غيابات النواب
مرّة قال الشاعر والكاتب الأرجنتيني بورخيس: «الصحفي يكتب للنسيان»، آسفاً على الإرث الأدبي للكتابة، ولعلّ حزناً آخر يضاف هنا؛ لحظة تطوى الأيام والسنوات، ونبقى نكرّر ذات النداءات الصحفية المكتوبة في قضية ما، دونما استجابة أو تفاعل حكومي، فيمضي المكتوب للنسيان.
حول قضية غياب النواب، أرسلت مطلع 2014 كتابة كنت نشرتها بصيغة رسالة إلى هيئة رئاسة البرلمان، وأعقبتها بأخرى نهاية العام نفسه، وكتابتين نشرتهما بداية ونهاية 2015، تضمنتا مقترحات للحد من قضية غيابات النواب، تلك الكتابات لم أتلق عنها سوى مراسلة عابرة من نائب نصحني بضرورة «استبدال الابرة التي أحاول من خلالها حفر بئر في صحراء مظلمة!»، مشيراً إلى أن عشرات النواب كان من الممكن أن تلغى عضويتهم لو تم تطبيق النظام الداخلي الذي يمنح لرئاسة المجلس تلك الصلاحية حال تجاوز غيابات النائب ثلث جلسات الفصل التشريعي الواحد، وهو ما لم يطبق.
النسبة الهائلة للمتغيبين عن حضور الجلسات البرلمانية، غيّبت تمثيل ملايين المواطنين ممن انتخبوهم ووضعوا الثقة والأمل بهم، وأخرت أزمنة إقرار قوانين وتشريعات مهمة، لا تزال تنتظر في الأدراج، مضافاً لها ما يقارب الخمسين قانوناً منصوصاً عليها دستورياً، لم تنتظم بعد للتشريع والإقرار.
رئيس لجنة شؤون الأعضاء النيابية قبل أسابيع بيّن أن الاستثناءات التي منحتها رئاسة البرلمان بشأن تغيب بعض النواب، تشكل عقبة أمام حل المشكلة، فبعض النواب تم شطب غياباتهم وقسم آخر لم تسجل غياباتهم باستثناءات وإعفاء، معتبراً أن منح الاستثناء لعدد من النواب بحجج مختلفة ليس من العدل.
ومما يضيق به التعليق حدّ الألم، قوله: إن هيئة رئاسة مجلس النواب أعلنت عزمها عرض أسماء المتغيبين عن إحدى الجلسات المهمة، في جلسة خاصة، لكن تلك الجلسة الخاصة أجلت هي الأخرى لعدم اكتمال النصاب القانوني، بسبب الغياب!، وبالتقادم ضاع التهديد والوعيد باتخاذ أقسى العقوبات.
الظرف الاستثنائي للبلد يحتم على مجلس النواب مسؤوليات أكثر، ليس في حاضر ما يجري الآن، بل انطلاقاً من تشخيص علل سالفة عطلت فعل (الحكومة)، أو تغاضت عن ذاك التعطيل. قبل سنتين قيل إن البرلمان يدرس تحويل مبلغ قدره نصف مليار دينار شهرياً من رواتب الأعضاء المتغيبين، لإنفاقها على النازحين، وبحسب مقرّر البرلمان فإن 500 إلف دينار كانت ستستقطع عن كل جلسة يتغيبها النائب.
والحكاية أبعد من تعنيف النائب، إذ كان من المفترض رصد مبلغ 6 مليارات دينار، كتحصيل غرامات، تدفع لأغراض خيرية، وبما يترك أثره في كل سنة، وبقيت القضية كفكرة منسية!.
مسألة غياب النواب تستدعي عملا حكومياً أوسع، وجهداً وطنياً يمكن خلاله إجراء تحقيقات في تفاصيل جانبية، تبدو هامشية لكنها مهمة، مثل السؤال عن سبب عدم نشر الموقع الإلكتروني للبرلمان العراقي أسماء الغائبين لفترة طويلة، والقضية موثقة بالأدلة ولا يمكن إنكارها.
علي شايع
موازين |