مسرحية الفلوجة .. كيف ذُبحت الفلوجة بغير سكين عمر الخطيب
اصبح العالم كله يعرف مدينة الفلوجة لتصدرها عناوين الاخبار بين الحين والاخر منذ الاحتلال الامريكي وحتى الان. ولكن لدي تعليق على مايجري الان في وحول مدينة الفلوجة.
المنهج الديني للعراقيين السُنة
ذكرت سابقاً ان العراقيين السنة هم في الاصل احناف او صوفية ومع انني لست ممن يحترم الصوفية التي تتدرج ايما تدرج من التوحيد الى شركيات وخزعبلات ما انزل الله بها من سلطان. بعض اهل السنة العراقيين مروا بمراحل وتدرجوا من التوسط الحنفي نحو التشدد السلفي، ولاندعي هنا ان كل سلفي هو مشروع ارهاب بل نقول ان التشدد السلفي يزيد امكانية التحول من متشدد الى ارهابي بنسبة خمسة في المئة.
لم نفهم بادئاً ذي بدء ماهو سبب تحول بعض السنة العراقيين الى السلفية الوهابية ولكن يبدو ان التجار السعوديون كانوا يصرفون الاموال لبلوغ هذه الغاية منذ ايام صدام بل ان الدعوة السلفية بلغت حتى الشيعة واعرف شخصيا العديد من العراقيين من الشيعة ممن تحولوا الى الوهابية، ناهيك عن ان النجف نفسها تحول فيها عدد لابأس به الى الوهابية وقاموا بتقديم طلب لبناء مسجد سُني في المدينة وتم بناءه فعلا ثم تم تحويله الى حسينية بعد سقوط بغداد والله وحده يعلم ماحصل بالوهابية الذين كانوا يترددون على ذلك المسجد.
بداية الانحدار
ماحصل في الفلوجة ابان الاحتلال الامريكي هو نفس ماحصل في باقي المحافظات السنية من نشر للأصولية الاسلامية على المنهج الوهابي حتى لو بلغت تلك الدعوة اقلية لكن هذه الاقلية اصبح لها علو الصوت في تلك المناطق، وكانت الاموال تتدفق على التنظيمات المقاومة للأحتلال الامريكي من تجار خليجيين ومن ايران الرسمية ومن سوريا الرسمية لأن الجميع احس بالخطر المحدق وهو بناء كيان ديمقراطي وسط بيئة متحجرة من الدكتاتوريات التي لاتلين ولاتنوي ان تلين، وبذلك اكتملت المأدبة في المقتل الذي تم التدبير له من جيران العراق ودفع ثمنه الشعب العراقي مرة اخرى.
قد يقول قائل لماذا قلت مرة اخرى وهل هناك مرة اولى، واقول نعم، فمجرد ان يحكمك شخص مثل صدام يكفي لنقول ان السنين التي قضيناها معه كانت عسيرة ومرة جدا لانه لم يكن يعرف السلام ولايهمه مايحصل كتبعات لتصرفاته الغير محسوبة ولم يكن الرجل سياسياً محنكا بل ممكن تشبيهه برئيس عصابة او مفرزة اغتيال وقام احمد حسن البكر في غفلة من الجميع بتوليته منصب نائب الرئيس لكي يكون اول الذين يدفعون الثمن هو البكر نفسه.
كان واضحاً ان الجماعات الغير متطرفة من فصائل المقاومة لم تكن تُشبع رغبة الاطراف الداعمة للمقاومة ولذلك تم دفع اموال اكثر للتنظيمات المرتبطة بالقاعدة لكي تكون لها اليد الطولى على المسرح العراقي وبذلك تكون الفوضى عارمة فيعم القتل والهرج والمرج ولايدري القاتل لماذا يَقتل ولا المقتول لماذا يُقتل. كان واضحا ان ايران والاسد تنفسوا الصعداء وخاصة ان ايران كانت على حد السكين اذ ان بوش الابن قد توعد العراق ثم ايران ثم كوريا الشمالية بمقولته الشهيرة ان هذه الدول الثلاث المذكورة تمثل محور الشر في الارض.
اما دعم النظام السوري للارهاب العراقي فلم نكن نعلم به الا عندما اتهم نوري المالكي نضيره بشار الاسد امام الامم المتحدة والعالم بدعم القاعدة في تفجيرات بغداد، ويا ليته لم يفضحهم!
التشدد وجد طريقه
المحافظات السُنية والفلوجة بالذات كانت تغلي قبل وبعد الاحتلال الامريكي بسبب التشدد الاسلامي الوهابي هذا اولا وثانيا بسبب الاموال التي تصل لهؤلاء المتشددين من الخارج هذا ثانيا ومن ثم الفراغ الذي خلقه عدم ثقة المالكي ومن معه بالسُنة العراقيين، فقام المالكي بالغاء الصحوات التي كانت تحارب القاعدة ونشرت الامن والامان، وقام بالغاء المخابرات في المناطق السُنية، بل ومنع السُنة العراقيين من انشاء قوة عسكرية منضوية تحت راية الجيش العراقي، وسُمح فقط لقوات شرطة محدودة التسليح بل ان الارهابيين يمتلكون سلاح افضل منها وبذلك كان سيناريو تدمير المناطق السُنية على يد الارهاب مجرد مسألة وقت لا اكثر. او كما يقول العراقيون "لا ارحمك ولا اترك لرحمة الله طريقا اليك".
العقاب الجماعي
لو سألت متخصص في الاقتصاد وعلم الاجتماع عن مدينة صغيرة تم انشاء الف مسجد فيها ولكن لم يتم انشاء ولا معهد مهني واحد بالمقابل، ولاجامعة ولامركز لتأهيل الاقل امكانية علمية من خلال دورات مهنية تراعي محدودية امكاناتهم العلمية، فأن هذا المتخصص سيقول لك انها والله بداية الكارثة.
ليس الفلوجة وحسب، بل كل مدن العراق تعاني من نفس المشكلة لكن مدن الجنوب فيها جيش وفيها مخابرات تمسك الامور وكردستان ايضا، ولم يتم تفريغ سوى المناطق السُنية من الجيش والمخابرات التي كان من المفروض ان يتم تجنيدها من اهالي هذه المدن وليس من اهالي مدن اخرى كما حصل في الموصل اذ ان الثلاثون الف مقاتل من الجيش الذين كانوا في الموصل كانوا من اهالي الجنوب وليس فيهم جندي واحد من اهل الموصل في سابقة تبين رعب حكومة "العراق الموحد" من احد اهم مكونات شعبه، ومع ذلك يتباكى من يتباكى على وحدة العراق العظيم.
انواع السلاح المستخدم
قامت الولايات المتحدة ببيع مائتا دبابة ابرامز من احدث الدبابات في العالم واكثرها كفاءة للعراق، ولمن لم يُشاهد سقوط بغداد على التلفاز اقول له ان جسر الجمهورية كانت عليه دبابتان ابرامز لم تستطع اي قوة التقرب منهما لكفاءتها النارية ودقتها في اصابة الاهداف ودرعها العصي على الاختراق من ثلاث ارباع مضادات الدروع في العالم وكل مضادات الدروع التي كانت متوفرة في العراق انذاك.
يمتلك العراق حالياً مدرعات مصفحة تصفيحاً ممتازا ومن مناشيء معتبرة، لكن لا المدرعات تم استخدامها ولا الدبابات في معركة الفلوجة وتم استخدام الهامر الامريكي وهي عجلة شبه مدرعة كفوءة ولكن استخدامها يأتي بعد ان تؤمن الدبابات المنطقة، والجدير بالذكر فأن دبابات الابرامز تستطيع ليس فقط الدخول للفلوجة وتحريرها بل وتستطيع ان تدخل في البيوت المفخخة وتخرج سالمة بدون اي خدش، ولكن تمثيليات الحكومة العراقية تجعلنا نتسائل عن الاسباب التي تجعل الحكومة تستعمل الراجمات الايرانية متوسطة المدى والتي لاتصيب الاهداف بل كالحجارة ممكن ان تسقط على رؤوس المدنيين اكثر من امكانية سقوطها على رؤوس الارهابيين.
هل هناك حاجة لقاسم سليماني
بالطبع لاتوجد اي حاجة لقاسم سليماني وخاصة ان الضباط العراقيين الذين دربتهم امريكا لهم من الخبرة في السوق "الدعم اللوجستي" والمهارات القتالية للقطعات المتحركة والثابتة اكثر من قاسم سليماني الذي اخذ علومه العسكرية على يد شيخ ايراني من قُم ليس عنده اي معلومات في هذا المجال سوى فوضى خلاقة تماما كما هو الحال مع التنظيمات الارهابية التي تعتمد كتيبات متخلفة وبدائية لتعليم اتباعها صناعة الدمار والخراب في الارض.
اذن جُل العملية هي تمثيلية من حزب الدعوة، ليست محبوكة بشكل جيد ولا احد يستطيع ان يقنعني ان العراق بحاجة لأي احد لتحرير ارضه، ولكن وجود قاسم سليماني جاء بناءً على طلبات بل ارادة ايرانية بحتة بمثابة رسالة للعرب والغرب مفادها ان العراق وسوريا ولبنان واليمن هم حدائقنا الخلفية، فأياكم الاقتراب.
|