'درع الفرات' يجدد الأطماع العثمانية في العراق
أثارت تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة حول نيته تنفيذ عملية عسكرية مشابهة لـ"درع الفرات" القائمة في سوريا بالموصل جدلا واسعا سواء في العراق أو خارجه. وطرحت معطى جديدا قد يساهم في إرباك العملية العسكرية التي يتم التحضير لها في العراق بهدف طرد تنظيم الدولة الإسلامية من الموصل التي يسيطر عليها منذ أكثر من عامين.
وأعرب أردوغان امس عن اعتقاده بأن العراق بحاجة إلى عملية عسكرية مشابهة لعملية "درع الفرات" التي ينفذها في مدينة جرابلس السورية ضد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية ومقاتلي وحدات حماية الشعب الكردي الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني. مضيفا أن "حل مشكلة الموصل يمر من خلال الإصغاء إلى المنظور العقلاني لتركيا فيما يتعلق بالمنطقة".
وهذا المنطق العقلاني يقضي برأي أردوغان بأن يكون لقواته موطأ قدم في المعركة القادمة ضد التنظيم الإرهابي رغم عدم التنسيق مع حكومة بغداد وتعبير بعض المسؤولين العراقيين عن رفضهم لهذه الخطوة، وتشديدهم على خوض حربهم ضد الإرهاب بمعية قوات التحالف دون أي دعم بري لأي قوات أجنبية وتحديدا التركية.
وفي المقابل بدأت بعض الأصوات الداعمة لهذا التحرك في العراق تطفو إلى السطح، حيث دعا النائب التركماني في برلمان إقليم كوردستان آيدن معروف، الحكومة التركية للقيام بعملية عسكرية تحمل اسم "درع دجلة للسلام في الموصل وتلعفر" شمال البلاد، على غرار عملية "درع الفرات" التي أطلقها الجيش التركي في مدينة جرابلس شمال سوريا. وعامل الأقليات التركمانية كان دائما حجة تركيا الجاهزة في تعاملها مع سوريا سابقا، ويبدو انه سيتجدد مع العراق لا سيما في ظل هذا التأييد والاستنجاد.
هذا فضلا عن تقديرات المراقبين بأن هناك تنسيق سري يجري بين اربيل وتركيا في الغرض لتسهيل العملية التي تطمح تركيا لتنفيذها.
كما كشفت مصادر إعلامية أن الحكومة التركية تستعد لعملية عسكرية ستنفذها قريبا في الموصل، وأن خطط العملية جاهزة وتستند إلى اتفاق مع بريطانيا يعود للعام 1926.
وتجدر الإشارة أن اتفاق عام 1926 تم بعد الحرب العالمية الأولى حين عين مجلس عصبة الأمم لجنة تحقيق أوصت بأن تعود ملكية الموصل إلى العراق، وأُجبرت تركيا على قبول القرار بالتوقيع على معاهدة الحدود مع الحكومة العراقية في عام 1926، وقام العراق بموجبها بمنح أنقرة 10 بالمئة من الودائع النفطية في الموصل لمدة 25 عاما.
وشاركت تركيا العراق في نفطه حتى عام 1954 حين توقف الدفع تماما بعد ثورة 1958 ومجيء عبد الكريم قاسم للحكم. وفي 1986 وضمن تسوية قام بها رئيس الوزراء التركي توركوت أوزال مع الدول العربية، تمت إزالة هذه الاتفاقية. علما وأن الموصل هو آخر ولاية خسرها العثمانيون في العراق.
ولكن المراقبون يذهبون إلى القول أن تركيا مازالت تتعامل بمنطق الولاية على مدينة الموصل، ويستدلون على ذلك بذهاب أردوغان إلى إعلان عزمه القيام بالعملية دون التنسيق المسبق مع حكومة بغداد وكل ما يحتويه ذلك من تغاض لواقع استقلالية العراق وأن الموصل هي احد مدنه الكبرى.
ضم الموصل وكركوك في حال التقسيم
ويضيفون أن تركيا المتهمة بفتح معابرها لدخول المتطرفين إلى سوريا وتمويل الإرهابيين لا تنوي القيام بما اسماها النائب التركماني "درع دجلة" لمساعدة العراقيين على التخلص من المتطرفين، وإنما هي لعبة تدخل في سياق كسب رهان التسابق مع إيران في حال تمت فدرلة العراق هذا من جهة، والتحضير للفوز بنصيب من الأراضي العراقية في حال تم تفعيل سيناريوهات تقسيم بلاد الرافدين.
ويوضح المتابعون أن إيران التي تتمتع بنفوذ واسع اليوم في العراق تدعمه وتضمنه الكتل السياسية الشيعية المتنفذة في البلاد والمليشيات الشيعية المتنوعة التي تدين بالولاء إليها ستحخسر هذا النفوذ الذي سينحصر لدى فريق بعينه في حال تمت فدرلة العراق. بالتالي تعي تركيا جيدا أنها ستكون الرابح الأكبر، وأنها ستضمن موطأ قدم كبير لها في هذا البلد نظرا لعلاقاتها الجيدة مع أربيل ومع الفريق السني اللذين يسعيان إلى تحجيم النفوذ الإيراني في العراق أساسا. وبهذا تكون قد أمنت مسألة إضعاف خصمها الاستراتيجي إيران.
وإما السيناريو الآخر فإنه مرتبط إلى حد ما بما سبق، ففي حال لم يتم التوجه نحو فدرلة العراق، فإن إقليم كردستان الذي يهدد دائما بالانفصال قد يذهب بدعم من تركيا إلى الأمام في مطلبه هذا وينفصل أو يتفكك فعلا ليكون كيانا مستقلا ويمهد بذلك الطريق نحو تكريس فكرة تقسيم العراق.
وفي حال تم ذلك فإن تركيا ستكون ابرز المستفيدين من العملية. إذ تعتقد أنه وبناء على ما جاء في اتفاقية أنقرة 1926 يحق لها استرجاع الموصل وكركوك في حال تم تقسيم العراق، تحت ذريعة أن الأتراك تركوا الموصل وكركوك داخل دولة عراقية موحدة لا غير.
وبالعودة إلى القوات العسكرية التركية الراسية في الموصل يبدو جليا أن أنقرة وضعت بعناية خطتها منذ البداية، ولكن يبقى رد فعل بغداد من العملية برمتها احد النقاط المفصلية التي قد تغير هذا المخطط برمته. ففي حال أبدت الحكومة العراقية صرامة كافية لمنع تدخل تركيا على خلاف موقفها من دخول قواتها العسكرية السنة الماضية إلى أراضيها، فإن تركيا قد تضطر لانتظار تأكيد فدرلة العراق كما ينص على ذلك دستور البلاد لتجدد مخططاتها.
كتابات |