صــراع الهــــوية في الــــعراق
صراع على الهوية في العراق هو جوهر الصراع السائد وهو صراع دولي / إقليمي في إطاره العام الجاري حاليا ، وحوله البعض إلى صراعات طائفية ومذهبية وإثنية . لكن صمام الأمان لوحدة العراق يكون في التأكيد على الطبيعة السياسية للصراع أولا ، وفي ملء الفراغ وطنيا من خلال المشروع الوطني الجامع بركائزه الثلاث الديمقراطية والوطنية والثقافية حيث أن هناك حاجة للتأكيد على العروبة كهوية ثقافية حضارية لكل العراقيين بدل من الحديث عن القومية العربية بمفهومها السياسي وما لحق بهذا المفهوم من تشويه فكري وممارسات سياسية سيئة للغاية .
إن العراق يحتاج اليوم إلى حسم هويته من خلال طرح فكري يجمع ولا يفرق ، يدعو إلى التكامل من دون إثارة المخاوف ، هوية جامعة ترعى وتتكامل مع خصوصيات الوطن والأديان والمذاهب والأصول العرقية والإثنية .. نحن نحتاج إلى إطروحة فكرية تفصل بين الوطنية والقطرية ، كما تفصل بين العروبة كهوية إنتماء ثقافي وحضاري وبين المسائل القومية الفكرية ذات السمة الأيديولوجية المغلقة .
إن أساس الخلل الراهن في جسم العراق هو في عقول السياسيين السابقين واللاحقين الذين فشلوا عمليا في الحفاظ على الظاهرة الطبيعية بالتعدد الديني والمذهبي والإثني في المجتمع العراقي ، وهي بالمناسبة ( ليست ظاهرة عراقية بل ظاهرة طبيعية تشترك فيها المجتمعات البشرية بلا إستثناء ولكنها قد تكون كبيرة أو محدودة ) ؛ حيث باتت الأفكار والممارسات تصب كلها في أطر فئوية موجهة كالسهام ضد الآخر في ربوع الوطن الواحد . فالتعدد والتنوع في العراق قديم جدا لكنه لم يكن حاجزا بين الشعب في التوحد وإرادة العيش المشترك ، إلا إننا للأسف أخذنا نتعايش مع إعلام وطروحات فكرية وسياسية لا تخجل من توزيعنا على طوائف وأقليات على حساب الهوية الوطنية العراقية الواحدة .
يركز أغلب الدراسين والباحثين في العالم العربي على البعدين الديني والقومي عـند تناولهم لمسألة ' الهوية ' وأزمتها , ويغفلون كليا إمكانية البحث عن الهوية إستنادا إلى مقومات وطنية داخلية وذلك إعتقادا منهم إن الإقرار بالخصائص الوطنية للهوية يتعارض أو يلغي الخصائص الدينية أو القومية أو كلاهما معا . ولكن هذا الإعتقاد لايقوم على أسس حقيقية وإنما هو مستمد من مخاوف أن تكون الهوية الوطنية بديلا أبديا عن الهوية القومية ، ولكن هذا لايعني أن ندير ظهرنا للواقع ونتخلى عن بناء الدولة من خلال هوية وطنية بانتظار إفرازات مستقبلية وتطلعات لم تلامس الواقع بعد . فهذا التخوف والإقصاء من مسألة الوطنية ليس في محله ، فهل تحقيق الهوية القومية في كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإيرلندا كان حائلا دون تحقيق هوية أوسع هي الهوية الأوربية ؟ وإذا كان الجواب بالنفي ، فإن من حقنا أن نقرر بإن تحقيق الهوية الوطنية المرتبطة بكيان سياسي واجتماعي واقعي شرط لا بد منه لتحقيق أية هوية أخرى أوسع منها . كما أن الخيار بين الهوية الشاملة ممثلة بالدين أو القومية وبين الهوية الوطنية غير متاح الآن لنجعل إختيار أحدهما نفيا ونقضا للآخر . والصحيح أن نقول في حالتنا العراقية أن الخيار الوحيد الممكن هو خيار الهوية الوطنية لأنه يعبر عن حاجة ملحة ولا يتعارض بالضرورة مع الخيارات الأخرى بل يمكن أن يتكامل معها مستقبلا . إذ يجب أن تكون الهوية الوطنية العراقية هي الهوية الوحيدة التي يتجمع العراقيون تحتها ، أما الصفات الأخرى العرقية والدينية والمذهبية فهي ليست مما يرقى إلى مستوى الهوية الجامعة الموحدة . أي إنها ليست هويات بديلة أو رديفة ولكنها بالتأكيد من مقومات الهوية الوطنية العراقية ، إنها خصوصيات تحظى بالإحترام والتقدير وليس لها أن تكون على تناقض مع الهوية العراقية مطلقا . إن الواقع السكاني العراقي المتعدد والمتنوع وما يشهده الآن من إضطرابات وصراع دموي مؤسف يكاد يطيح بوحدة البلاد ، كل ذلك يقودنا إلى حقيقة مفادها ، إن وحدة الشعب العراقي على أسس موضوعية من أهمها الهوية الوطنية هي الضامن الوحيد لوحدة العراق أرضا وشعبا .
عراق الامير
الاخبارية |