الحارث".. يورط بريطانيا في وحل تمويل داعش
من يمول تنظيم داعش؟.. سؤال ظل يتردد منذ الظهور الأول للتنظيم في صيغته الجديدة، والتي سميت بـ"تنظيم الدولةالإسلامية في العراق وبلاد الشام" في الثامن من نيسان/أبريل عام 2013 بعد توسعه وامتداده إلى سوريا ليلقب عربياً بـ"داعش".
كان السائد دائماً هو القول بأن التبرعات الخاصة من دولالخليج هي المصدر الرئيسي لتمويل الجماعات الإرهابية بحسب ما ذكرته وزارة الخارجية الأميركية في أول تقريرمعلن لها بحزيران/يونيو 2014، مؤكدة على ان الدعمالشرعي، للحركات الجهادية يتكون من 7 أشكال، أهمها"الدعم المالي عن طريق الصدقات والتبرعات والزكاة، بعدإثارة العاطفة والحماسة لدى المسلمين، يسبقه في ذلك دعمشرعي لتحسين صورة الجهاد المسلح والتجنيد والدعوة له".
قوائم أميركية للممولين
وبعدها بأيام كشفت تقارير ووثائق أميركية حقيقة منيمول داعش والقاعدة في العالم، بحسب الوثائق، وعرضت131 اسماً لأكاديميين وناشطين ورجال دين ينتمون إلى 31دولة من مختلف أنحاء العالم، يوفرون الدعم للحركات الجهادية والمجاميع المسلحة ومن بين هؤلاء، كما تشيرالوثائق، 12 شخصية عراقية سياسية ودينية، أبرزهم 6رجال أعمال نافذين في السوق العراقية.
الوثائق ضمت وقتها أسماء 28 شخصية سعودية داعمة لمايسمى بالجهاد و12 شخصية عراقية، أبرزهم 6 رجال أعمالنافذين في السوق العراقية، و10 باكستانيين، و8 منالجزائر، و6 فلسطينيين، و6 مغربيين، و6 شخصيات منالسنغال، و6 إندونيسيين، و5 شخصيات كويتية، و4 منأرتيريا، و3 من تركيا، و4 أشخاص من مصر ولبنان، و2 منبريطانيا، إلى جانب شخصيات من "غانا والسودان والأردنواليمن وقطر والبحرين وجزر القمر وكينيا والصومالوموريتانيا ونيجيريا والنيبال وسريلانكا وتايلاند وبنغلادش"،واخرون واخرون مقيمون في "السويد وهولندا وأستراليا".
دعم متنوع
وبينت الوثائق أن أنواع الدعم شملت إقامة المؤتمراتوالندوات لتوسيع العلاقات بين قيادات الفصائل المسلحة أومن ينوب عنها لتنسيق وتوسيع عملياتهم الجهادية وسبلتمويلها وتحديد تكاليفها، كما شمل رصد مبالغ غير كافية لتطوير المواقع الإلكترونية الخاصة بالفصائل والحركاتالجهادية، إضافة إلى دعم نشر الكتب و الرسائل والمطبوعاتالاخرى، بحسب ما ذكر وقتها دون أي ذكر لتمويل مباشر أوغير مباشر "عن قصد أو قصد" من بريطانياللداعشيين.
وزعمت الوثائق وقتها أن الممولين العراقيين أغلبهم كان قد أثُرى على حساب علاقته بالنظام السابق، ويديرون الآنأعمالًا تجارية في السوق العراقية تتمثل بوكالات تجارية وشركات حوالات مالية، ومصارف أهلية، إلى جانبالإستثمار في مجال الصناعة وأعمال تجارية متنوعة.
وتابعت، أن التمويل بالدرجة الأساسية يذهب لـ"جيشالمجاهدين، وكتائب ثورة العشرين، وحماس العراق، والجيشالإسلامي" الذي يعد أكبر فصيل مسلح في البلاد.
وتقول الوثائق، إن أحد أبرز رجال السياسة والأعمال يعتمدعلى جيش المجاهدين ويعتبره يده الضاربة في حال تعرضه لأي مشاكل.
كما لفتت الوثائق بناءً على تقارير أمنية سابقة، إلى أن"حجم تمويل العمليات الجهادية في العراق وصل الى مليوني دولار شهرياً، تأتي جميعها من الخارج".
في حين بينت الوثائق أن الوضع في سوريا يعتمد علىالنفط، كأكثر المصادر غير التقليدية، لتمويل النشاطات المسلحة للحركات الجهادية، حيث سيطرت "جبهة النصرة"بداية على المصافي النفطية والآبار في مناطق عديدة،أهمها دير الزور والحسكة وعمدت إلى إستخراج النفطوبيعه، ما وفر لها من الإيرادات المالية نحو 2 - 4 مليوندولار يوماً، أي نحو 72 مليون دولار في الشهر، وهو ماساعدها في تمويل نشاطها المسلح، بحسب تقرير امريكي وقتها.
صدمة "التليجراف"
ليأتي يوم الثالث والعشرين من شباط/فبراير 2017، ويغيرمن مفاهيم تمويل تنظيم داعش بالكلية، إذ فاجأت صحيفة"الديلي تليجراف" البريطانية قراءها بتقرير صادم حول تورط بريطانيا رسمياً في دعم داعش عبر تعويضات ضخمة صرفت لمعتقلين في معتقل "غـوانتانامو" بلغت ملايينالجنيهات الإسترلينية، استدموها في تمويل وتنفيذ عمليات إرهابية في العراق.
وقالت الصحيفة إن معتقلاً سابق في غوانتانامو يدعى"جمال الحارث" 50 عاماً، حصل على مليون جنيه إسترليني من خزينة الدولة البريطانية تعويضاً عن فترةإحتجازه دون محاكمة، هو من فجر نفسه في هجومإنتحاري بالعراق مبايعاً داعش.
وتتابع الصحيفة في تقريرها، بأن 17 معتقلاً بريطانيا ًاستلموا هذه التعويضات، وأن أربعة من هؤلاء اتهموا بأنهم على صلة بالتنظيم بدرجة أو بأخرى.
وفقاً لـلـصحيفة، فإن معلومات أمنية ذكرت أن أحد هؤلاءذهب في رحلة إلى البرتغال مع المتطرف "الجهادي جون"،الذي اشتهر بذبح الرهائن، بعد عام واحد فقط من حصولهعلى التعويض، بينما ألتقى آخر بثلاثة من أقربائه يقاتلونفي سوريا.. فهل يفسر ذلك حجم الدعم والأموال والآلةالإعلامية الضخمة التي كانت تخدم على تنظيم داعش؟
المراقب السابق لقوانين مكافحة الإرهاب في بريطانيا اللورد"كارلايل كيوسي"، قال للصحيفة البريطانية إنه يأمل في أنتحقق السلطات بشكل دقيق في واقعة الحارث، معبراً عنقلقه من أن تكون المبالغ الضخمة التي دفعت على سبيلالتعويض لهؤلاء الأشخاص وصلت إلى الجماعات المتطرفة.
من سمح بالسفر؟
رئاسة الحكومة البريطانية لم تجد ما تعلق به على هذهالمعلومات واكتفت بالقول إن هذا الأمر يخص الإستخباراتالبريطانية "إم. آي. 6".
الأمر الذي أثار جدلاً داخل بريطانيا هو كيفية السماح للـ"الحارث" بالسفر إلى سوريا في العام 2014، ما يعنيأنه لم يكن مشتبهاً به، أو موضوعاً على لائحة الإرهابيينالمشتبه بهم أو دعمهم.
رئيس مكتب مكافحة الإرهاب البريطاني السابق "كريسفيليبس"، قال بوضوح شديد إنه يعتقد بأن التعويض الذيتلقاه الحارث المكنى بـ"أبو زكريا البريطاني"، ذهب فينهاية المطاف إلى داعش، لافتاً إلى أن "دافعي الضرائبالبريطانيين مولوا بشكل فعال الإرهاب".
بدوره سارع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "توني بلير" باستغل الموقف سياسياً، قائلاً إن الحارث لم يتلقىتعويضات في عهد حكومته، مشيراً إلى أن إتفاق التعويضات تم توقيعه عام 2010 بواسطة حكومة المحافظينبرئاسة "ديفيد كاميرون".
وقف التعويضات
بينما المعروف أن صفقة إطلاق سراح الحارث من معتقل"غوانتانامو" في عام 2004، تمت بعد مفاوضات مكثفةقادها بلير، رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت.
تقرير الصحيفة البريطانية أحدث زلزالاً سياسياً فيبريطانيا وربما تمتد أثاره لأوروبا، فضلاً عن أنه قد يكونسبباً رئيسياً لوقف أي تعويضات لمعتقلين "إسلاميين" مستقبلاً.
كتابات |