العراق في مهب 11 سبتمبر: درس لم يتعلم منه أحد
بقلم علي عبد الأمير:
في اليوم التالي لاعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001، حمل مقال في صحيفة "بابل" المملوكة لعدي، النجل الأكبر للرئيس العراقي صدام حسين، هجوما واسعا على الولايات المتحدة، معتبرا تلك الهجمات الإرهابية "ثمرة لما زرعته واشنطن"، وهو ما سلط الأضواء سريعا على علاقة لم يتم إثباتها لاحقا بين تنظيم "القاعدة"، الذي نفذ تلك الهجمات، ونظام صدام حسين.
اقرأ أيضاً:
هل بات العراق على أعتاب التقسيم؟
سجال فكري عراقي: السيستاني بصفته تنويريا
وشكل موقف النظام الدكتاتوري من أحداث 11 أيلول/سبمتبر 2001، مثالا لأزمة ذلك النظام في قراءة المواقف الدولية، الغربية منها على وجه التحديد، حيال قضايا استراتيجية بارزة تشكل ملامح العالم المعاصر. فثمة من يقول إن النظام أخطأ بحق العراق حين أوحى في مواقفه من تلك الهجمات الإرهابية وكأنه مؤيد لها، لا بل وكأن له صلة بها، بينما كان عليه أن يستثمر ذلك الحدث الجبار في التعاون التام وغير المشروط مع الأمم المتحدة وأميركا، ويعلن بدء صفحة جديدة عبر عنوان عريض اسمه: إدانة الإرهاب الذي استهدف الولايات المتحدة.
ما فات تلك النظرة الطيبة النوايا وأصحابها، أن النظام العراقي السابق، تميز وتحديدا منذ إقدامه على غزو الكويت 1990، بالأخطاء الكارثية في مجال التعاطي مع المواقف الدولية والغربية منها تحديدا، وكشف عن سياق من الجهل التام بالعالم المعاصر متزامن مع سياق داخلي عنوانه الغرور الذي جعل مصالح البلاد كلها رهنا بما يراه شخص واحد: صدام حسين، الذي واصل رفض التعاون مع المفتشين الدوليين، على الرغم من تدخل شخصيات إقليمية ودولية مرموقة كانت تسعى لثني الرئيس السابق عن مسار التصعيد مع الولايات المتحدة التي كانت تبدو كجبار مجروح في كبريائه يبحث عن هدف لتأكيد قوته وعنفوانه.
الطريق إلى بغداد
بعد نحو عام ونصف من ذلك الحدث الذي زلزل العالم، كانت القوات الأميركية تدخل العاصمة العراقية لتسقط نظام الحكم، وتعلن بدء مرحلة جديدة في البلاد التي اكتوى أهلها بنيران حروب النظام الدكتاتوري الخارجية والداخلية، ودفعوا جراء سياساته أثمانا باهظة ليس أقلها تلك العقوبات الأقسى في التاريخ المعاصر والتي أضعفت المجتمع العراقي بعد أن أجهز الحكم على الدولة، فبدت البلاد مع نيسان/أبريل 2003 وكأنها بلا دولة ومجتمعها لا سياقات منتظمة تجمعه.
بطريقة أو بأخرى، بدا 11 أيلول/سبتمبر ممرا للوجود الأميركي في العراق وإسقاط نظام صدام حسين، أي أن ذلك اليوم الرهيب كان درسا لم يتعلم منه النظام العراقي السابق حتى فكرة بسيطة واحدة، مثلما يبدو أن عددا من قادة النظام الحالي الذي تشكل على أساس ذلك الوجود ليسوا في وارد التعلم من درسين وليس واحدا، فلا هم وعوا درس 11 سبتمبر بحد ذاته كتعبير صارخ عن العداء لأميركا، ولا درس ما انتهى إليه صدام جراء موقفه.
اللافت أن قادة النظام العراقي الحاكم اليوم ممن باتوا يجاهرون بالعداء لأميركا، هم ذاتهم الذين حملتهم سياسة واشنطن في العراق إلى السلطة، ومن بينهم نائب رئيس الجمهورية حاليا، رئيس الوزراء لدورتين 2006-2014 بدعم أميركي، نوري المالكي، الذي انتقد الولايات المتحدة لدعمها تكليف العبادي رئيسا للوزراء، فضلا عن كونه من اعتبر القوة التي صنعت منه قائدا للبلاد، قوة احتلال ورفضه بقاء عسكرها نهاية العام 2011 "عملا بطوليا ووطنيا".
وكان البيت الأبيض حث رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي على التنحي والسماح لخليفته المكلف بتشكيل الحكومة.
هزيمة الدولة العراقية الجديدة
وشكلت تلك الأزمة في صيف 2014 أقوى نكسة للدولة العراقية الجديدة التي رعتها الولايات المتحدة، وتمثلت بسقوط ثلث البلاد تحت سيطرة داعش، وهزيمة الآلاف من القوات التي كان يقودها ضباط موالون لرئيس الوزراء السابق، بحسب وزير الخارجية العراقي حينها هوشيار زيباري.
وحيال هزيمة الدولة العراقية بقيادة المالكي أمام داعش، أكد عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي على ضرورة تغيير من بدا فاقدا الأهلية في محاربة التنظيم الإرهابي، والتوفيق بين طوائف الشعب العراقي.
ومع الدعم المنهجي والحاسم الذي قدمته الولايات المتحدة للحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي مما أسهم في تحقيق انتصارات جوهرية على داعش وإزالة آثاره التي سببها حكم المالكي، تباينت نظرة الرجلين إلى الحلفاء الدوليين وفي مقدمتهم أميركا، فـ"بينما ينظر المالكي نظرة شك للأطراف الدولية، يعتبر العبادي الولايات المتحدة طرفا رئيسيا في الحرب على الإرهاب".
وفيما هاجمت الحكومة العراقية برئاسة العبادي والولايات المتحدة اتفاق حزب الله وسورية وإيران من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى على نقل عناصر الأخير من الحدود اللبنانية إلى العراقية، دافع المالكي عن الصفقة في إشارة إلى الموقع الذي بات الرجل يمثله، وفيه يؤكد معارضته ليس للوجود الأميركي في العراق وحسب، بل لأي تنسيق بين واشنطن وبغداد، وهو ما يبدو متوافقا مع الموقف الإيراني، الذي يشترك في الدفاع عن جبهته، إلى جانب المالكي، كثير من القوى المسيطرة على الحشد الشعبي، القوة المؤثرة في الوضع العراق أمنيا وسياسيا واجتماعيا.
وبحسب القاعدة التي باتت تتأكد في المشهد السياسي العربي والاسلامي، في إن الأنظمة المسيطرة على ذلك المشهد تنتج معارضات سياسية ومسلحة تشبهها، تبدو أخطاء صدام حسين في قراءة أحدث 11 سبتمبر وعموم المواقف الأميركية وقد تناسلت في مواقف معارضيه: المالكي ومعظم القادة الشيعة وحلفائهم من الكرد وبعض العلمانيين.
اليوم ترن أجراس الحدث الذي زلزل العالم، لكن أصواتها لا تسمع في العراق، وإن سمعت، فبصوت خفيض لا يثير انتباها إلا عند الندرة ممن يقرأون المشهد عمليا وواقعيا، مثلما لم تقرأ بغداد ذلك الصوت الرهيب للطائرات المعتدية على نيويورك وفيرجينيا في 2001، إلا بوصفه صوتا مجسدا لاحتفال صاخب بالشماتة.
موقع : ارفع صوتك |