قرارات بريمر تحاصر الثـروة الحيوانية..الفساد والانتفاع يعبثان بمنتجات الألبان لصالح المستورد

لمدى / قسم التحقيقات 

يتمعن أبو ضياء بأنواع الألبان المعروضة في برادات وثلاجات الأسواق التي اعتاد التسوق منها، عسى ان يجد ضالّته في منتج ألبان عراقي يصطف مع عديد المنتجات التركية والإيرانية والسعودية والإماراتية والكويتية التي تسيطر على سوق الألبان ومشتقاتها في العراق. ابو ضياء حاله كحال الكثير من أولياء الأمور ممن شهدوا فترة العصر الذهبي للصناعة العراقية التي كانت ترفد الموائد بكل ما تحتاجه من مواد غذائية من لحوم وألبان وبيض ومربيات الخ. مثلما شهد عصر التحسر على المنتج العراقي وبشكل خاص الألبان التي تراجع انتاجها كثيرا خاصة في السنين لما بعد 2003.

10 % فقط من حاجة السوق

وزارة الصناعة، عزت تراجع إنتاج الألبان الى الأزمة المالية "وهدر" الأموال و"محاربة" المنتج المحلي من قبل "متنفعين" من الاستيراد. وأشارت الى امتلاكها فرصاً استثمارية عديدة في هذا المجال، اذ قال المتحدث باسم وزارة الصناعة والمعادن عبد الواحد الشمري في حديث لـ(المدى برس) إن الوزارة تمتلك ثلاثة معامل لإنتاج الألبان موجودة في بغداد، الموصل والديوانية، حيث تعرض معمل الموصل لدمار كبير بعد سيطرة تنظيم داعش على المدينة. مبيناً: أن معملي ابو غريب في بغداد والديوانية يعملان، لكن انتاجهما لا يغطي سوى 10% من حاجة السوق المحلية.

إتلاف المنتج الوطني!!

ويعزو الشمري تراجع انتاج الألبان في البلاد وتوقف معاملها الى الأزمة المالية الحالية وهدر الأموال المخصصة للاستثمار الصناعي في السنوات السابقة، ومحاربة المنتج المحلي من قبل بعض الجهات المستفيدة من الاستيراد. متهماً: مستفيدين من الاستيراد بشراء المنتج المحلي إتلافه ثم عرضه في الأسواق لضربه وإبعاد الناس عنه. 

واكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الصناعة: أن الوزارة تمتلك خطة لزيادة خطوط الإنتاج ودعم القطاع الخاص لإقامة معامل ألبان، لكن الأزمة المالية تعرقل ذلك، منوهاً الى: عدم قدرة القطاع الخاص على إقامة معامل ألبان بسبب عدم قدرته على منافسة المنتج المستورد. لافتاً الى: وجود فرص استثمارية مطروحة في مجال صناعة الألبان واستعداد الوزارة لتقديم الدعم للمستثمرين.

منافسة كبيرة وأرباح خيالية

 في سوق جملة المواد الغذائية والألبان ببغداد الجديدة يصطف عدد من السيارات ذات الحمولة المتوسطة، كل واحدة تحمل شعار ومنتجات احدى الشركات الأجنبية (كاله / المراعي/ مرسين / كي دي دي) وغيرها من علامات وماركات لمنتجات الألبان في حين تغيب سيارات معمل ابو غريب عن هذه المنافسة.  

سلام محسن ،صاحب محل جملة لبيع الألبان، ذكر لـ(المدى) ان اغلب المحال الموجودة في سوق بغداد الجديدة وجميلة تعود لشركات اجنبية. موضحا: ان هذا السوق يشهد منافسة كبيرة لما فيه من ارباح خيالية. منوهاً الى: غياب المنتوج الوطني سواء أكان للقطاع العام ام الخاص. عازياً سبب ذلك الى عدم اهتمام الدولة بالصناعات الوطنية وسهولة الكسب والربح بالنسبة لأصحاب رؤوس الأموال .   

  عروض خاصة تربك المنتج الوطني

في حين يوضح هشام كريم ،صاحب محل جملة أفرد أحد البرادات لمنتجات معمل ألبان ابو غريب، ان هناك تذبذباً في ايصال المنتجات الى السوق العراقية. شاكياً من: عدم انتظام وصول سيارات التوزيع بوقت ملائم وتباعد مواعيد زيارتهم، منوهاً الى: رغبة الكثير من المواطنين باقتناء منتجات معمل ابو غريب. واستطرد كريم: في الفترة الأخيرة اخذت بعض منتجات الشركات العراقية تصل الى السوق والمستهلك. مستدركا: لكن رغم ذلك هناك صعوبة بمنافسة المستورد بسبب الأسعار وكلفة الإنتاج. مشيرا الى إن: المنافسة بين المنتجات المستوردة وحرب الأسعار التي تشهد تخفيضاً كبيراً وعروضاً خاصة لبعض المنتجات المستوردة التي تربك بيع وتوزيع المنتوج الوطني.

تجارة ومضاربة لصالح المستورد

على مقربة من أحد البرادات الكبيرة لحفظ منتجات الألبان يقف ابو سجاد حاملاً دفتر سجلات إدخال وإخراج البضاعة التي تنقل بسيارات حمل مبردة الى الأسواق الشعبية. ابو سجاد ،الذي سبق وان كان يعمل في معمل ألبان المقدادية الذي كان يسد جزءاً كبيراً من حاجة السوق العراقية قبل ان يحترق في المعارك مع تنظيم القاعدة الإرهابي ويتحول فيما بعد الى مقر عسكري، يقول ان صناعة الألبان في العراق رغم تأخرها وتباطؤ إنتاجها تحولت الى تجارة ومضاربة لصالح المستورد. مبيناً: ان البعض من وكلاء الشركات الأجنبية يقومون بشراء المنتج الوطني بسبب رخص أسعاره مقارنة بالمستورد اضافة الى جودته ويقومون بإتلافه. لافتاً الى: ان هذه الأعمال تكررت اكثر من مرة عازياً سبب ذلك الى اقبال الناس على المنتجات الوطنية التي يعدها الكثيرون افضل من المستورد.

الوزارة تهدد بالمقاضاة 

من جهتها، اتهمت وزارة الصناعة والمعادن بعض الجهات الداخلية والخارجية بتعطيل الصناعة الوطنية ومحاربة الإنتاج المحلي وهدر العملة الصعبة. وفيما حذرت بعض وكلاء البيع من محاولة إتلاف منتجات ألبان ابو غريب بتعمد خزن المنتجات وتأخير بيعها، هددت باتخاذ كافة الإجراءات القانونية بحق المخالفين. وذكرت الوزارة في بيان صحفي ان هناك محاولات مستمرة من بعض الجهات الداخلية والخارجية والمغرضين والمنتفعين في تعطيل الصناعة الوطنية ومحاربة الإنتاج المحلي واللجوء الى الاستيراد والإغراق غير المبرر للسوق المحلية بالبضائع والسلع المستوردة وهدر العملة الصعبة. مبينة: ان الوزارة رصدت في الآونة الأخيرة قيام بعض الوكلاء والمجهزين لمنتجات معمل ألبان ابو غريب التابع الى الشركة العامة للصناعات الغذائية إحدى شركات الوزارة بتعمد خزن منتجات الألبان المجهزة إليهم من قبل الشركة وتأخير بيعها الى المواطنين ما يؤدي الى تلفها كونها منتجات غذائية طازجة ولا تحتوي على أية مواد حافظة. محذرا من: تكرار هذه المخالفات لأن الوزارة ستتخذ كافة الإجراءات القانونية بحق المخالفين. داعياً المواطنين الى التبليغ عن هذه الحالات عبر البريد الرسمي ومواقع التواصل الاجتماعي لوزارة الصناعة والمعادن.

تغطية 25 إلى 30 % من الاستهلاك المحلي

منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، كشفت عن استيراد العراق نحو 90 بالمئة من مشتقات الألبان نتيجة انخفاض عدد الأبقار بسبب توقف الدعم الحكومي لمنتجي الحليب وتدهور الإنتاجية، مع تزايد الدعوات لتطوير الإنتاج والإنتاجية، وتفعيل حماية المنتج المحلي من منتجات الألبان، واستحداث شبكة لمراكز جمع الحليب الخام وتسويقه لمعامل الألبان. في حين كشفت وزارة الزراعة أن الثروة الحيوانية لاتغطي سوى 25% من حاجة البلاد، وأقرت بعدم امتلاك خطة ستراتيجية بهذا الشأن، متذرعة بـ"قانون بريمر" والروتين الممل اذ حمّل المتحدث باسم وزارة الزراعة، حميد النايف، القانون مسؤولية انخفاض عدد الأبقار وعدم الاهتمام بإنتاج الألبان محلياً. وقال النايف، في حديث لـ(المدى برس)، إن العراق يعاني من عدم الاكتفاء الذاتي في مجال الثروة الحيوانية كونها تغطي من 25 إلى 30% من الاستهلاك المحلي. عازياً ذلك إلى عدم وجود مشاريع ستراتيجية لإقامة محطات لتربية الأبقار في العراق والاكتفاء بنشاط القطاع الخاص بهذا الشأن.

بريمر يمنع تكاثر الأبقار!!

وأضاف نايف: أن قانون وزارة الزراعة الذي وضعه الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، بعد سنة 2003، قيّد الوزارة وحصر دورها بالإشراف وتقديم الخدمات فقط، ما جعلها مُقطّعة الأيدي، عاداً أن القطاع الخاص هو الوحيد الذي يعمل في العراق، معترفا: بافتقار الوزارة الى إحصائيات دقيقة عن عدد الأبقار في العراق لعدم وجود محطات خاصة بها، لافتاً إلى: أن "الوزارة تعمل على زيادة الأجنّة وتحسين نوعها من خلال استيرادها، مشيرا الى: ان الروتين المتبع باستيراد المواشي كالأبقار، متعب وممل، فضلاً عن عدم دعم هذا الجانب من قبل الحكومة، مؤكداً أن الوزارة لا تمتلك خطة ستراتيجية بسبب القوانين المجحفة ما يجعلها تعمل بالممكن والموجود.

انحسار المساحات الخضراء

بحسبِ تقارير منظمة الزراعة العالمية (الفاو) : فضلاً عن انحسارِ مساحات واسعة من المناطقِ الخضراء المتمثلة بالعشبِ والمراعي التي تحتاج إلى حجومٍ كبيرة من المياه، إلى جانبِ تنامي وتائر مشكلة قلة محاصيل الأعلاف الحيوانية، التي تعد إنتاجيتها مكملة للثروةِ الحيوانية، يضاف إلى ذلك زيادة ملوحة الأراضي الصالحة للزراعةِ بفعلِ نقص الموارد المائية الشديد، الذي تزامن مع مواسمِ الجفاف التي شهدها العراق في السنواتِ الماضية، الأمر الذي اسهم بتدني رغبة المزارعين في زراعةِ محاصيل الأعلاف الحيوانية، إلى جانب تقلصِ مساحات المراعي الطبيعية وغيرها من المناطقِ الخضراء. جدير بالإشارةِ أنَّ قلة الأعلاف وارتفاع أسعارها، لا يعني أنَ الأغنام والماشية والدواجن تعيش بمنأى عن الأمراضِ التي تسببت بهلاكِ أعداد كبيرة منها. 

الإرهاب يسبب خسائر كبيرة

تترواح خسائر العراق بين 5 الى 7 مليارات دولار، بسبب التراجع الكبير للثروة الحيوانية والتي  تشمل البنى التحتية اي المزارع والحقول والأعلاف ان كانت الزراعية او الصناعية مثل النخالة. وكيل وزارة الزراعة مهدي القيسي يوضح : ان الحرب والفوضى والنزوح، أسباب قاهرة خلقت الأزمة، مبيناً: أن الثروة الحيوانية والسمكية أيضا تعرضت لنكسات خلال العامين الماضيين. في حين بين مدير عام الثروة الحيوانية الدكتور مصدق دلفي علي: ان الأعلاف التي توزعها الوزارة هي المنتجة محلياً وتوزع وفق آليه متبعة مصادق عليها من قبل معالي الوزير وهي مدعومة مثل الشعير, فول الصويا, والذرة بنسبة 50% والنخالة 33% لمربي الماعز والأغنام والأبقار والجاموس والإبل والدواجن والأسماك وبنسبة تجهيز 13% من حاجة السوق، اما القطاع الخاص فيجهز النسبة الباقية بالتعاون مع وزارة التجارة ومديريات الزراعة والوزارة ليست هي من تتحمل اي قصور في التجهيز.

غياب العمل بالاحصائيات وارقام قد يكون من بين الاسباب التي تسبب تهدور انتاج الثروة الحيوانية التي ينعكس هو الاخر على انتاج الالبان، توفر الارقام وكميات الانتاج في كل محافظة بامكانها توفير الكثير من الجهود في رسم ووضع الخطط التي تعمل على زيادة انتاج الثروة الحيوانية ووفقا لوزارة الزراعة، التي اعلنت عن انتاج اكثر من 216 طنا من الحليب شهريا في محافظة كربلاء وقال قسم العلاقات والإعلام والتعاون الدولي في بيان ان كمية الحليب المنتج من الاغنام، الماعز، الابقار، الجاموس ضمن الرقعة الجغرافية لشعبة زراعة المركز في كربلاء خلال الشهر الماضي بلغ 216 طنا و 250 كغم.

وأضافت الوزارة ان كمية معدل الانتاج اليومي للرأس الواحد 500 كغم، كما بلغت كمية انتاج الابقار160 طنا، ومعدل الانتاج اليومي5 كغم، فيما بلغت كمية انتاج الجاموس من الحليب 55 طنا، وان الانتاج اليومي للرأس الواحد بلغ 9 كغم. مشيرة: الى ان الكميات المنتجة من الحليب تستهلك من قبل المواطنين اما الباقي فيعرض للبيع.

مستشار حكومي : ما زال القرار ساري المفعول

المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء، مظهر محمد صالح، سبق وان قرار سلطة الائتلاف الموحد الصادر عام 2003 الخاص بمنع تصدير السلع العراقية خارج البلد لا يزال ساري المفعول. مشيراً : إلى أن القرار منع العراق من تصدير العشرات من سلعه الإنتاجية نتيجة مخاوف لم تعد موجودة حالياً. مطالبا: الوزارات المعنية، كالتجارة والصناعة والمعادة بضرورة إثارة الموضوع والضغط باتجاه إلغاء قرار بريمر مؤكداً: أن إلغاء تلك القرارات يحتاج الى تشريع قانون من قبل مجلس النواب لإعادة تنظيم الصادرات والاستيرادات على وفق أسس حديثة تشجع النشاط الاقتصادي ومحاور التصدير.