لعنة العراق أذلت العرب ووصلت إلى الخليج
تتسابق الفواجع لمهاجمة العرب، وهذه المرة تضربهم في عقر خليجهم. فاجعة العرب الأُولى كانت إسقاط العراق الذي يبدو واضحا أن لعنته تلاحقهم حتى اليوم. يخطئ من يعتقد أن الزلزال الذي يشق الأرض الخليجية هو ارتداد الربيع العربي، والأَدق أن إسقاط زعماء الخليج للعراق كان إسقاطا لهم جميعا، فقط لو كانوا يعلمون.
بعد أن فقد العرب مركز ثقلهم السياسي والجغرافي في عواصمهم التاريخية بغداد ودمشق والقاهرة، اتجهت الأعين صوب البقعة الخليجية لتتولى إدارة العالم العربي المنكوب عبر مشروع استراتيجي يمنع اتساع رقعة الدمار الآتي كوحش لا دين له يلتهم البشر والحجر.
كل الآمال باءت بالفشل، بعض الدول الخليجية قررت فعلا التدخل في صراعات مصر وسوريا وليبيا واليمن لكن لم يكن تدخلا إيجابيا. لم تستطع هذه الدول أن توحد رؤيتها إزاء هذه الصراعات فقررت كل دولة أن تخوض الصراع وحدها عبر دعمها للجماعات المقاتلة على الأرض حتى وصلت الذروة وأن أصبحت هذه الدول تقاتل بعضها بعضا على الأرض السورية والليبية واليمنية منقسمة بين دول داعمة لجماعة الإخوان المسلمين وأخرى رافضة لها. إنها الحقيقة المُرة فهذه الدول هي المسؤولة عن تقسيم المصريين والسوريين والليبيين واليمنيين بين مؤيدين ورافضين للإسلام السياسي.
لكن التحول الخطير في مشهد اليوم أن المنطقة الخليجية لم تعد بمنأى عن الصراع الذي يدور بين دولها في العواصم العربية الملتهبة، فسياسات بعض هذه الدول جرّت الصراع الدائر بينها حول جماعة الإخوان إلى البقعة الخليجية التي طالما تمتعت بالأمان والاستقرار.
من أهم إفرازات الأزمة الخليجية البروز القوي لوحش دولة الإمارات العربية المتحدة وتأثيره الواضح على السعودية، فالإمارات وفي ذيلها السعودية ومصر والبحرين قررت أن تكون رأس الحربة أو الأفعى إنْ شئت لمحاربة وتهميش الإسلام السياسي ونشر سمها في كل مكان. لكن السؤال المُلح هو ما المشروع الاستراتيجي لدولة الإمارات؟ ولماذا كل هذا الخوف من جماعة الإخوان المسلمين التي يدمرون بسببها الديار والعباد؟
دور خطير تلعبه دولة الإمارات حسب الوقائع التي تتكشف عن لوبيات هذه الدولة وقنواتها مع إسرائيل. لا نعلم من يقف وراء المشروع السياسي لدولة الإمارات والذي يُراد تعميمهُ في المنطقة؟ ومن يحرك هذه الدولة لتتولى إحداث هذه الفوضى وفرز الأنظمة والشعوب العربية بين داعمة ورافضة للإسلام السياسي الإرهابي على حد تصنيفها.
ما يدفعنا للنظر بريبة لمشروع الإمارات الجديد في المنطقة هو محاولة الزج بحركة حماس ضمن قائمه إرهاب الإسلام السياسي وهذا التجاوز خطير على مقاومة الشعب الفلسطيني وحركة حماس اتفقنا معها أم اختلفنا.
رُفعت الأقلام وجفت الصحف لتسقط الأقنعة وتخرج الأفاعي من جحورها. لابد أن إسرائيل في أعلى درجات نشوتها السياسية وهي تشاهد العرب يطلقون النار على أنفسهم وينتحرون. فالتعامل معها لم يعد من المحرمات وربط حماس بالإرهاب هو اصطفاف لجانبها وتمهيد للتعامل معها علنا في المرحلة المقبلة بعد أن كان في الجحور. الدول الخليجية جميعها لديها علاقات سرية وعلنية مع إسرائيل، ولكن الخطير في المهمة المُناطة بدولة الإمارات أن تكون عرابة التطبيع العربي مع إسرائيل متجاوزة فلسطين التاريخية وإقناعها لأشراف مكة بالدوران حول إسرائيل بدل الأقصى. ولعل وجود محمد دحلان عضو المجلس التشريعي الفلسطيني السابق في دولة الإمارات والمعروف بعلاقاته الأمنية القوية في المنطقة يفسر خطوات الإمارات بشكل أكثر شمولا ووضوحا.
لا يخفى على أحد أن علاقة قطر بجماعة الإخوان المسلمين كانت وما زالت علاقة خلافية في الخليج العربي وقطر لا تخفي علاقاتها مع الإخوان أو دعمها حركة المقاومة الإسلامية حماس، هذا الدعم الذي تعتبره قطر إحدى أهم أوراق ثقلها الإقليمي ويجب التمسك بها مهما كان الثمن. إذا الإمارات ومحورها يريدون من قطر الاتفاق معها في القضاء على جماعة الإخوان في كل شبر مما تبقى من العالم العربي، وهذا ما ترفضه قطر.
بذلك نفهم أن عدو الخليج الأول أصبح الإسلام السياسي وليس إيران كما أوهمونا. ونفهم أيضا أن هذه الدول لا تمتلك بعدا استراتيجيا في قرارتها أو نزواتها، فكيف لنا أن نبرر لهم الحرب التي خاضوها في اليمن ضد إيران والتي حولتها الإمارات إلى حرب للقضاء على الإخوان المسلمين في الجنوب حتى وإن كان الثمن انفصال الجنوب، فبالنسبة لنزواتهم يشكل انفصال الجنوب في اليمن ثمنا بخسا إذا كان المقابل تحجيم الإخوان وقطر.
من المؤكد أن الإمارات والسعودية لم تتحركا صوب قطر دون مصادقة صامته من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي قبض الثمن مليارات الدولارات من السعودية والإمارات ودخل على خط ابتزاز قطر خلال المراحل الأولى من الأزمة وربما مازال مستمرا.
عبر هذه الأزمة تكشفت أهم وجوه الاستعمار الصامتة والخبيثة في البقعة الخليجية وهي القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية المنتشرة في الخليج العربي. رأينا السجالات حول قاعدة العديد الأمريكية في قطر ومحاولات الاستقواء بالمستعمر لرفع الحماية عن قطر. قطر أدركت خبث الإدارة الأمريكية وأن قاعدة العديد ستلتزم الحياد والصمت إذا ما أقدمت الإمارات والسعودية على إحداث أي قلائل داخلية فقررت استدعاء حلفائها الأتراك لتأمينها داخليا. إنه الاستعمار الذي يعود بقوته إلى سوريا والعراق وليبيا واليمن ويتربص ليَنقضَّ عبر قواعده العسكرية في البقعة الخليجية. خلاصة القول بقعة عربية جديده تتفكك في ظل الانهيار التاريخي للعرب خلال هذه المرحلة. الوجوه المقبلة للخليج العربي والتي باتت تعرف بالمُحمدين لا تبشر بخير ولا تحمل في عيونها إلا دمارا وخرابا لا نعلم لمصحة من. انهيار العرب بدأ من بغداد، بوابتهم المركزية الأولى، ونهوضهم لن يكون إلا منها. لن يكون العرب عربا دون بغداد والقدس ودمشق والقاهره. سنبقى بانتظار صحوة ما، لن تأتي إلا من عواصم العرب التاريخية.
القدس العربي |