بعد انحسار عمليات النبش من السرّاق..تجاوزات الدوائر الحكومية ونقص الحرّاس تهدد مواقع ذي قار الآثارية  ذي قار / حسين العامل

 بعد أن تقلصت أعمال النبش والسرقة في المواقع الأثرية في ذي قار بواقع 70 بالمئة، برزت تهديدات أخرى تتمثل بتجاوز دوائر البلديات والنفط والطرق والجسور، على تلك المواقع التي تعود لأقدم العصور السومرية والبابلية والحقب الحضارية الأخرى في بلاد الرافدين)، بهذه العبارات الموجعة أعادنا مدير مفتشية أثار ذي قار الى محنة الآثار العراقية، التي طالتها يد التخريب وتناهشتها أيدي السرّاق وعصابات التهريب منذ عام 2003 وحتّى الآن، وتضمّ محافظة ذي قار، نحو 1200 موقع آثاري يعود معظمها إلى عصر فجر السلالات والحضارات السومرية والأكدية والبابلية والأخمينية والفرثية والساسانية والعصر الإسلامي، وتعد من أغنى المحافظات العراقية بالمواقع الأثرية المهمة، إذ تضمّ بيت النبي إبراهيم وزقورة أور التاريخية، فضلاً عن المقبرة الملكية، وقصر شولكي ومعبد (دب لال ماخ) الذي يعد أقدم محكمة في التاريخ .

آثار تحت أنقاض الطمر الصحي

منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، سبق وأن وافقت بتاريخ (الـ17 من تموز 2016 الحالي)، على ضمّ الأهوار والمناطق الآثارية فيها، إلى لائحة التراث العالمي بعد تصويت جميع الأعضاء بالموافقة. وبموجب قرار منظمة اليونسكو، فإن الأهوار والمواقع الآثارية التي أدرجت على لائحة التراث العالمي، هي أور وأريدو وهور الحمار والحويزة والأهوار الوسطى في ذي قار وميسان، الوركاء في المثنى، وهور الحمار الشرقي في البصرة.

وبشأن ما تتعرض له المواقع الأثرية في ذي قار من تجاوزات حكومية، يوضّح مدير مفتشية آثار ذي قار أمجد نعمة لـ(المدى): أن أعمال نبش وسرقة المواقع الاثرية في ذي قار، اخذت تتراجع بصورة تدريجية بعد تشكيل قوة حماية الآثار في عام 2011 وقد انخفضت تلك الأعمال بنسبة (70%)  عما كانت عليه في عام 2003 والأعوام اللاحقة التي شهدت هجمة بربرية على الآثار. مستدركاً: لكن الفرحة بما تحقق من حماية للمواقع الأثرية في الاعوام الاخيرة، افسدتها تجاوزات أخرى قامت بها الدوائر الحكومية على تلك المواقع. 

وكشف نعمة: عن عدّة تجاوزات قامت بها عدد من الدوائر الحكومية بالمحافظة، من بينها انشاء جزء من ملعب الناصرية على موقع أثري، وتجاوزات شركة آشور للمقاولات على خمسة مواقع اثرية تقع على طريق ناصرية - سماوة منذ عام 2011. لافتاً: الى حصول تعارض في أحد مشاريع نفط الجنوب مع موقع اثري قرب نهر الكار المندرس في منطقة الكطيعة غرب الناصرية، وتجاوز بلدية قضاء سوق الشيوخ على موقع ابو صلابيخ الأثري الذي يعود للسلالة السومرية الثالثة، حيث جعلت منه جزءاً من منطقة الطمر الصحي في القضاء المذكور.

وأشار مدير مفتشية آثار ذي قار، الى أن  مفتشية الآثار، أقامت عدّة دعاوى قضائية على الجهات الحكومية المتجاوزة على المواقع الأثرية، وأن تلك القضايا، لازالت قيد التحقيق من قبل المحاكم المختصة. داعياً الدوائر الحكومية، الى التقيد بضوابط ومحددات المواقع الاثرية والعمل على تعزيز حماية المواقع الأثرية. 

1200 موقع أثري تحت حماية 160 حارساً  

وعن المخاطر الأخرى التي تتهدد المواقع الأثرية، قال مدير مفتشية آثار ذي قار أمجد نعمة: إن اكثر المواقع الأثرية تفتقر في الوقت الحاضر الى الحرّاس، فالحراس الحاليون لا يتجاوز عددهم (160) حارساً في حين يتخطى عدد المواقع الأثرية بالمحافظة حاجز الـ(1200) موقع أثري. مبيناً: أن عدد الحرّاس لا يتناسب مع عدد المواقع الأثرية، وقد فاتحنا هيئة الاثار وادارة المحافظة حول تعيين حرّاس اضافيين، لكن طلبنا غالباً ما يصطدم بالعجز المالي. مطالباً: بزيادة اعداد الحرّاس، كون معظم المواقع الاثرية غير مسيّجة وغير محمية وتقع في مناطق نائية وغير ذلك. 

وبشأن أبرز المواقع المهددة بمخاطر التجاوز والنبش من سرّاق الآثار، قال نعمة: إن موقع جوخا (130 كم شمال الناصرية) الذي يمثّل مملكة أوما السومرية، هو من اكثر المواقع المهددة بالنبش والتجاوز، كونه يقع ضمن منطقة نائية على الحدود المشتركة بين محافظتي ذي قار والديوانية. مشيراً: الى أن الموقع المذكور تقدّر مساحته بأكثر من (8) هكتارات، ويعد من اكبر المواقع الاثرية في ذي قار، حيث تتجاوز مساحته مساحة مدينة أور الاثرية، وهو ما يتطلب رفده بأكثر من (10) حرّاس إضافيين. منوهاً: الى أن مفتشية اثار ذي قار، سلّمت موقع جوخا الى البعثة السلوفاكية التي انهت موسمها التنقيبي الأول في الموقع المذكور، على أمل أن تستأنف التنقيب لاحقاً، لأربعة مواسم أخرى، وفق العقد المبرم مع الهيئة العامة للآثار الذي يستمر لخمسة أعوام.

تزايد التجاوزات 

وقشط تربة المواقع

وعن انعكاس اعمال التجاوز على المواقع الأثرية واثارها السلبية على التوثيق التأريخي للطبقات الحضارية قال الباحث الآثاري الدكتور عبد الامير الحمداني لـ(المدى) إن التجاوزات على المواقع الأثرية، تحولت جزئياً في السنوات الأخيرة من عمليات نهب وسرقة قطع الآثار الى تجاوزات يقوم بها الأهالي ودوائر الدولة، على المواقع الأثرية. مشيراً: الى قيام بعض الأهالي، برفع وقشط تربة الموقع الأثري أو بيع الاراضي الزراعية التي تضمّ المواقع الأثرية، كمقالع للتربة واستخدامها في اعمال الدفن والأعمال الإنشائية. مضيفاً: أما تجاوزات دوائر الدولة، فهي تتمثل بتنفيذ مشاريع دون استحصال موافقات هيئة الآثار، وبالتالي يحصل تجاوز على بعض المواقع الاثرية، التي تقع ضمن مواقع المشاريع الحكومية، أو من خلال تخصيص مقالع للتربة، تشتمل على مواقع اثرية، كما حصل في مناطق الرفاعي والدواية وسوق الشيوخ وحتّى في مركز مدينة الناصرية.

وأشار الحمداني: الى أن مثل هذه التجاوزات، تلحق ضرراً كبيراً بالمواقع الاثرية، وتتسبب بتخريبها كونها تؤدي الى جرف واستباحة الطبقات الحضارية وضياع للمعلومات التاريخية، فضلاً عن تضرر الملامح العمرانية وتلف الآثار المادية والمدوّنة. متابعاً: كنا نأمل أن تنحسر التجاوزات مثلما تراجعت أعمال النهب والسرقة، لكن للأسف، شخصّنا حالات من عدم المبالاة بالحفاظ على الإرث الحضاري، من قبل الأهالي ودوائر الدولة.

وبشأن دور مفتشية الآثار في حماية المواقع الأثرية، قال الباحث الآثاري: إن دائر الآثار في ذي قار، غير قادرة على بسط كامل سيطرتها على المواقع الأثرية التي تعد بالمئات، كونها مؤسسة تهتم بالدرجة الأساس بالبحث العلمي والتنقيب. مشدداً: على اهمية إيكال حماية الآثار للقوات الأمنية في الأقضية والنواحي، مع تعزيز قوة حماية الآثار ورفدها بالآليات والمنتسبين، وبما يتناسب مع حجم المواقع الأثرية بالمحافظة. مبيناً: أن  تعزيز القوة وإحكام السيطرة على المواقع الأثرية، من شأنهما أن يحدّا من حالات التجاوز.

واكد: الحمداني: على ضرورة ردع المتجاوزين قبل قيامهم بأعمال التخريب من خلال نصب الكمائن وتسيير الدوريات وتعزيز الحراسات في المواقع المستهدفة والمواقع النائية. لافتاً: الى أن قانون الآثار رقم (55) لسنة 2002 يتضمن مواد قانونية من شأنها أن تسهم بردع المتجاوزين على المواقع الأثرية في حال تم تفعيلها قضائياً.

قوة بإمكانات محدودة ماذا تفعل؟

اجراءات شرطة حماية الآثار في الحدّ من التجاوزات على المواقع الاثرية، قد يكون لها الدور الاكبر في حماية المواقع الآثارية، عن تلك الاجراءات، قال مسؤول قوة حماية الآثار في ذي قار، العقيد فؤاد كريم عبد الله لـ(المدى) إن واجبات قوة حماية الآثار لا تقتصر على حماية المواقع الاثرية، فقط، وانما تمتد لتشمل تأمين الحماية للبعثات التنقيبية الأجنبية العاملة في المواقع الأثرية بالمحافظة، حيث تتناوب اكثر من ست بعثات تنقيبية دولية على التنقيب في مواقع أثرية تتوزع على أرجاء مختلفة من المحافظة. مشيراً: الى أن اجراءات قوة حماية الآثار اسهمت الى حد كبير، في الحدّ من التجاوزات التي كانت تحصل في موقعي جوخا وأم العقارب في شمال الناصرية، التي كانت تتعرض في السابق، لأعمال نبش ونهب كبيرة .منوهاً: الى أن حالات التجاوز متوقع حصولها في أي وقت، وإن ما مطلوب هو كيفية التعامل معها للحدّ من اثارها على المواقع الاثرية .

ولفت عبدالله: الى أن عديد قوة حماية الآثار من عناصر الشرطة يبلغ 186 عنصراً أمنياً، وهذا لا يغطي جميع المواقع الأثرية البالغة أكثر من 1200 موقع أثري. مضيفاً: أن القوة لجأت ضمن معالجتها لتلافي العجز، بإعداد المنتسبين الى التنسيق مع مديريات شرطة الاقسام في الوحدات الادارية، على تسيير دوريات آلية لمتابعة المواقع الأثرية بالتنسيق مع قوة حماية الآثار. مؤكداً: أن القوة أخذت تسيّر دوريات آلية من الشرطة لمتابعة جميع المواقع الأثرية، ولاسيما المواقع المهددة بالتجاوز. منوهاً الى أن، قوة حماية الاثار لا تمتلك صلاحية إقامة دعوة قضائية على المتجاوزين، إلا من خلال مديرية الآثار التي تقوم بدورها برفع دعوى قضائية ضد المتجاوزين امام المحاكم المختصة.

وزارة الثقافة غير متعاونة

الحكومة المحلية ووزارة الثقافة والسياحة، تقع ضمن مسؤوليتهما حماية وصيانة تلك الآثار ومعالجة مشكلة التجاوز على المواقع الاثرية، بهذا الخصوص قالت رئيسة لجنة السياحة والآثار في مجلس محافظة ذي قار اجيال كريم الموسوي لـ(المدى) إن لجنة السياحة والآثار، رصدت عدّة تجاوزات على المواقع الاثرية، وما يؤسف له، أن بعض هذه التجاوزات، تأتي من دوائر حكومية، كالبلدية والطرق والجسور والنفط . لافتة الى أن، ادارة المحافظة فتحت تحقيقاً في التجاوزات، ولاسيما التجاوز الأخير الذي تعرض له موقع ابو صلابيخ الأثري في سوق الشيوخ، حيث استخدم كمقلع للتربة وهو ما عرّض محتويات الموقع المذكور للأضرار.

وأعربت رئيسة لجنة السياحة والآثار عن قلقها من تكرار عمليات التجاوز على المواقع الأثرية، وحمّلت وزارة الثقافة والتراث، مسؤولية اهمال المواقع الاثرية في ذي قار، حيث تمتنع الوزارة عن تعيين حراس إضافيين لتأمين الحماية الكافية للمواقع المذكورة .منوهة الى أن، لجنة السياحة والآثار في مجلس المحافظة، سبق وأن طالبت وزارة الثقافة بصورة رسمية بذلك، ولمرات عدة، لكن دون جدوى، حيث تتذرّع الوزارة بضعف تخصيصاتها المالية. مشددة: أن وزارة الثقافة، لا تعمل حالياً بنظام الحذف والاستحداث المعمول به، في كل الوزارات، فالموظف أو الحارس الذي يحال على التقاعد من وزارة الثقافة، لا يعيّن بديلاً عنه وهو ما انعكس سلباً على حماية المواقع الاثرية.

مئات المواقع بلا حراسة

وكشفت رئيسة لجنة السياحة والآثار في مجلس محافظة ذي قار، اجيال كريم الموسوي، عن مئات المواقع الاثرية التي ما زالت دون حراسة، وبينت أن، محافظة ذي قار تضم اكثر من 1200 موقع اثري، الا ان المئات من هذه المواقع خالية من الحراسة، وهو ما يجعلها عرضة لمخاطر النبش والتجاوز والعبث من قبل بعض الافراد والجماعات. مشيرة: الى أن القوة الأمنية المكلفة بحماية الاثار، غالباً ما تلجأ الى طلب الدعم من قوات الشرطة المحلية لتعزيز أمن المواقع الاثرية، وهي حالياً تعمل على تسيير الدوريات الآلية لسد العجز في أعداد حراس المواقع الاثرية. مردفاً: لكن هذا غير كاف، ولا يغني عن وجود حرّاس دائميين يتواجدون على مدار الساعة في المواقع المذكورة.

ونوّهت الموسوي: الى أن اجراءات قوة حماية الاثار والشرطة المحلية، اسهمت الى حد ما، بتخفيض معدلات التجاوز على المواقع الاثرية. داعية: الى تشديد العقوبات القانونية على المتجاوزين لغرض ردع من تسوّل لهم نفسه التجاوز على الإرث الحضاري .

المدى