فشل حملة حكومية لنزع السلاح من يد المدنيين بعد شهر على إطلاقها
اعتبر مسؤولون في عدة محافظات إن طلب الحكومة تسليم سلاح العشائر والمدنيين الى الدولة، بانه مناسبة للتندّر وإطلاق النكات.
وانتهت منذ نحو شهر مهلة أعلنتها الحكومة لنزع السلاح من المواطنين، فيما لم تتوفر دلائل واضحة على نجاح هذا المسعى.
وعلى العكس، فان محافظات جنوبية، تشهد صراعات عشائرية تستخدم فيها أسلحة ثقيلة، تؤكد استمرار النزاعات المسلحة حتى بعد صدور القرار الحكومي.
وتعتقد أطراف سياسية ولجان برلمانية مختصة ان الحكومة أضعف بكثير من أن تقوم بنزع السلاح، وتخشى بعض الأطراف أن يكون القرار موجها ضد "الحشد الشعبي".
وتتحدث جهات محلية عن اجراءات شكلية قامت بها القوات الأمنية خلال الايام الماضية، بحثاً عن السلاح لكنها لم تسفر عن شيء.
نزع سلاح الحشد
وأمهل مجلس الأمن الوطني، خلال اجتماع ترأسه العبادي أواسط منتصف شباط الماضي، المواطنين الذين يمتلكون أسلحة مهلة 10 أيام لتسليمها إلى الجهات الأمنية. ووجه المجلس بمصادرة الأسلحة التي بحوزة المواطنين في عموم البلاد.
جاء ذلك الاجراء في وقت كانت قد شهدت فيه بغداد صدامات بين المتظاهرين والقوات الأمنية وقع فيها عدد من القتلى والمصابين، تبعها سقوط صواريخ على "المنطقة الخضراء".
وشهدت بغداد، قبل عامين، حوادث دفعت رئيس الحكومة لإعلان عدد من احياء العاصمة "منزوعة السلاح". وأمر العبادي، في شباط 2015، باعتبار الأعظمية والمنصور والسيدية والكاظمية مناطق خالية من السلاح. وكان العبادي أصدر، قبل ذلك، امرا مشابها بشأن الكرادة عقب اشتباكات مسلحة بين مجاميع مسلحة وجهات سياسية.
وتزامن قرار الحكومة الأخير مع تسريبات حول عزم رئيس الوزراء حل تشكيلات الحشد، رغم نفي الأخير.
وحذر النائب محمد الصيهود، عضو كتلة دولة القانون، من أن يكون الغرض من وراء قرار "جمع السلاح" هو سحب السلاح من الحشد تمهيداً لحله.
وقال الصيهود، عضو لجنة العشائر في البرلمان، في تصريح لـ(المدى) "اذا كان الأمر كذلك فنحن نقف ضد قرار الحكومة، فالحشد هو مستقبل البلاد وضمانة لوحدته".
وبالرغم من عدم وجود مؤشرات تؤكد قيام العبادي بنزع سلاح الحشد، إلا ان الصيهود يقارن ما يحدث مع مطالبات إقليمية سابقة تدعو لنزع سلاح حزب الله اللبناني.
ويقول النائب عن دولة القانون ان "الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية السعودي عادل جبير الى بغداد كانت تحمل رسالة بضرورة حل الحشد الشعبي"، مشيراً الى ان "ترامب، الرئيس الامريكي، طالب بذلك خلال لقائه مع رئيس الوزراء".
وتعهد رئيس الوزراء حيدر العبادي لقادة الحشد الشعبي، خلال اجتماع معهم يوم السبت، بعدم التفريط بحقوق مقاتلي الحشد، مؤكداً أن كلامه مع الإدارة الأميركية "كان واضحاً" بشأنهم.
وكان العبادي تحدث، امام معهد السلام الاميركي، عن ضرورة مكأفاة عناصر الحشد الشعبي وضمّ الراغبين منهم الى القوات الأمنية العراقية ونزع اسلحتهم بعد الانتهاء من الحرب مع داعش.
ووجهت أطراف سياسية انتقادات شديدة اللهجة لحديث رئيس الوزراء خلال زيارته الى واشنطن، معتبرة انها تأتي ضمن المساعي الاميركي لإنهاء دور الحشد.
ويتحدث الصيهود عن "وجود مشروع جديد تعد له قوى غربية واقليمية لما بعد مرحلة داعش، يتضمن أولاً حل الحشد الشعبي".
مجاملة العشائر
وفصائل الحشد ليست الجهة الوحيدة في العراق التي تمتلك أسلحة ثقيلة وتتحرك بغطاء قانوني باعتبارها جزءاً من مؤسسات الدولة، فهناك عشائر ومواطنون عاديون يمتلكون أسلحة ثقيلة.
واعتادت القبائل استعراض اسلحتها، خلال نزاعاتها العشائرية، و لم تقتصر على الارياف والمناطق النائية.
وفشلت مبادرة سابقة أطلقتها حكومة البصرة لإعلان بعض مناطقها منزوعة السلاح، على غرار ما فعلته الحكومة في بغداد.
ويقول أحمد السليطي، عضو مجلس محافظة البصرة، أن "هناك مجاملة وتواطؤاً مع بعض العشائر في البصرة للتغطية على أسلحتها، او ربما افرادها ضمن القوات الأمنية فيمنعون سحب أسلحتها الثقيلة".
ويؤكد السليطي، في تصريح لـ(المدى) امس، ان "البصرة اضطرت الى فتح مكاتب داخل المدينة لتمنع عناصر الحشد الشعبي من اخذ السلاح الى المنازل".
وألزمت الفصائل المسلحة عناصرها ترك اسلحتهم في مشاجب انشئت في مكاتبهم الخاصة، فور عودتهم من جبهات القتال.
ويقول السليطي ان "ضعف الدولة جعل الكثير من العصابات تستغل انتشار السلاح وتنتمي الى الاحزاب والحشد الشعبي. فنحن نعيش بلا قانون".
وينتقد المسؤول المحلي بشدة إمهال الحكومة للمواطنين بتسليم اسلحتهم. ويضيف بالقول "ماذا تنتظر الحكومة، لايوجد قانون يسمح بحمل السلاح حتى الخفيف منه".
وكانت الحكومة سمحت للمواطنين بامتلاك أسلحة خفيفة في المنازل عقب احتلال داعش للموصل في صيف 2014، وما زال هذا القرار سارياً منذ ذلك التاريخ.
ويقول عضو مجلس محافظة البصرة ان "القوات الأمنية قامت مؤخرا، باجراءات شكلية للبحث عن السلاح في مناطق فقيرة وخالية من السلاح متجنبة مناطق العشائر التي تثير المشاكل".
وذات الاجراءات طُبقت في ميسان، حيث يقول رئيس اللجنة الأمنية فيها ان "عملية البحث عن الاسلحة غير جادة، ونحتاج الى قوات متخصصة".
ويشير سرحان الغالبي، في حديث مع (المدى)، الى ان "الشرطة المحلية لاتستطيع إجبار العشائر على تسليم سلاحها، أما ان يسلموه بانفسهم ذلك، فهو أمر غير معقول ويثير الضحك".
وكان الحكومة قد أرسلت في ايلول الماضي، فوجاً من الرد السريع للسيطرة على النزاعات العشائرية، بعد صادمات مسلحة حدثت في المحافظة.
ويؤكد الغالبي انه "بمجرد رجوع القوة عادت الصراعات من جديد".
وكانت قيادة عمليات الرافدين أعلنت الاستيلاء على كميات من الاسلحة المتنوعة في عدد من المحافظات. وقال اللواء علي المكصوصي، قائد العمليات خلال لقائه بعدد من قادة شرطة المحافظات، ان قيادته قامت بتكثيف "التفتيش في محافظات ذي قار وواسط والمثنى وميسان" بحثا عن السلاح.
المناطق الساخنة
في غضون ذلك، بدأت ديالى حملة تثقيفية مع عشائر المحافظة لتوضيح آثار بقاء الاسلحة بيد المواطنين.
ويأمل علي الحمداني، نائب رئيس مجلس المحافظة، في اتصال هاتفي مع (المدى) امس، بأن "يثمر الأمر سحب الاسلحة من السكان وحصرها بيد الدولة".
وتحررت ديالى قبل نحو عامين من سيطرة تنظيم داعش، وما تزال بعض المناطق تعد ساخنة. ويقول الحمداني "سنترك بعض الاسلحة الخفيفة المسيطر عليها في المناطق الخطرة والتي توجد فيها بؤر ارهاب".
كذلك تركت بغداد بعض الأسلحة لدى عشائر في مناطق حزام العاصمة، باعتبار ان تلك الجهات ترفع السلاح مع الحكومة ضد داعش.
وقال علي السرهيد، عضو اللجنة الأمنية في مجلس بغداد، لـ(المدى) ان "قرار سحب الاسلحة مطبق منذ أعوام في بغداد، ومن يملك سلاحاً غير مرخص يحال الى القضاء". ويلفت الى جرد الاسلحة في المناطق الساخنة وتركها بيد العشائر المقاتلة لداعش، مؤكدا تطبيق الأمر ذاته على الحشد في العاصمة.
وصوّت البرلمان، نهاية كانون الثاني الماضي، على قانون الاسلحة، بهدف تنظيم بيع وحيازة الاسلحة بالنسبة للمواطنين، وتوثيقها لدى الأجهزة الحكومية. وينص القانون على حصر منح اجازات الحيازة بوزارة الداخلية، بعد ان كان مسموحا للمحافظ ذلك.
الى ذلك، يقول النائب هوشيار عبدالله، عضو لجنة الأمن، في تصريح لـ(المدى) امس، ان "الحكومة أضعف بكثير من أن تقوم بسحب السلاح".
واعتبر النائب عبدالله ان "القرار الأخير هو للاستهلاك الاعلامي وليس أمراً جاداً"، رغم اعترافه بضروره حصر السلاح
بيد الدولة.\
المدى |