هل سيكون العراق ساحة للصراع السعودي – الإيراني؟
منذ قيام الثورة الإيرانية التي أطاحت نظام الشاه عام 1979 والعراق يمثل برزخا حاجزا يقف في وجه المد الإيراني الذي حاول الإسلاميون تصديره لدول الخليج والجزيرة العربية. لكن الحال تغيرت بعد الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 حيث أصبح العراق في نظر السعوديين دولة محكومة بحلفاء إيران الذين يحركهم اللاعب الجالس في طهران. وبعد ان اشتعلت نيران الحرب الأهلية السورية وظهر الدور السعودي جليا في دعم فصائل المعارضة المسلحة التي تعمل على إطاحة نظام بشار الأسد، بينما وقفت طهران بكل قوتها ودعمها مع النظام ومنعت انهياره، بات الأمر أقرب إلى المواجهة المباشرة بين اللاعبين الأكبر في الشرق الأوسط، وجاء مؤخرا إطلاق الصاروخ البالستي من قبل جماعة الحوثي على مطار الملك خالد في ضاحية قريبة من الرياض على انه حالة حرب أعلنتها إيران على السعودية نتيجة تزويدها الحوثيين بصواريخ تضرب بها مدن المملكة.
فهل ستتحول الحرب الباردة التي امتدت حوالي أربعة عقود إلى حرب مباشرة بين دولة الولي الفقيه الشيعية والدولة السلفية السنية السعودية؟ وفي حال اشتعالها هل ستكون حربا شاملة في أراضي الدولتين المتحاربتين أم سيتم اللجوء إلى لعبة المحاور ومحاولة التحشيد في دول الإقليم كسوريا والعراق ولبنان واليمن ودول مجلس التعاون؟ الأسئلة كثيرة، وربما كان الكثير منها مستبعدا لعدم منطقيته أو ربما بدافع عدم الرغبة في التفكير في النتائج الكارثية التي ستحول عواصم المنطقة من طهران وبغداد ودمشق إلى المنامة والرياض إلى خرائب تشبه خرائب الموصل وحلب.
موقف العراق
أحزاب التحالف الوطني في العراق باعتبارها شيعية فهي بكل تأكيد قريبة من إيران وتتأثر بتوجهاتها وموقفها السياسي، أو ان التأثير الإيراني يطالها بشكل كبير وواضح، لكن حدثت تغيرات ملحوظة في الموقف العراقي منذ اقتراب اندحار تنظيم «داعش» في الموصل وبقية المدن العراقية، وما رافقها من المتغيرات في الساحة السورية التي تقترب من الحسم، تغيرات الموقف العراقي كانت في عودة الدفء للعلاقات السعودية العراقية بعد فترة توتر وجفوة بين الطرفين، عزاها المراقبون إلى سياسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الرامية إلى استمالة بعض حلفاء إيران ومحاولة كسبهم أو على الأقل تحييدهم في حال تصاعد الصراع السعودي – الإيراني، وكانت البداية مع زيارة السيد مقتدى الصدر في تموز/يوليو الماضي التي قرأت على انها محاولة سعودية لشق التحالف الشيعي المؤيد لإيران عبر استمالة طرف شيعي عروبي التوجه واسع الشعبية في الشارع العراقي هو التيار الصدري.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث وجهت دعوة رسمية لوزير الداخلية العراقي قاسم الاعرجي في آب/اغسطس الماضي لزيارة السعودية، وقال الاعرجي خلال تصريحات إعلامية من طهران التي زارها بعد السعودية مباشرة في 13-8-2017 إن «السعودية طلبت من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي التدخل لتخفيف التوتر بين الرياض وطهران»، مضيفاً أنه «أثناء زيارته السعودية طلب السعوديون منه ذلك أيضاً». لكنه تراجع عن تصريحاته لاحقا في لقاء مع صحيفة سعودية حيث قال أن «المملكة العربية السعودية لم تطلب من العراق أي وساطة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأن المملكة دولة كبيرة ذات سياسة خارجية واضحة وقادرة على بناء علاقاتها وفق استراتيجيتها ومصالح شعبها بالصورة التي تراها مناسبة، وإننا ننفي مرة أخرى طلب المملكة لأي وساطة مع إيران».
وبعد تقارب وزيارات متبادلة بين مسؤولين في البلدين شهدتها الأشهر المنصرمة، ولقاء رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي بالملك سلمان في 14 حزيران/يونيو الماضي في جدة، وبعد استئناف رحلات الطيران من السعودية إلى بغداد، حيث حطت أول رحلة في 18 تشرين الأول/أكتوبر في مطار بغداد بعد انقطاع دام 27 سنة، واستمرارا نهج التقارب السعودي العراقي، تمت دعوة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لزيارة الرياض التي وصلها في 21 تشرين الأول/اكتوبر الماضي، لحضور مراسم توقيع اتفاقية مجلس التنسيق السعودي العراقي. لكن الموقف العراقي من النزاع السعودي – الإيراني في حالة وقوعه يبقى غير واضح المعالم، فالتصريحات الرسمية لرئيس الحكومة حيدر العبادي تؤكد على حيادية موقف العراق وعدم رغبة حكومته في الانجرار ليكون العراق طرفا في الصراعات الإقليمية، كما أكد مساعي العراق لنزع فتيل الأزمة الإقليمية ومحاولة تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة. وأكد رئيس الجمهورية فؤاد معصوم خلال زيارته الكويت، في 20 الجاري، أن وجود صراعٍ في منطقة الخليج العربي لا يصب في مصلحة بلاده، نافياً في الوقت ذاته أن يكون العراق مع إيران ضد السعودية أو العكس، وأضاف، في مؤتمر صحافي، أن «العراق مع وحدة الخليج؛ وخصوصاً أننا مررنا بتجارب كثيرة مضت، وليس من مصلحتنا وجود صراعٍ بين دول الخليج».
موقف حلفاء إيران في العراق
ويبقى موقف «صقور الكتلة الشيعية « مؤثرا في المشهد، حيث تتماهى كتل سياسية مؤثرة لها فصائلها المسلحة مع التوجهات الإيرانية، وأبرزها كتلة بدر التي تمتلك 13 لواء في فصائل الحشد الشعبي وحركة عصائب أهل الحق التي تمتلك ثلاثة ألوية في الحشد الشعبي، وكتائب حزب الله العراقي التي تمتلك لوائين في الحشد الشعبي، وكل هذه القوى تتلقى تسليحا ومعونات ودعما وتعليمات من فيلق القدس الإيراني وقائده الجنرال سليماني مباشرة، رغم ان التوصيف الرسمي للجنرال سليماني هو المستشار العسكري لهيئة الحشد التابعة لرئيس الوزراء، إلا ان الواقع على الأرض يشير إلى غير ذلك. ويرى المراقبون ان هذه القوى وفصائلها المسلحة لن تقف مكتوفة الأيدي في حال نشوب صراع مسلح بين السعودية وإيران، وربما كان أوضح مثال على ذلك هو تحديها مؤخرا لتعليمات وأوامر القائد العام للقوات المسلحة ووعوده التي أطلقها لجهات غربية بخصوص ضبط انتقال مقاتلي الميليشيات الشيعية للقتال في سوريا، ومع ذلك شهد الشهر الماضي انتقال حوالي 400 مقاتل عراقي من لواء ابو الفضل العباس التابع لهيئة الحشد الشعبي إلى مدينة البوكمال السورية للمشاركة في دعم قوات النظام السوري في قتاله ضد تنظيم «داعش».
من خلال المؤشرات السابقة لا نستطيع الخروج بقراءة واضحة لموقف عراقي موحد من النزاع، حيث تسعى أطراف ليست قليلة للنأي بالنفس عن هذا الصراع، لكن في الوقت نفسه هناك أطراف تبدو فاعلة في الصراع حتى قبل نشوبه.
ويبقى السؤال مفتوحا، هل ستنجح الأطراف التي تسعى لدفع التوتر السعودي – الإيراني إلى إشعال الحرب الفعلية بين البلدين مع كل الكوارث المتوقعة من جرائها؟ أم ستلعب الأطراف الدولية والإقليمية دورها في نزع فتيل الأزمة؟
القدس العربي |