إدمان البليارد والبلاي ستيشن يخطف الطلاب من مدارسهم

لم تفلح كل محاولات باسل في الحد من تسرب ولده وسام من مدرسته المتوسطة، حتى اضطر في النهاية لنقله الى مدرسة اخرى. وسام، الصبي المتفوق في سنتي الدراسة الأوليين من المتوسطة تغير مستواه واخذت درجاته تهبط رويداً رويداً حتى أكمل بأكثر من درس. وبعد مراجعة والده الى المدرس وتفحص السبب، كشف له مرات تسرب وسام من المدرسة صوب قاعة الألعاب الإلكترونية التي افتتحت امام بيته مؤخراً، بالقرب من مجمع مدارس في منطقة بغداد الجديدة النعيرية، يضم اكثر من مدرسة ابتدائية ومتوسطة بدوام مزدوج.

واسط تغلق القاعات أوقات الدوام

تسرّب الطلبة من صفوفهم الى قاعات الألعاب الالكترونية بات ظاهرة خطرة تهدد مستواهم العلمي وتشتت عقولهم وتركيزهم. ومع تزايد شكاوى أولياء الأمور من تفشي هذه الظاهرة في مختلف مناطق البلاد أعلنت قيادة شرطة واسط، منع الطلبة من ارتياد صالات البليارد "حفاظاً على سلوكهم وحمايتهم صحياً"، مهددة المخالفين منهم أو أصحاب الصالات بإجراءات "عقابية رادعة". وقال قائد شرطة واسط، اللواء قاسم راشد، في حديث لـ(المدى) إن الجولات الميدانية المفاجئة لعدد من صالات البليارد في المحافظة، أظهرت أنها تعج بعشرات الطلبة من مختلف المراحل الدراسية. مشيراً  إلى: أن بعضاً من أولئك الطلبة يتسربون من الدوام الرسمي لارتياد تلك الصالات دون علم ذويهم.

وأضاف راشد أن صالات البليارد غير مهيأة صحياً بسبب التدخين المستمر فيها واستخدام الأركيلة ما يعرض الطلبة إلى مخاطر صحية وبيئية فضلاً عن الضرر الاجتماعي الذي يلحق بهم وقد يؤدي لانحرافهم. مبيناً: أن القيادة أصدرت توجيهاً إلى تشكيلاتها بمراقبة تلك الصالات ومنع الطلبة من ارتيادها لحمايتهم والمحافظة عليهم. مؤكدا: أن إجراءات عقابية رادعة ستتخذ بحق المخالفين لتلك التوجيهات، قد تصل إلى الحجز مدة شهر كامل وتقديم أوراقهم إلى القضاء المختص.

التأثير على سلوك الأولاد

يتخوف الكثير من العوائل من إدمان أولادهم على الألعاب الإلكترونية خاصة تلك التي تضم احداثها معارك وحروبا، اذ يقوم بعض الأطفال بتقليد حركات الأبطال بالقفز والضرب وماشابه ذلك، وبالتالي التأثير على سلوكهم إلا أن الخطر الأكبر هو افتتاح بعض من هذه القاعات قرب المدارس. اذ يقول احمد موسى ،والد لطالبين احدهما في الدراسة المتوسطة وآخر في المرحلة الاخيرة من الابتدائية، انه يعاني كثيراً من انتظام ولديه ودراستهما، خاصة بعد افتتاح قاعة ألعاب الكترونية وبليارد قرب مدرسة ولده الأكبر. موضحا: انه لاحظ في الآونة الأخيرة انخفاض في مواظبته على الدراسة. منوها الى: تسربه اكثر من مرة والذهاب الى القاعة واللهو بالألعاب الالكترونية والبليارد. داعيا الى: غلق هذه القاعات في اوقات الدوام الرسمي مع ضرورة تحديد أعمار المسموح لهم بالدخول.

الإدمان يعلم السرقة

في حين بينت والدة الطالب همام انها تضطر يومياً لمصاحبة ولدها الى المدرسة وانتظاره قبل نهاية الدوام بسبب تسربه الى قاعة البليارد والألعاب الإلكترونية بالقرب من المدرسة حسب ما شكا لها احد المعلمين. مبينة: ان هذه القاعات سببت وجع الرأس والقلق للعوائل خاصة التي فتحت في المناطق السكنية وقرب المدارس. مضيفة: ان الكثير من جاراتها يشكون تسرب اولادهن الى تلك القاعات.

الامر لم يتوقف على تقليد الحركات الصعبة وبث روح المعاداة والعنف في سلوك الصبيان بل تعدى ذلك الى امور اخرى. اذ تقول والدة احد الأولاد ممن أدمن الألعاب الإلكترونية انه سرق مبالغ من محفظتها الخاصة. مسترسلة: وحين تابعت الموضوع الذي تكرر اكثر من مرة ضبطت ولدها متلبسا بالسرقة الأمر الذي سبب صدمة عنفية لها. منوهة الى: ضرورة فرض تعليمات على اصحاب هذه القاعات خاصة غير المرخصة التي تشكل نسبة كبيرة ..

المنافسة بين الصالات تسقط الصبيان

بهاء حسين ،صاحب صالة للألعاب الإلكترونية، ذكر لـ(المدى) ان زبائن الصالة جلّهم من الصبيان وبأعمار مختلفة من 8 سنوات فصعوداً. لافتا الى: ان جلهم يفضلون ألعاب العنف والقتال والحروب وتصادم السيارات. موضحا: ان بعضهم تارك للدارسة وآخر يتسرب منها وثالث يأتي بعد الدوام الرسمي، منهم خلسة ومنهم بعلم ذويهم. وبشان سلوك (زبائنه) حسبما وصفهم ذكر حسين: بعضهم يتعامل بخشونة من الآخرين ومنهم من يقلد حركات القتال في وقتها. موضحا: ان اغلبهم يفضل معارك قتال الشوارع والحروب. وآخر يفضل العاب كرة القدم وهم نسبة قليلة. كاشفا: بسبب المنافسة مع صالات اخرى اكون مضطرا لجلب هذه الألعاب. معترفا: انها تؤثر في سلوك من يدمن عليها.

إلا أن حسام هادي ،صاحب قاعات بليارد، يحرص على عدم السماح بدخول الأطفال وطلاب المدارس عازياً سبب ذلك للابتعاد عن المشاكل اولا، وثانيا لعدم تحويل القاعات الى حلبة صراعات وشجار بينهم. مشيرا الى تجربة سابقة له بهذا الشأن اذ تسببت خسارة احد الأولاد مبالغ مالية في الرهانات الى السرقة. متابعا: وبعد اكتشافه من قبل ذويه والمكان الذي ينفق فيها الأموال حدثت مشاجرة كبيرة كادت تصل الى ما لاتحمد عقباها لولا تدخل الخيرين.

الفساد يعمق المشكلة

وسط كم الإشكالات التي يعاني منها قطاع التربية والتعليم في البلاد يبرز موضوع تسرب الطلبة من المدارس ان كان بسبب قاعات وصالات البليارد والألعاب الإلكترونية او لأسباب اخرى. المشرف التربوي ضياء مهدي بين لـ(المدى) ان السبب الرئيسي لتفشي ظاهرة التسرب من المدارس هي انعكاسات الظروف الاستثنائية الحالية التي يمر بها البلد. موضحا: انها أثرت وبشكل كبير على مختلف شرائح المجتمع وليس شريحة طلاب المدارس فقط، مشيرا الى: عزوف الطلاب عن الاستمرار والمواصلة في التعليم والدراسة بسبب المشاكل الاقتصادية او عدم المتابعة من قبل ذويهم. وبشأن صالات الألعاب وتسرب الطلبة اليها ذكر مهدي: هذه مشكلة كبرى أخذت بالاستفحال في السنين الأخيرة بسبب غياب القانون والمتابعة. منوها الى: ان اغلب هذه القاعات غير مرخصة من قبل الجهات الأمنية لكن الفساد المستشري تسبب بزيادة أعدادها خاصة في المناطق الشعبية، وبالتالي زيادة اعداد الطلبة المتسربين. لافتاً الى: تعدد انواع المشاكل بسبب ارتياد هذه الصالات والقاعات ان كان على سلوك الأولاد او مستوى الطلبة منهم.

هل تحد الوزارة من التسرب ؟

من جهتها، أكدت وزارة التربية أنها شكلت لجنة مشتركة من وزارة حقوق الإنسان والمفوضية العليا لحقوق الإنسان لوضع الخطط لمنع تسرب الأطفال من مدارس المرحلة الابتدائية خلال العام المقبل 2017. وقال مدير عام التخطيط في الوزارة نايف كاظم في بيان صحفي اطلعت عليه (المدى) انه خلال العام الدراسي  الحالي وصل عدد الطلبة الملتحقين بالدراسة من سن 6 سنوات ولغاية 17 عاما إلى 8 ملايين و 900 الف طالب وطالبة، من ضمنهم الطلبة النازحون. مشيراً إلى: أن نسبة الأطفال المتسربين من  الدراسة من ذلك العدد وصلت إلى 6% في عموم المحافظات. مؤكدا: أن الوزارة شكلت لجنة مشتركة مع وزارة حقوق الإنسان والمفوضية العليا لحقوق الإنسان وبعض المنظمات الدولية لوضع الخطط بهدف القضاء على ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس الابتدائية خلال العام المقبل.

وتابع كاظم بالقول أن تلك الإحصائيات تعتبر حديثة كونها أخذت من وزارة التخطيط والدوائر التابعة لها. متابعا:ان وزارة التربية تعتبر أقرب مؤسسة حكومية للعائلة العراقية وتعمل على حل المشاكل التي يعاني منها الطلبة في تذليل العقبات في قطاع التربية.

برنامج عودة الطلبة

كثيرة هي الأسباب التي تدفع الطلبة الى التسرب من الدراسة ان كانت بسبب الدراسة او المعلمين او الظروف الاقتصادية التي يعاني منه بعض الطلبة او لغياب المتابعة من ذويهم . مدير الإعلام التربوي في وزارة التربية ابراهيم سبتي اكد عزم الوزارة على رفع نسبة التحاق الطلبة بالمدارس ومنع عملية تسربهم التي عزاها الى أسباب اقتصادية او اجتماعية، داعيا الطلبة المتسربين للالتحاق بمدارسهم. 

واضاف سبتي: ان الوزارة اعدت خطة استباقية للحد من تسرب الطلبة من المدارس باعتماد ورشة تقويمية لأداء المشرفين والمرشدين التربويين في برنامج تحسين مستقبل الشباب في العراق، لاسيما ان البرنامج يستهدف الشباب النازحين ايضا، مؤكدا: ان الوزارة سبق ان نفذت البرنامج وعلى ضوئه أعيد 1426 طالباً متسرباً الى المقاعد الدراسية، منوهاً بمرور البرنامج بسلسلة من الحلقات التي تعمل من خلاله على ضمان عودة نحو 2000 متسرب خلال المدة المقبلة. 

التسلية والاستمتاع بقتل الآخرين

الحروب العديدة التي خاضها العراق طيلة السنوات الماضية واعمال العنف اليومية الدامية، التي تشهدها معظم مناطق البلاد،  اثرت وبشكل كبير على مختلف جوانب الحياة العامة للاطفال العراقيين، فضلاعن المشاكل والصعوبات التي يعاني منها الجزء الأكبر منهم،  والمتمثلة بسوء التعليم والتغذية والمستوى المعيشي والترفيهي المتدني في حال توفره لهم،  والأمراض المختلفة التي يعانون منها منذ عقود، كل هذه الأمور وغيرها ألقت بظلالها على حياة معظم اطفال العراق، خصوصا على ثقافة الالعاب التي يمارسونها بشكل يومي والتي تنعكس على سلوك الكثير. منهم 

وبشأن سلبيات هذه الألعاب يقول المختص الاجتماعي علي هاشم لـ(المدى) أن سلبياتها كثيرة لأن معظم الألعاب المستخدمة من قبل الأطفال والمراهقين ذات مضامين سلبية تؤثر عليهم في جميع مراحل النمو ان كانت الجسدية او العقلية. مشيرا الى: ان نسبة كبيرة من الألعاب الإلكترونية تعتمد على التسلية والاستمتاع بقتل الآخرين وتدمير أملاكهم والاعتداء عليهم بدون وجه حق. مؤكدا: كما انها تعلم الأطفال والمراهقين أساليب ارتكاب الجريمة وفنونها وحيلها وتنمي في عقولهم قدرات ومهارات العنف والاعتداء على الاخرين.

وجبة مغذية للعنف والجرائم

وفقاً للعديد من الدراسات والأبحاث فإن ممارسة الألعاب الإلكترونية كانت السبب في بعض المآسي. فقد ارتبطت نتائج هذه الألعاب بازدياد السلوك العنيف وارتفاع معدل الجرائم الخطيرة في العديد من المجتمعات، والقاسم المشترك في جميع هذه الدول هو العنف الذي تعرضه وسائل الإعلام أو الألعاب الإلكترونية ويتم تقديمه للأطفال والمراهقين بصفته نوعاً من أنواع التسلية والمتعة. الباحثة الاجتماعية زينب حمود بينت لـ(المدى) ان ممارسة الأطفال الألعاب الإلكترونية التي تعتمد على العنف يمكن أن تزيد من الأفكار والسلوكيات العدوانية عندهم. مشيرة الى: أن هذه الألعاب قد تكون أكثر ضرراً من أفلام العنف التلفزيونية لأنها تتصف بصفة التفاعلية بينها وبين الصبي الذي يتقمص الشخصية العدوانية ويمارسها على من حوله خاصة طلاب المدارس. منوهة الى: عدد من الحوادث بهذا الشأن بين طلبة الصف الدراسي حيث تسببت ببعض الإصابات.

متابعة الإجراءات القانونية

واضافت مهدي: أن ألعاب البلايستيشن يمكن أن تؤثرعلى الطفل فيصبح عنيفا، فالكثير من ألعاب (القاتل الأول) الموجودة في اللعبة تزيد رصيد اللاعب في النقاط كلما تزايد عدد قتلاه، مشددة: في هذه الفقرة يتعلم الطفل أن القتل شيء مقبول وممتع ويزيد الرصيد والقوة بالتالي يكون مثل هكذا اطفال صيداً سهلاً للجماعات الإرهابية والمسلحة. مؤكدة على: ضرورة فرض تعليمات صارمة على اصحاب قاعات وصالات الألعاب الإلكترونية والبليارد وتحديد أعمار ونوع الألعاب التي يسمح لكل عمر بلعبها. مع اهمية متابعة الاجراءات القانونية.

واسترسلت الباحثة الاجتماعية : هناك تزايد خطير في حالات العنف بين الطلبة بسبب ادمان البعض منهم ممارسة الألعاب الإلكترونية. موضحة: ان بعضهم اخذ يتمرن على زملائه في الصف الحركات التي تعلمها من تلك الألعاب. مبينة: ان استمرار ذلك سيخلق جيلاً عنيفاً لايؤمن بالحوار والنقاش بقدر ايمانه بالقوة والعضلات واستخدم السلاح. لافتة الى حادثة روتها احدى الأمهات التي عنفت ولدها بسبب ضربه اخاه الأصغر بقوة كادت تطيح أسنانه الأمامية، فيبرر بأنه يتدرب على خوض نزال مع احد أصدقائه على شاكلة لعبة الكترونية فتصوروا اي جيل سيكون لدينا مستقبلاً.