موسكو تسعى لمنافسة واشنطن في كردستان سياسياً واقتصادياً
كان الموقف الروسي الأقل حدة في معارضة استفتاء استقلال كردستان الذي جرى تنظيمه قبل أيام، مقارنة بنظيره الأمريكي، والإقليمي التركي والإيراني. ورغم بيانات الخارجية الروسية التي ضمت عبارات فضفاضة تخص وحدة العراق، لكن المتحدث الصحافي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين عبر عن موقف اقرب للحياد عندما قال «نحن ندعم وحدة أراضي دول المنطقة، لكننا لا نريد إعلان قرارنا بخصوص الاستفتاء حالياً».
كثير من المراقبين والكتاب الروس، يعتقدون أن على موسكو أن تكون أكثر مرونة مع طموحات الكرد القومية. ويكشف الكاتب مكسيم ساخوف في إحدى مقالاته عن رغبة لدى قطاع من المسؤولين الروس بدعم إقامة دولة كردية. كما ينقل عن عضو في اللجنة الرئاسية الروسية للجماعات الإثنية، قوله عن الكرد «ستكون لهم دولتهم عاجلا أو آجلا، بشكل أو بآخر».
وينطوي هذا التوجه الروسي على عدة أهداف، يتعلق أحدها بمنافسة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط من خلال محاولة الأستحواذ على أحد أهم حلفاء واشنطن في العراق، في وقت تبدو فيه واشنطن غير راضية عن تصاعد نزعة التحرر لدى إقليم كردستان من قيود السلطة المركزية التي دعمتها.
وترى واشنطن ذلك، إخفاقا لسياساتها في المنطقة، فيكتب جيمس جيفري، السفير الأمريكي السابق في العراق، كلمات غاضبة قائلاً: «هذه انتكاسة كبرى…إنها تحرمنا من القول إن الولايات المتحدة وحدها هي من تستطيع إبقاء العراق موحداً».
وإضافة للسباق بين موسكو وواشنطن على المياه الدافئة في الشرق، فإن التمدد الروسي في سوريا والعراق لا يقف أمامه سوى النفوذ الأمريكي بين القوى الكردية الانفصالية شمال سوريا، وكذلك العلاقات الأمريكية الوطيدة مع أربيل.
روسيا، تعتبر، أن نمو العلاقة بين الأكراد وموسكو سيمنح الأخيرة ملعبا جديداً للمناورة مع دولة إقليمية هامة هي تركيا، خصوصاً إذا عرفنا كيف استثمرت موسكو علاقتها الوطيدة مع أكراد تركيا وسوريا، كورقة مساومة مع أنقرة في الملف السوري.
الحسابات الاقتصادية أيضاً، دخلت كعامل مؤثر في الرؤية الروسية المنافسة للولايات المتحدة في كردستان، وحسب تحليل نشره مركز «ستراتفور» الأمريكي، فان موسكو تتحول تدريجياً لأكبر مصدر للسيولة المالية في الإقليم، من خلال النشاط الاستثماري لشركتي «روزنيفت» و«غازبروم» عملاقي الطاقة الروسيين، إذ توشك شركة «روزنفيت» على إبرام اتفاق مع اقليم كردستان العراق لتمويل وبناء خط أنابيب لتصدير الغاز الطبيعي لتركيا بقيمة مليار دولار.
ومن المستبعد أن يعطل الأتراك هذه الصفقة بوجه مصالح حلفائهم في روسيا، وهذه الصفقة ستكون ثالث مشروع كبير لعملاق الطاقة الروسي في اقليم كردستان العراق، بقيمة تتجاوز الاربعة مليارات دولارات، في صفقات خلال الاشهر القلية الماضية.
وحسب «ستراتفور»: «تمثل هذه الصفقات تحولا كبيرا لأكراد العراق الذين ربطتهم علاقات وثيقة بواشنطن منذ عام 1991 عندما عرضت الولايات المتحدة عليهم حمايتهم من صدام حسين». مصدر رفيع في أربيل، يقول :»موسكو تعمل فعليا على سد الفجوة مع تراجع الولايات المتحدة في العراق».
العلاقة بين الأكراد وروسيا، مرشحة للمزيد من التطور على حساب الأمريكيين، وقد تكون المهمة المقبلة للكرملين مراعاة حساسيات حليفهم الاقليمي الأبرز في طهران من الملف الكردي، ومزيدا من الاستثمار في الورقة الكردية مع تركيا.
القدس العربي |