انهيار سلطة الخوف
ماحصل اليوم في كركوك تاريخي بمعنى الكلمة وصدمة بأعلى درجات ريختر ، وهذه الصدمة هي نتيجة طبيعية لسلطة الخوف التي فرضها مسعود البارزاني على اقليم كردستان بفعل تاريخ العائلة الطويل في المعارضة والسلطة ، فقد غاب الصوت المعتدل والمعارض ولم يستطع احد ان يقول للامبراطور انك عريان ، فما الذي حصل وكيف ؟!
ان وهم القوة انساه ان بيشمركة اليوم ليسوا بيشمركة الامس الاشداء الذين كانوا يتحصنون بالجبال ويقاتلون حتى الموت ، فهؤلاء من جيل جديد لم يدخلوا معركة حقيقية منذ نحو ربع قرن ودوافعهم للقتال تغيرت كثيرا ، وقسم كبير منهم من المواطنين البسطاء المسالمين المحرومين من الرواتب ولم تعد لديهم رغبة بالقتال على الاطلاق ، لكنهم الى ماقبل ليلة امس التي دخل بها الجيش العراقي الى كركوك كانوا مجبرين على الصمت والمؤدلج منهم كان لايجرؤ على الاعتراض والبوح .
القوى السياسية الكردية هي الاخرى لم تتكلم طيلة الازمة وقبلها ولم تستطع تقديم النصح لرئيس الاقليم امام اندفاعه المستميت واصراره على اجراء الاستفتاء رغم تحذيرات دول العالم من عواقبه الوخيمه ، وحين وجدت هذه القوى الخائفة نفسها امام خيار المواجهة او النجاة بجلدها اختارت الطريق الاسلم وانتقمت لنفسها من سلطة الخوف .
ان صاحب مشروع الانفصال نفسه وقع في اوهام كثيرة فهو الزعيم الذي لايخطئ ابدا وان قراره هو الصواب وان الفرصة سانحة ولن تأتي مرة اخرى ، فقد اعتقد ان البيشمركة ملتصقة بالمطلق بالزعيم وان افرادها لايتذمرون ويتحملون حرمانهم من الرواتب مهما طال الزمن ، وتوهم ايضا بأن العالم معه والعالم مرتبط بشبكة مصالح مع الاقليم وتركيا لن تساند الحكومة العراقية وايران تخشى التحرك تحسبا لغضب الرئيس ترامب المحمل حقدا على الايرانيين .
والبارزاني بدهائه المفترض فاته ان في بغداد من هو ادهى منه وان سياسة العبادي الخارجية وعلاقاته مع الجميع ستغلق عليه الابواب العربية والاوربية والامريكية ، وفاته ايضا ان القوات العراقية اصبحت اقوى جيش في المنطقة من ناحية القتال على الارض وقد قال العبادي هذه العبارة وسمعها البارزاني واستخف بها ،
كما تجاهل ولم يكترث لطبيعة عمل سلطة الطيران الدولية وقوانينها الصارمة فاصبح فجأة كسير الجناح لايستطيع اعادة اقرب افراد عائلته من الخارج الى مطار اربيل !
وهذه الصدمات سببها تغييب الصوت والرأي الاخر في كردستان الى حد الخنق بحيث لايسمع الدكتاتور الا الاغاني التي تعجبه والاصوات التي تؤيد مواقفه وتصفق له .
وسلطة الخوف هذه جعلت من نتيجة الاستفتاء معروفة سلفا سواء عن قناعة او عن تعصب قومي استطاع احيائه لدى عامة الكرد ، غير ان الفارين والمنسحبين اليوم من المواجهة ثبت ان لهم رأيا اخر في الاستفتاء لم يستطيعوا اظهاره للعلن .
لقد اصبح الاستفتاء بعد هذه الضربة الخاطفة وبعد رفع علم الدولة على المناطق المتنازع عليها واستعادة ابار النفط وابار البارزاني الخاصة مجرد ذكرى ثقيلة لكابوس جر على الاقليم مالايتوقعه احد واعاد العلاقة بين الحزبين الرئيسين الى نقطة اللاعودة وجرأ الاحزاب الصامتة على ان تخرج من صمتها الطويل .
يحصل مثل هذا المشهد الذي تغيب فيه العقول والارادات تكرارا في التاريخ وكلما وجد دكتاتورا يريد ان يبقى حتى ولو وحيدا .
عبدالهادي مهودر
موازين |