قرية العوادل: نموذج لإهمال الزراعة في العراق
تشكو قرية العوادل في محافظة ديالى شرق العراق، من إهمال حكومي أدى إلى موت معظم أراضيها الزراعية وانتشار البطالة بين شبابها وتردي خدمات التعليم لأطفالها، رغم توفر كل مستلزمات الزراعة الناجحة.
وتعتبر قرية العوادل الزراعية القريبة من جسر ديالى، نموذجا لنتائج الاهمال وسوء الادارة وتخبط الدوائر الحكومية التي أدت إلى ترك سكان الريف العراقي، للزراعة وتدهور اوضاعهم المعيشية رغم وجود اراض صالحة للزراعة ومزارعين كفوئين ومياه كافية.
وتحدث حيدر العزاوي احد سكان قرية العوادل والموظف في جامعة بغداد لـ «القدس العربي» بان اوضاع قريتهم العوادل في ديالى، تدهورت كثيرا الآن جراء انقطاع المياه والكهرباء عن المنطقة، ليس بسبب قلة المياه حيث يوجد فيها ناظم ( نهر صناعي فرعي) يستطيع توفير المياه لـ 170 ألف دونم من الاراضي، ولكن المشكلة في اهمال وفساد وسوء ادارة الدوائر الحكومية للمشاريع الزراعية وعدم تقديم الدعم الاساسي من مياه وكهرباء وغيرها لادامة الزراعة، مما ادى إلى توقف الزراعة كليا تقريبا في قريتهم.
ويذكر ان المشكلة الرئيسية التي يعانون منها هي عدم تشغيل مضخات الماء في مشروع الناظم الذي يزود المنطقة بالماء باعتباره شريان الحياة لآلاف السكان فيها، وذلك بحجة قلة ساعات وصول التيار الكهربائي او عدم وجود وقود لتلك المضخات الحكومية او عطل بعضها، مشيرا إلى ان الدوائر التابعة لوزارات الزراعة والموارد المائية والكهرباء، تتهرب من المسؤولية وتلقي كل منها المسؤولية على الآخرين في عدم حل المشكلة.
ونوه إلى أن المزارعين حاولوا البحث عن بدائل للاستمرار في الزراعة على نفقتهم الخاصة من خلال تصليح بعض المضخات او حفر آبار للحصول على المياه وتشغيل مضخات ومولدات كهرباء خاصة بهم، ولكن العملية مكلفة كثيرا مما يجعل المصاريف على الزراعة لا تتناسب مع عائداتها، فترك المزيد من المزارعين اراضيهم وانحسرت مساحة الاراضي المزروعة واختفت العديد من المنتجات الزراعية التي يقول انها كانت قبل 2003 مزدهرة ومتنوعة وتدر عائدات ممتازة، كما تسد احتياجات السوق المحلية في المنطقة.
وعبر عن أسفه لأن الزراعة تتدهور في العراق لصالح استيراد المنتجات الزراعية من الخارج وخاصة من دول الجوار، مؤكدا أن الحكومة لو اهتمت بالزراعة في العراق ولو قليلا، لأعادت إلى المزارع الحياة ووفرت العملة الصعبة في ظل الأزمة المالية الحالية، ولكن الروتين والفساد المستشري في دوائر الدولة خرب كل شيء، حسب قوله.
وأكد العزاوي ان تدهور اوضاع منطقتهم لا يقتصر على انتهاء الزراعة فقط، بل انعكس ذلك على انتشار البطالة بين الشباب، وعزوف السكان عن ارسال ابنائهم إلى المدارس لضعف حالتهم المادية وكون المدارس بعيدة تحتاج إلى نفقات لارسال الابناء اليها، مشيرا إلى ان الكثير من المزارعين في قريته وقرى اخرى في المنطقة، تركوا الزراعة في اراضيهم وهجروا قراهم متجهين نحو المدن للبحث عن وظيفة او اي عمل يوفر لهم ولو جزءا من احتياجات عائلاتهم. كما ذكر ان تربية الثروة الحيوانية كالاغنام والبقر والدجاج، تأثرت كثيرا بقلة الماء حيث اصبح المزارع يضطر إلى شراء علف الحيوانات من السوق بعد ان كانت المزارع تسد هذا الجانب، لذا قام الكثير في المنطقة ببيع حيواناتهم واغلقوا مزارع الاسماك وحقول تربية الدجاج لعدم توفر طعامها وارتفاع كلفة تربيتها.
وتعتبر معاناة قرية العوادل، مثالا لاهمال قطاع اقتصادي حيوي في العراق وخسارة لآلاف القرى الزراعية في انحاء متفرقة من العراق التي اصبحت ضحية انعدام التخطيط الحكومي واهمال الدوائر المعنية بهذا القطاع الحيوي وانشغال موظفيها بالبحث عن الرشاوى وصفقات المشاريع الحكومية دون رقابة على عملها كما حصل في المبادرة الزراعية التي خصصت لها الحكومة مليارات الدولارات دون ان تحقق فائدة تذكر على ارض الواقع، ما انعكس سلبا على حياة مئات آلاف المزارعين وعائلاتهم اضافة إلى خسارة منتجات زراعية وحيوانية كانت تحافظ على ثروات البلد بدلا من فتح السوق العراقية لمنتجات الدول الاخرى.
القدس العربي |