خلاف حادّ بين الدعوة والمجلس الاعلى حول تداول رئاسة التحالف الوطني

أعلن التحالف الوطني بدء عمل لجانه الفرعية بعد تسمية رؤسائها، في مسعى منه لاعتماد العمل المؤسساتي في المرحلة المقبلة.

وجاء القرار في ظل انقسام حاد يشهده التحالف الشيعي بفعل التوتر الذي يحكم علاقة أكبر مكوناته وهي: دولة القانون، والمجلس الاعلى، والتيار الصدري.

وتجلت الانقسامات في تعدّد المشاريع السياسية التي تبنتها القوى الشيعية الكبيرة. فبينما يواصل رئيس التحالف عمار الحكيم التسويق لمشروع "التسوية السياسية"، طرح زعيم التيار الصدري مشروعاً لمرحلة ما بعد تحرير الموصل، وتضمنت بنوداً للمصالحة.

ورغم لغة التفاؤل التي تضمنها بيان التحالف الوطني الاخير، إلا ان اطرافا شيعية كشفت عن خلافات ساخنة شهدتها اجتماعات التحالف الاخيرة لتداول منصب رئاسة التحالف.

وبحسب مصادر سياسية رفيعة فإن "الحكيم أدرج، على جدول أعمال آخر اجتماع للهيئة السياسية، فقرة التصويت على رئاسة التحالف الدورية". وبحسب المصادر، التي تحدثت لـ(المدى)، مشترطة عدم الكشف عن هويتها فان "المقترح واجه رفضا وتحفظا من قبل ائتلاف دولة القانون وادى الى سحبه من مقررات الاجتماع".   

واشارت المصادر الى "رغبة الحكيم لإقرار رئاسته من قبل الهيئة السياسية لمدة سنة كاملة تبدأ من التصويت عليها، لكن هذه الرغبة اصطدمت بفيتو من كتلة ائتلاف دولة القانون التي اعتبرتها ضربا للاتفاق الذي حصل بين المجلس الأعلى وحزب الدعوة لإدارة  رئاسة التحالف بشكل دوري".

واختير الحكيم، مطلع ايلول الماضي، رئيسا للتحالف الوطني لدورة واحدة ولمدة سنة، خلفا لإبراهيم الجعفري الذي تولى المنصب منذ 2010. 

ومنذ انتخابات 2014 حاول ائتلاف دولة القانون ترشيح القيادي في حزب الدعوة علي الأديب لرئاسة التحالف الوطني، لكن هذا المسعى اصطدم برفض التيار الصدري والمجلس الأعلى التي شهدت علاقاتهما تقارباً كبيرا عقب الاطاحة بنوري المالكي.

وتؤكد المصادر الشيعية ان "المجلس الأعلى وحزب الدعوة اتفقا على حصر رئاسة التحالف الوطني بين الحكيم والمالكي خلال الفترة المتبقية للدورة الانتخابية الحالية"، مشيرة الى أن الطرفين أقرا رئاسة الحكيم خلال السنة الأولى ابتداء من أيلول الماضي على ان يخلفه المالكي في المنصب".

وتلفت المصادر الواسعة الاطلاع الى ان "المجلس الأعلى سعى لأن تكون بداية ولاية الحكيم منذ تصويت الهيئة السياسية للتحالف الوطني على رئاسته، وليس من وقت إعلان اتفاق الطرفين في أيلول الماضي".

ويرجح مراقبون ان تكون اسباب الخلاف بين حزب الدعوة والمجلس الاعلى على رئاسة التحالف الوطني تعود الى تزامنها مع موعد انتخابات المحافظات الذي حدده رئيس الوزراء حيدر العبادي.

لكنّ كتلاً برلمانية استبعدت اجراء الانتخابات المحلية في موعدها، مرجحة اجراءها بالتزامن مع انتخابات مجلس النواب في ربيع 2018.

وتكشف المصادر الشيعية ان "كتلة ائتلاف دولة القانون رفضت توجه المجلس الأعلى واعتبرته اخلالا بالاتفاق المبرم"، مشيرة الى رغبة "المالكي بقيادة التحالف الوطني قبل إجراء الانتخابات المحلية والبرلمانية".

وزادت مواقف زعيم التيار الصدري، التي توصف بانها تغريد خارج السرب الشيعي، حدة الانقسام داخل التحالف الوطني.

واطلق الصدر، قبل ايام، مشروعا سياسيا تضمن حزمة مقترحات لاحتواء الأوضاع الأمنية والخدمية بعد تحرير المناطق من داعش، رغم الانتقادات اللاذعة لمشروع التسوية الذي طرحه رئيس التحالف الوطني.

وقوبلت ورقة الصدر ببرود شيعي ملحوظ، مقابل ترحيب حار ابداه قادة سنّة بارزون كاسامة النجيفي، نائب رئيس الجمهورية، وخميس الخنجر، رئيس ما يسمى بالمشروع العربي، واحمد المساري، رئيس كتلة اتحاد القوى في مجلس النواب.

واعتبر الخنجر مبادرة زعيم التيار الصدري فيها مشتركات وطنية مع طروحات المشروع العربي والقوى الوطنية لحل الأزمة العراقية داعيا القوى السياسية إلى بدء حوارات عملية وجادة حول المبادرة بهدف إنضاجها ووضع الآليات العملية المناسبة لتنفيذها على ارض الواقع.

بدوره رأى النجيفي ان مبادرة الصدر " تتضمن افقا وطنيا جادا، ورؤية مشجعة، هدفها وضع الحلول والارتقاء بالعمل الوطني، وتفكيك الأزمات والمشاكل التي تعصف بالبلد".

وطالب المساري، الذي يترأس حزب الحق الوطني، القوى السياسية والوطنية "بتقديم الدعم لهذه المبادرة واغنائها بمزيد من المقترحات والحلول ووضع الآليات المناسبة لتطبيقها".

لكن المصادر الشيعية اعتبرت ان "مشروع الصدر يندرج ضمن مناخ التنافس الانتخابي مع رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم الذي طرح مبادرة لتسوية لحل كل الخلافات بين الأطراف السياسية".

واشارت المصادر إلى أن "التنافس بين الحكيم والصدر وصل إلى مراحل كبيرة لا يمكن معه توقع عودة الصدريين إلى مظلة التحالف الشيعي مرة أخرى".

وحاولت كتل سياسية شيعية ان تكون اكثر دبلوماسية في التعليق على مبادرة الصدر، رغم معارضتها للبنود التي تخص اعادة فتح ملف سقوط الموصل، او حل الحشد الشعبي.

ويقول النائب حنين قدو لـ(المدى) ان "الجميع مع محاسبة الأشخاص الذين تسببوا في سقوط مدينة الموصل بيد تنظيمات داعش وتقديمهم للقضاء"، لكنه داعا في ذات الوقت إلى "إبعاد الملف عن التسييس".

واضاف قدو، وهو عضو في كتلة بدر النيابية، "هذا الملف بحاجة إلى مراجعة من قبل مجلس القضاء الأعلى قبل البت بتنفيذه وملاحقة المدانين"، مؤكدا أن "الكل حريص على حصر السلاح بيد الدولة والاهتمام بهيئة الحشد الشعبي وإعادة هيكلتها بالأطر القانونية والدستورية".

وكان الصدر قد  دعا، ضمن مشروعه الجديد، إلى "تشريع قانون يمنع الفصائل المسلحة من زج نفسها في العمل الانتخابي والديمقراطي، ومنع استخدام المقار الحكومية وأموالها لصالح جهة انتخابية"، وطالب بـ"دمج العناصر المنضبطة في الحشد الشعبي مع القوات الأمنية بما يحفظ للقوات الأمنية استقلالها وقوتها وسيادتها من خلال إقرار نظام خاص بها".

كما شدد الصدر على "ضرورة إتمام التحقيق في قضية سقوط الموصل ومجزرة سبايكر وإعلان النتائج للرأي العام بل وغيرها من القضايا".

بدورها اعتبرت كتلة ائتلاف دولة القانون مبادرة الصدر بانها من "الثوابت الوطنية لكونها تدعو إلى  حصر السلاح بيد الدولة وتفعيل المصالحة".

وقال النائب عامر الخزاعي، في تصريح لـ(المدى)، ان "من الضروري التحاور مع جميع الكتل السياسية لمعالجة كل هذه المشاكل عبر التسوية والمصالحة الوطنية"، مشيرا الى ان "هيئة الحشد الشعبي تابعة للقائد العام للقوات المسلحة وهي بحاجة إلى إعادة هيكلة".

أما بشأن دعوة الصدر لمحاسبة المتسببين في سقوط الموصل، اكتفى النائب عن حزب الدعوة بالقول إن "الملف من اختصاص القضاء".

بدورها قال النائب حبيب الطرفي، المتحدث باسم كتلة المواطن، ان التحالف الوطني يرحب بكل المبادرات التي تدعو إلى حل المشاكل والخلافات ولمّ شمل العراقيين"، معتبرة ان "مبادرة الصدر تتناغم مع مشروع التسوية التي طرحها التحالف الوطني".

واضاف الطرفي، في تصريح لـ(المدى)، ان "التسوية هي خارطة طريق مدعومة من قبل الأمم المتحدة لكل الأطراف"، لافتا الى ان "التيار الصدري ما زال ضمن قوى التحالف الوطني، وتجري مفاوضات معه لإعادته لاجتماعات التحالف".

المدى