“فورين أفيرز″ الأمريكية: من يُطهر من في السعودية ؟
هل حملة التطهيرفي السعودية هي عن الفساد؟ سؤال طرحه كل منأندرو ليبر وكريستوفر كاروثرز في موقع دورية “فورين أفيرز″ الأمريكية ، وقد تناولا الطريقة التي قدم فيها المحللون الأمريكيون عملية اعتقال 11 أميرا ونخبة رجال الأعمال والمسؤولين السابقين فمن قال أن لا علاقة لها من قريب أو بعيد بحملة مكافحة الفساد بل هي عن تجميع السلطات في يد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وقال آخرون إنها بداية عصر من الشفافية أو أنها دليل عن السلطة المطلقة في أعلى مستوى للحكومة السعودية. ولاحظ الكاتبان في مقال لها نشره موقع دورية “فورين أفيرز″ أن هناك نوع من التزلف في تحليلات المعلقين الأمريكيين والتي تبناها مؤيدو ولي العهد السعودي قلبا وقالبا. ومن بين ما قيل هي أن حملة بن سلمان تشبه ما قام به الرئيس الصيني، شي جينبغ الذي استخدم مكافحة الفساد لتطهير الحزب الشيوعي من منافسيه. ووردت المقاربة بمقالة للمعلق ديفيد إغناطيوس “واشنطن بوست”. والتقط انصار “م ب س″ الفكرة وقالوا إن ولي العهد جاد مثل الرئيس الصيني لتطهير الفساد. وثنى علي الشهابي من “المؤسسة العربية” في واشنطن على الفكرة وواصفا حملة بن سلمان على أنها ” تحول عن الماضي الذي استشرت فيه الرشوة”.
ثلات نقاط
وبشكل عام رفض المحللون حملتي مكافحة الفساد في البلدين باعتبارهما محاولة للحصول على السلطة باستخدام “اسلوب ديكتاتوري معروف لتجميع السلطة حسب كيلي فوللر من معهد “أمريكان إنتربرايز″. ومن أجل فهم ما حدث في السعودية يقول الكاتبان إنهما قررا تحليل مقاربة “م ب س″ شي ومناقشة ثلاث نقاط.
الأولى: من الباكر ومن السهل رفض جهود م ب س في مكافحة الفساد لأنه في النهاية ليس شي جينبنغ. ولكن حملة الرئيس الصيني تكشف أن الديكتاتوريين أحيانا يجمعون ما بين السيطرة على السلطة وإصلاحات جوهرية. الثانية: من أجل أن يصبح بن سلمان كنظيره الصيني فعليه ان يملك يدا قويا تستطيع مواجهة الوضع الفاسد وكفاءة للدولة قادرة على الإحتفاظ بالإصلاحات. الثالثة: سيكون امتحان الإصلاحات هو الأشهر المقبلة وفيما إن كان بن سلمان سيواصل عمليات الملاحقة ويعلن عن قواعد جديدة لمكافحة الفساد أم أنه سيفرج عن المعتقلين بهدوء وبدون “تطهيرهم”. والجواب على هذه النقاط يجعل من عملية القمع الأخيرة لمرة واحدة أم أنها بداية جادة ومنظمة لمكافحة الفساد. ويناقش الباحثان بالقول إن الديكتاتوريين عادة ما يتسمون بالفساد الكبير لكن من الخطأ رفض كل الجهود الشمولية لتنظيف الحكومات واعتباره “مسرحا سياسيا”. ويرى عدد من الخبراء في الشؤون الصينية أن جهود شي جينبنغ عملت وإن بشكل جزئي على الحد من الفساد وساعدته على توطيد سلطاته الشخصية وتوسيع سيطرة الحزب الشيوعي على الدولة والمجتمع. فمنذ عام 2013 قام الحزب الشيوعي الصيني بضبط أكثر مليون شخص فاسد. ولم يكن كلهم منافسون للرئيس. ومن بين المسؤولين الذين حوكموا في الفساد كانت قلة منهم تمثل تهديدا مباشرا للرئيس. ويرى الباحثان أن المحللين لحملات مكافحة الفسادعادة ما يقعون في الكلام المكرر ويفترضون أن أي شخص حوكم بالفساد كان عدوا للحاكم المستبد.
إنقلاب
وفيما يتعلق بما حدث في السعودية ناقش زاك بيوتشامب من موقع “فوكس″ وإليوت أبرامز من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أن حملة التطهير ربما كان محاولة لمنع إنقلاب من منافسين محتملين أو منع حصول آخر. وقد تكون هذه النظرية معقولة في حالة الأمير متعب بن عبدالله، وزير الحرس الثوري السابق والمرشح المحتمل للعرش. إلا أن هذه الفرضية لا تأخذ بعين الإعتبار اعتقال تكنوقراط مؤيدين للحكومة. فلا يوجد أي دليل عن قيام عادل الفقيه، وزير المالية أنه قام او فكر بتحدي م ب س. وفي العام الماضي وصفته وكالة أنباء “رويترز″ “نقطة الإتصال مع العائلة الحاكمة” والمفضل لدى بن سلمان في مجال الإصلاحات التي اقترحها. وليس جديدا أن المستبدين ينجحون في تطهير أحزابهم من منافسيهم ويقومون في الوقت نفسه بعملية إصلاحات ناجحة. فبعد انسحابه من الصين إلى تايوان قام تشاينغ كاي- تشيك بحملة تطهير وإصلاح ناجحة داخل الحزب الوطني. وبنفس السياق قام حاكم سنغافورة السابق لي كوان يو والذي يحظى باحترام حول العالم رغم ديكتاتوريته بتنظيف سنغافورة وإنشاء بيروقراطية لا يمكن المساس بها. وفي رواندا حظيت حملة بول كاغامي ضد الفساد بمديح من الإعلام الغربي ومنظمات التنمية الدولية.
القطط السمان
قد يحتج الناقدون ويقولون إن السعودية لا تشبه أيا من هذا ولا ضمان من أن حملة التطهير ليست إلا محاولة للسيطرة على السلطة. ورغم صعوبة تحديد المزاج العام في ملكية مطلقة إلا أن الكثيرين رحبوا بالقبض على القطط السمان. وقام بعضهم بوضع صور وتعليقات من فيلم “ذئب وول ستريت” حيث قام عملاء أف بي آي بمداهمة مكتب سمسار بورصة مرتش على أنغام أغنية “مسز روبنسون”. ويعلق الكاتبان إنه لا يوجد هناك اسسس واضحة لمكافحة الفساد إن أراد م ب س اتباع خطوات الرئيس الصيني لمكافحة الفساد او المستبدين قبله. ويقترح تحليل لواحد من كاتبي المقال لـ 27 محاولة مكافحة فساد منذ 1945 قامت بها انظمة مستبدة ان الديكتاتور ينجح عندما تكون لديه سلطات واسعة. فقد نجح شي جينبنغ أكثر من أسلافه في الحزب الشيوعي مثل هيو جينتاو نظرا لقوة شخصيته. وقد لا يكون شي مشابها لماوتسي تونغ إلا أن شخصيته العامة وقدراته القيادية أدت لبناء صورة إعجاب له بين الصينيين. وفي حالة بن سلمان فقد قام بالحملة الأخيرة من موقع سلطة خاصة أن حملة التطهير الاخيرة لم تكن من أجل التخلص من منافسيه ولأنه تخلص من ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف في حزيران (يونيو). وحتى بدون منافسين فلن ينجح ولي العهد السعودي في حملة مكافحة الفساد بدون دولة منظمة وذات كفاءة. وربما بدا شي جينبنغ عاجزا بدون الحزب الشيوعي الصيني المنظم. وسيواجه م ب س مشاكل بدون دعم البيروقراطية له. وقد يعتمد ولي العهد وحلفاؤه على الإحتياطي المالي لكنهم سيجدون عقباب لمواجهة الإقطاعيات التي بنتها العائلة المالكة المتنافسة وعبر العقود الماضية. وتقع هذه الإنقسامات في قلب قدرات الدولة التي يجب توفرها لمكافحة الفساد بما في ذلك القدرة على توزيع الموارد المالية وتنظيم العلاقات الإجتماعية. وفي هذا المجال يبدو بن سلمان متأخرا عن شي جينبنغ. وحتى نقاد الحزب الشيوعي يعترفون أن لديه القدرة على بناء الدولة تحسدها عليه الكثير من الأنظمة. وقد يكون من السهل على بن سلمان التخلي عن هذه الحملة. فالإعتقالات تكلف الإقتصاد على المدى القصير فيما ينتظر المستثمرون والأثرياء السعوديون يخرجون أموالهم لأماكن آمنة. وبالمقابل لو قام م ب س بدعم حملته بحملات تطال الدولة العميقة ضد المسؤولين المخالفين فعندها يمكن تصديق أن حملة ولي العهد جادة في مواجهة الفساد. وعندها نعرف أنها فعلا حملة تطهير لتعزيز السلطة أو تنظيم ربيعي ونافذة للإصلاح.
ابراهيم درويش
القدس العربي |