نقص الوقود يحوّل الموصل إلى مدينة لـ"البايسكلات"
ترجمة/ المدى
أوقف محمد كمال محمود دراجته الهوائية التي كان يقودها وسط الشوارع المليئة بالأنقاض في الساحل الأيمن المحاصر من مدينة الموصل، لشرح اسباب مخاطرته بالخروج على متن دراجته الهوائية المحطّمة الملطخة بالوحل.
ويقول ذلك الرجل الذي يعمل ميكانيكياً "عندما تكون الضربات الجوية كثيفة، لا نقود دراجاتنا". وأثناء حديثه، أطلقت مروحيات عسكرية عراقية النار، وعلى بعد بضعة شوارع انطلقت نيران قذائف الهاون والصواريخ.
ويذكر أن العديد من سكان الموصل البالغ عددهم 1.2 مليون نسمة محاصرون بين المسلحين والقوات العراقية منذ بدء الهجوم على المدينة لاستعادتها من سيطرة تنظيم داعش في تشرين الاول الماضي.
وبينما عادت حركة المرور الى الساحل الأيسر للمدينة حيث تم طرد مسلحي داعش، فإن القوات العراقية ما زالت تقاتل على الساحل الأيمن و منعت حركة السيارات والدراجات النارية. لأن داعش يقوم بتفخيخها ويستخدمها في العمليات الانتحارية.
وقد حوّل هذا الأمر مدينة الموصل إلى مدينة للدراجات الهوائية.
وكانت سلّة دراجة محمود تحتوي على كميات قليلة من الدواء لأمه، التي تعاني من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وقد أغلقت صيدلية الحي ابوابها منذ بدء الهجوم، وكان يجوب الشوارع بدراجته محاولاً معرفة مكان يحصل فيه على الدواء لوالدته.
وقال "لقد اصبح الدواء باهظ التكاليف".
وكانت قيادته الدراجة امراً يحمل نوعاً من المخاطرة، فضلاً عن اطاراتها التي تسطحت بسبب كثرة الانقاض في الشوارع (وكان يحمل مضخة لنفخ اطارات الدراجة في سلّته ولكن مثل كل راكبي الدراجات الآخرين ومعظم الجنود العراقيين في الموصل، لم يكن يرتدي خوذة).
اوقف صديق له دراجته ليحيّه وتبادلا القبلات والعناق. واقترح عليه أن يترك حي الطيران الذي كان يبحث فيه عن صيدلية ويذهب الى مركز المدينة القريب.
هز محمود رأسه.
وقال "لا، انه لم يتحرر بعد"، قبل أن يحرك دراجته بعيداً عن هيكل سيارة أجرة صفراء محترقة مركونة في الشارع الذي يغطيه التراب.
يقول السكان إن مسلحين من تنظيم داعش احرقوا العديد من سياراتهم عندما انسحبوا من المنطقة، لاجل اعاقة تقدم القوات العراقية.
يعيش قصي توفيق في الساحل الأيمن منذ 50 عاماً، وقال إنه، لا يستطيع أن يفهم لماذا لا يسمح للسكان بقيادة السيارات. فهو لا يتمكن من زيارة الطبيب أو الحصول على راتبه من وزارة الزراعة العراقية أو نقل أي من سياراته الثلاث الى مكان آمن في الساحل الأيسر.
وأضاف "لقد تم تحرير المنطقة. يجب أن يكون الناس قادرين على المغادرة "، وقال، بألم. "لقد عانينا كثيراً تحت حكم داعش".
كانت هناك تجارة مزدهرة لبيع الدراجات الهوائية في الساحل الأيمن من الموصل، وكانت المحال التجارية تصطف على ضفاف نهر دجلة، الذي يقسم المدينة. ويقول السكان إنه تم اغلاق المحال بعد بدء الهجوم، ومن غير المحتمل اعادة فتحها في اي وقت قريب.
ويقول السكان، إن اسعار الدراجات الهوائية في الساحل الأيمن تتراوح ما بين 100 و200 دولار، وهو مبلغ باهظ للأسر التي لم تستطع مغادرة المنطقة لشهور لأجل الحصول على عمل أو تسلم الرواتب الحكومية.
وقال صالح حسين الذي اوقف سيارته الحمراء أمام نقطة تفتيش تابعة للشرطة الاتحادية: "في السابق كانت أسعار الدراجات رخيصة - 20 دولاراً".
والكثيرون في الساحل الايمن مثل حسين ممن يملكون دراجات قديمة، نفضوا عنها الغبار وجهزوها بسلال متعددة لنقل الإمدادات.
وأضاف صالح: "كنت أستخدم دراجة نارية". وتوقفت عن استخدامها حتى قبل منعها بسبب نقص الوقود.
أما محمد صباح يحيى، فيدير متجراً لبيع الدراجات النارية في الساحل الأيمن، لكنه دمر أثناء الهجوم. وافتتح مؤخراً متجراً لبيع الدراجات في الساحل الأيسر، ضمن مجموعة من المحال التي أعيد فتحها. وباع في الأسبوع الأول، 10 دراجات مقابل 65 دولاراً إلى 70 دولاراً.
جميع هذه الدراجات من النوع النسائي. فالنساء لا يقدن الدراجات الهوائية – وهذا الأمر لم يكن معتاداً حتى قبل أن يستولي تنظيم داعش على المدينة في عام 2014. ويقول يحيى إن الرجال في الموصل يعتقدون أن الدراجات النسائية أسهل في القيادة.
على مقربة من الطريق السريع الرئيس في الساحل الأيسر المكتظ للغاية بسيارات الأجرة الصفراء، والسيارات العائلية والشاحنات الصغيرة التي سببت زحاماً في المرور. قال أحد ركاب الدراجات إنه، يمتلك سيارة ولكنه يقود الدراجة تجنباً لزحام المرور.
اما عبيدة إسماعيل (19 عاماً) فقد ركن دراجة سكوتر سوداء خارج متجر يحيى لفترة وجيزة. ورغم انه يمتلك دراجة هوائية، لكنه اقترض السكوتر من صديق له حتى يتمكن من الوصول الى مكان عمله عند محل قصابة قريب بأسرع وقت ممكن. كانت رحلة محفوفة بالمخاطر: وفي حين عادت السيارات إلى الظهور في الساحل الأيسر، كانت الدراجات النارية أبطأ في الظهور لأن إسماعيل وآخرين ما زالوا قلقين من أن توقفهم الشرطة.
واضاف "اذا رأتني الشرطة فإنها قد تصادرها".
وفي مكان قريب كان يقف صديقه مثنى مروان الذي يبلغ من العمر 24 عاماً،: واومأ برأسه موافقاً.
"لأن داعش يستخدم الدراجات النارية".
وعلى الرغم من هزيمة داعش في الساحل الأيسر من الموصل، إلا أن السكان لا يزالون يتجنبون ركوب الدراجات ليلاً خوفاً من بقايا الخلايا النائمة "المسلحة". ويقول يحيى، صاحب متجر الدراجات، انه يشعر بالأمان على أي حال، ولكنه يرفض قيادة الدراجة في الساحل الأيمن
قال ضاحكاً "هناك تدور حرب! فلماذا أذهب؟ ""عندما يصبح الساحل الأيمن آمناً، سأذهب إلى هناك لأبيع الدراجات".
عن لوس انجلوس تايمز
|