«القدس العربي»: في ظاهرة ملفتة للنظر، تصاعدت جرائم العنف الأسري وتعذيب الأطفال من قبل ذويهم في العراق وبشكل غير مسبوق، ما أثار موجة من الاستنكار والدعوات لردع هذه الجرائم، وسط تعمد تأخير اقرار «قانون العنف الأسري» في مجلس النواب منذ سنوات.
وانتشرت حملة واسعة في وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام، جرى خلالها نشر المزيد من الأفلام عن التعذيب الذي يتعرض له أطفال على يد عائلاتهم.
فقد أظهرت أفلام قيام أب في البصرة بتعذيب الطفلة زهراء وعمرها سنة بطريقة الضرب والعض ما أدى لنقلها إلى المستشفى للعلاج إلا انها توفيت نتيجة عدم تحملها الإصابات. وأظهر فيلم آخر قيام أب في النجف بتعذيب طفلتيه زهراء وغدير بالعض والضرب أيضا ما تطلب نقلهما إلى المستشفى بعد اصابتهما بكسور وجروح في جميع أرجاء الجسم. وكذلك أظهر فيلم آخر فتاة تدعى بنين في بغداد وقد تم تعليقها في السقف بالمقلوب وضربها من قبل أفراد عائلتها بطريقة تشبه أساليب الأجهزة القمعية، كما عرضت المواقع الطفل علي عباس في كركوك الذي تم تعذيبه بالضرب بالآلات التي تركت آثارا واضحة على ظهره وساقيه تطلبت نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، وحوادث أخرى كثيرة. وقد تبين ان معظم الذين يرتكبون هذه الانتهاكات يتعاطون المخدرات والمسكرات المنتشرة بكثرة في العراق حاليا.
وضمن الأحداث الداعية لموقف مسؤول من الحكومة والبرلمان تجاه هذه الانتهاكات، انتقدت عضو لجنة المرأة والأسرة النيابية ريزان شيخ دلير، البرلمان لكونه يقف متفرجاً إزاء حالات التعذيب التي يتعرض لها الأطفال على أيدي ذويهم، داعية القضاء إلى اتخاذ أقصى العقوبات بحق من وصفتهم بـ»الوحوش البشرية» فيما طالبت مجلس النواب بإقرار قانون مناهضة العنف الأسري لإنقاذ النساء والأطفال من تلك «الجرائم» شبه اليومية.
وقالت شيخ دلير في بيانها، أن «حالات الاعتداء على الأطفال والتفنن في تعذيبهم ظاهرة تفاقمت مؤخراً من قبل أشخاص يدعون أنهم ذووهم وهم لا يمكن وصفهم إلا بالوحوش البشرية نظراً لبشاعة الحالات ضد أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم أبناء تلك العوائل التي لا تعي حجم المسؤولية وقيمة الطفل لمستقبل العراق».
وأضافت أن «حالات الاعتراض على تشريع قانون مناهضة العنف الأسري قائمة من قبل البعض من النواب الذين يرفضون التصويت عليه دون معرفة سبب ذلك» داعية القضاء إلى «اتخاذ أقصى العقوبات بحق هؤلاء الأشخاص غير الطبيعيين».
مجلس النواب يعرقل قانون «العنف الأسري»
وكشفت النائبة والعضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان بشرى العبيدي، ان المعرقل الرئيسي لصدور قانون «العنف الأسري» حاليا هو مجلس النواب، مشيرة إلى ان القانون يراوح بين الحكومة ومجلس النواب منذ عام 2009.
وأكدت العبيدي في لقاء تلفزيوني تابعته «القدس العربي» ان الموقف القانوني والبرلماني مخجل تجاه الاعتداءات على الطفولة التي تتواصل منذ سنوات، ولكنها انتشرت الآن بشكل مخيف في العراق، مشيرة إلى ان قانون «العنف الأسري» الذي يوفر الحماية للأطفال والنساء، يرقد الآن في مجلس النواب بسبب اعتراضات بعض النواب بحجج مختلفة منها رفض المرجعية في النجف للقانون، مؤكدة ان لجنة من النواب زاروا المرجعية ونفت رفضها للقانون، كما يريد بعض النواب فرض غرامات مالية فقط على مرتكبي هذه الجرائم دون الحاجة إلى سجنهم، معربة عن اعتقادها بعدم تمرير القانون في البرلمان.
ودعت العبيدي الرأي العام ووسائل الإعلام، إلى القيام بحملة وطنية واسعة للضغط على مجلس النواب واجباره على اقرار قانون «العنف الأسري» إضافة إلى حملة توعية اجتماعية بمخاطر الاعتداءات على الأطفال ومستقبلهم.
وضمن السياق، أعلنت وزارة الداخلية العراقية في بيان، إن «الوزير قاسم الاعرجي استقبل، الطفلة المعنفة بنين وشقيقها»، حيث أكد أن «الطفلة تعرضت إلى تعذيب وحشي من قبل أقاربها وبطريقة لا تمت للإنسانية وقيم احترام حقوق الإنسان والطفل بصلة».
وأضافت، أن «الوزير اطلع على أحوال الطفلة وشقيقها وأمر بتكريمهما مادياً ومعنوياً لمحاولة إزالة آثار التعذيب الذي تعرضت له وتلطيفها معنوياً وإنسانيا»، مبينة أن «الوزير وعد باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق هؤلاء وكل الذين على شاكلتهم ووفقاً للقوانين النافذة».
ووجه الوزير، حسب البيان، الدوائر ذات الاختصاص في الوزارة مثل حماية الأسرة والطفل والدوائر الأخرى بـ»القيام بواجباتها المتعلقة بالتثقيف والتوعية، فضلاً عن ضرورة رصد الحالات الشاذة من أجل اتخاذ اللازم بشأنها».
يذكر أن الشرطة اعتقلت المتهمين في قضية تعذيب الأطفال من ضمنهم الطفلة بنين، في منطقة السيدية جنوبي بغداد، وذلك بعد انتشار قصتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وأثارت ردود فعل غاضبة.
ويؤكد مراقبون للوضع الأسري في العراق ان تفشي العنف والجريمة والمخدرات والفقر وضعف الاهتمام الرسمي، تعتبر من الأسباب المهمة لانتشار الظواهر الاجتماعية السلبية الغريبة عن عادات المجتمع العراقي بعد 2003 والتي تعبر عن التفكك الأسري مثل العنف ضد الأطفال والنساء وكثرة حالات الطلاق وغيرها من الظواهر الاجتماعية التي تدعو للقلق.