قبل أن يتم الشهرين من العمر في مسقط رأسه (جويزرات)، شرقي قضاء بلد، جنوبي صلاح الدين، اضطرت عائلة حاتم فواز حسن، إلى النزوح بسبب تهديدات تنظيم (داعش) وانطلاق العمليات العسكرية. ومنذ ذلك الحين تعيش ظروفاً "مأساوية" بأحد المخيمات في ظل انعدام الخدمات، وعدم تنفيذ الوعود الحكومية بإعادة النازحين لديارهم.
ويقول والده فواز حسن، (34 عاماً)، في حديث إلى (المدى برس): لقد "أجبرت قبل سنتين على ترك منزلي بسبب سطوة تنظيم (داعش) وبدء العمليات العسكرية التي تمكنت من تحرير مسقط رأس ابني الوحيد بعد اسبوع من القتال لكن أسباباً غامضة حالت دون عودتنا حتى الآن" .
ويضيف حسن وهو يحمل ابنه حاتم الذي يبلغ من العمر الآن عامين ونصف العام، أن "صحة حاتم سيئة إذ يعاني أمراضاً جلدية ووضعاً نفسياً مزرياً يهدد مستقبله"، مشيراً الى أن "عائلتنا المؤلفة من إخوتي الأربعة وزوجاتهم وأطفالهم محشورون في خيمتين متقابلتين بمخيّم الحردانية، شمالي الضلوعية، بلا ماء أو كهرباء ما اضطرنا الى الاستعانة أحياناً بمولد صغير وغالباً تنقذ حياتنا المساعدات التي يقدمها الأهالي والمنظمات غير الحكومية".
ويوضح حسن أن "إحدى الجهات تبرعت ببناء وحدات صحية لكنها هياكل بلا ماء"، مؤكداً أن "غالبية العوائل النازحة تركت دورها ومتاعها بمن فيهم نحن إذ تركنا سيارة وبستاناً وممتلكات أخرى ونعيش منذ سنتين على الكفاف مكتفين ببطانيات وفرش متهرئة".
مللنا الانتظار
بدوره ، يقف مهدي جاسم الفراجي عند بوابة المخيم الذي تمت إحاطته مؤخراً بسياج معدني وهو ينتظر الوفود القادمة عسى أن تجلب مساعدات يحصل منها على ما يسد حاجة عائلته.
ويقول الفراجي إن "الساكنين بالمخيم لا يعرفون سبب رفض عودتهم لمناطقهم برغم أوضاعهم المأساوية ومعاناتهم من العطش والجوع"، معرباً عن استغرابه من "كثرة التصريحات الرسمية بشأن النازحين وعدم تحقق ما تتضمنه من وعود سواء بتحسين الظروف بالمخيمات أم بالعودة لمناطقهم".
ويضيف الفراجي في حديث إلى (المدى برس)، أن "العديد من أطفال المنطقة ماتوا غرقاً عندما هربت العوائل بزوارق صغيرة إلى منطقة الحردانية المجاورة ومنهم طفلتي رسل"، لافتاً الى أن "العشرات من العوائل هربت عند دخول عناصر (داعش) الى المنطقة".
ويؤكد الفراجي انه كان يعمل في "دائرة البلدية لدى دخول تنظيم (داعش) الى المنطقة ما اضطرني الى ترك العمل والهروب مع والدي ووالدتي وزوجتي حيث نسكن منذ سنتين في خيمة واحدة"، مبيناً أن "عصابات (داعش) قتلت شقيقي خلال العام 2014، ومثّلوا بجثته لأنه كان في قوات الصحوة". ويعرب الفراجي عن استغرابه من "عدم السماح لساكني المخيم بالعودة لديارهم برغم عدم تمكن الجهات المعنية من تأمين المستلزمات الضرورية لهم ولو بالحد الأدنى ما أدى إلى تفشي الأمراض وتفاقم حالتهم الصحية والنفسية".
عشرات الوفيات
لم تتماسك أم سوسن نفسها خلال الحديث مع (المدى برس) فأجهشت بالبكاء وهي تجلس أمام الخيمة المغطاة بالتراب لتسرد معاناة النازحين والمشاكل التي تواجههم وتؤكد أن "المخيم شهد أكثر من 300 ولادة خلال وجودنا فيه"، مستدركة بالقول "لكن أغلب المواليد ماتوا بسبب ضعف الرعاية الصحية والجوع".
وتعرب أم سوسن عن املها بأن "يشعر صنّاع القرار بمعاناة أهالي المخيم ويستجيبون لطلب عودتهم إلى مسقط رأسهم".
انعدام الخدمات
ساجد فرحان،(40 عاماً)، يؤكد أنه "لم يستحم منذ اسبوع" ويشتكي من "عدم السماح لسكان المخيم بالاقتراب من نهر دجلة".
ويقول فرحان في حديث إلى (المدى برس)، إن "الكهرباء تزورنا نصف ساعة يومياً وأنا عاطل عن العمل ولا استطيع شراء الماء ولا الثلج"، موضحاً، وهو يتلمس بعض التقرحات الجلدية، أن "800عائلة تقريباً ما تزال تسكن المخيمات لأنهم فقراء ولا أقارب لديهم وهم أشبه بالمساجين وسط إهمال مجلس المحافظة والمسؤولين الحكوميين وانشغالهم بسرقاتهم وفسادهم".
ويضيف فرحان أن "منظمة إنسانية أشرفت على بناء 28 مجموعة صحية لكنها بلا ماء"، داعياً محافظ صلاح الدين أحمد عبد الله الجبوري إلى "تنفيذ وعده لأهالي المخيم بإعادتهم لمناطقهم".
قميص يوسف
يحيط بالعجوز حسن حمود ،البالغ من العمر (100عام)، 34 شخصاً هم أبناؤه وزوجاتهم وأحفاده، يسكنون في خيمتين متقابلتين، وهو يقول أن "السنتين الأخيرتين هما أسوأ مرحلة في حياتي".
ويضيف حمود ،في حديث إلى (المدى برس)، أن "الأيام الجميلة والأمن كانا في حقبة حكمي الملك غازي وفيصل ولكن أوضاع العراق تدهورت بعدهما"، مؤكداً أن "منطقة جويزرات كانت جنّة لكنها باتت اليوم خربة ومدمرة وبساتين يابسة".
وينتقد حمود "الحكومتين المحلية والمركزية على إهمالهما للنازحين وعدم إعادتهم لمناطقهم"، متسائلاً "هل يريدوننا أن نلجأ للتحالف الدولي أو الأميركان لإعادتنا لديارنا"، متمنياً في الوقت ذاته، "الحصول على ما يشبه قميص النبي يوسف (ع) ليعيد نظر زوجته وشبابه".
بدوره ، يبدي خميس الضاري حرصه "على زيارة قبر نجله الاكبر ليستذكر كيف قتله تنظيم (داعش) بعد تصديه لهم".
ويقول الضاري، وهو يجلس بقرب قبر ابنه علي في حديث إلى (المدى برس): لقد "فجر الدواعش جسر الضلوعية ولم أتمكن من إسعافه بالزورق بعد إصابته في الشهر العاشر من العام 2014، ما ادى الى وفاته لكننا بقينا في بيوتنا ولم نتعرض للنزوح"، منتقداً "اهالي المناطق الذين هربوا ولم يثبتوا وعاشوا لاحقاً مأساة التهجير وعذاب فراق مسقط الرأس".
تعليقات الزوار سيتم حدف التعليقات التي تحتوي على كلمات غير لائقة Will delete comments that contain inappropriate words