التسوية التاريخية .. مبدأ اللاغالب واللامغلوب كيف ستنقذ العراق ؟
في هذه المرحلة المهمة التي تمر بالعراق، يجب علينا جميعاً الوقوف متوسطين كل الأمور، فبعد سنوات من التناحر والتقاتل والتجاذب السياسي الذي كان سبباً في خراب البلاد وتشريد العباد، نرى اليوم جميع مكونات الفسيفساء العراقية بذلوا الكثير من الجهود وكافحوا ولا يزالون من أجل الوصول إلى مبادئ تجمعهم وتحل خلافاتهم، وكما هو معروف فأن التنوع الثقافي والعرقي والديني في بلد واحد كالعراق سيكون عاملاً مهماً يساعد على إزدهاره ونموه، ومن الجميل أيضاً أن نرى التفاهم والتقارب والإنسجام قد تجاوز الحاجز الشعبي ليصل إلى أصحاب القرار (الأحزاب والشخصيات السياسية الحاكمة)، الأمر الذي طالما إنتظرناه طويلاً لمعالجة الأزمات جذرياً والخروج بمفاهيم من شأنها إيصال العراق إلى بر الأمان.
التجربة السياسية السابقة طيلة العقد الماضي، لطالما إتسمت بحسب مختصين في الشأن السياسي بالتخبط وعدم الرؤية الناضجة وإختلاق الأزمات التي بدورها سلمت مدن عراقية كاملة للإرهاب، وأغفل البعض من السياسيين وضع التحديات الحقيقة التي مر بها البلد، حتى سمحت القوى الخارجية لنفسها التدخل والتحكم في العراق بشكل علني وواضح، ثم جاءت عمليات التحرير من الإرهاب والتي فاجئت الجميع وحققت تقدماً واضحاً لتدك آخر معاقل داعش في الموصل، ومع إقتراب تحرير آخر شبر في العراق أصبح لزاماً وجود حل سياسي يوازي الإنتصارات المتحققة في الميدان ويؤسس لعراق مابعد داعش، فكانت وثيقة التسوية السياسية التاريخية .. فما هي هذه الوثيقة وهل من شأنها إنقاذ العراق ؟
طرح التحالف الوطني مبادرة "التسوية التاريخية" والتي حظيت بمباركة أممية ودولية واسعة، في محاولة لحل جميع مشاكل البلاد العالقة السياسية والأمنية بعد الخلاص من تنظيم داعش الإرهابي.
ويقول القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي فادي الشمري، أن "الوثيقة هي مشروع التحالف الوطني وليس المجلس الأعلى، موضحاُ أن "القوى الشيعية الثمان إجتمعت وإتفقت عليها، وشكلت لجنة برئاسة إبراهيم بحر العلوم لمتابعتها".
وتتضمن الوثيقة بنوداً كتصفير الأزمات وإعتماد المواطنة أساساً للحكم وإبعاد العنف في حل الأزمات والإلتزام بمحاربة الإرهاب وإدانة سياسات البعث الصدامية والإبادة الجماعية وترسيخ دولة المؤسسات والإلتزام بقيم التعايش السلمي وقبول الآخر وسيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة وصيانة الدم العراقي.
فيما إستغرب متابعون الهجوم الشرس الذي تعرضت له الوثيقة عقب الإعلان عنها مباشرة، وعدها آخرون إستهدافاً سياسياً من أجل السلطة والمنافع الشخصية والحزبية، وإعتبر ناشطون أن غياب التفاهمات وإنعدام الثقة بين الكتل السياسية سيضل الحجرة التي تعرقل سير العملية السياسية وإن لم يتم علاجها سيبقى مشروع السلطة قائماً لا مشروع الدولة.
وكان نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي قد أعلن، أن مكونات وكتل تحالف القوى العراقية ترفض وثيقة التسوية التاريخية جملةً وتفصيلا، وذلك عقب إقرار قانون الحشد الشعبي.
إن العراق اليوم بمرحلة تاريخية ومصيرية ومعركة إثبات وجود لبناء الدولة، وبدون هكذا حوار وطني شامل يتم فيه التنازل وقبول الآخر لا يمكن أن نحقق نجاحاً على المستوى السياسي يقابله على المستوى المجتمعي، وسنعود إلى المربع الأول وستقودنا العنجهيات إلى الخسارات والتشرذم من جديد، لكن هذه المرة ستكون الأخطار كارثية ولن يعود العراق مكاناً للعيش فيه، فلا بد أن يتناسى البعض من سياسيينا مشاكلهم وأن يضعوا مصلحة العراق فوق المصالح الشخصية لنؤسس لمرحلة البناء الجديد الجامع والمطمئن للعراقيين جميعاً لتعميق التعايش بين المكونات العراقية.
ولكن ماهو السبيل إلى ذلك؟ وهل هناك من فعلها قبلنا ؟ في أفريقيا الجنوبية إستطاعت الأغلبية السوداء أن تجد سبيلاً للحل مع الأقلية البيضاء من الأثرياء الذين إرتكبوا أبشع السلوكيات مع السود، ولكن هذه الأمة إمتلكت قائداً كان ذا شخصية مؤثرة قوية وحقيقية ومخلصة، وهو (نيلسون مانديلا) الذي تمكن من تضميد الجروح والعبور بهم إلى بر الأمان، ساعده بذلك إنه كان هنالك إستعداد مجتمعي ثقافي للوصول إلى التسوية التاريخية.
هاشم المختار
موازين |