاهدا على ذلك، حيث ياتي المؤتمر كم يقول «من أجل بحث سبل رسم السلام في العراق، عبر تحقيق عناصر الاستقرار، وإعـادة إعـمار المنـاطق المـحررة فيه».
ومن جانب آخر هناك ارتياح عراقي كبير وخاصة من الحكومة العراقية على انعقاد مؤتمر الكويت لإعمار العراق لدعم دخول الاستثمارات العربية والاجنبية إلى العراق التي تستهدف إعمار المناطق التي تعرضت للدمار الشامل، والبنى التحتية، والمناطق السكنية بسبب موجات العنف والقتال ضد تنظيم الدولة الإرهابي على مدى أربعة اعوام، والارتياح العراقي مبعثه المشاركة الدولية الواسعة في المؤتمر ابرزها البنك الدولي، ومئات الشركات العالمية الذي يعكس الرغبة العالمية لحل ازمة اعادة اعمار العراق بعد أن نجح في القضاء على تواجد تنظيم الدولة الإرهابي العسكري على أراضيه.
إن كل المراقبين والمحللين الاستراتيجيين يجمعون أن مؤتمر الكويت سيكون نقلة مهمة في سياق العلاقات العراقية-الخليجية وخاصة مع الجانب الكويتي على المدى المنظور لاسيما أن النخب الخليجية الحكومية تؤمن بضرورة عودة الاستقرار في العراق، لانه سيؤثر على الاستقرار في المنطقة، ولنا فيما قاله علي الغانم رئيس مجلس ادارة غرفة تجارة وصناعة الكويت شاهدا على ذلك، إذ يقول «إن مؤتمر الكويت الدولي لإعادة اعمار العراق يعد تجربة غير مسبوقة في بناء العلاقات العربية-العربية، وأعلانا وطنيا، وأقليميا، ودوليا عن عودة العراق إلى استقـراره».
وأعتبر الغانم أن هذه التجربة تعتبر «مسارا جديدا ينطلق من منظور المستقبل، ومصالحه، ومقتضياته»، متمنيا «أن تعم، وتزدهر، لتتم إعادة بناء العلاقات العربية-العربية كلها من هذا المنظور».
وأضاف: أن المؤتمر يحمل أبعادا تنموية عالمية تهدف إلى اعادة بناء دولة بحجم، وامكانات، ومعاناة جمهورية العراق، ما يبشر بنهاية قريبة لمرحلة عدم الاستقرار التي عانت منها المنطقة كلها طوال العقد الأخير على الأقل.
بروفيسور العلوم السياسية والعلاقات الدولية – من العراق
القدس العربي |