ذي قار أكثر مدن العراق تسجيلا لمعدلات الانتحار

لاث محاولات انتحار فاشلة كانت ثمرة زواج غير مستقر للسيدة حنان (39 عاما) التي تسكن قضاء الشطرة (40 كم شمال الناصرية) وترعى عائلة كبيرة ميسورة الحال، حيث يعمل زوجها في الأعمال الحرة ولهما تسعة أبناء.

وتحتفظ حنان بسجل طويل من المعاناة الزوجية وعدم التفاهم دام نحو عشرين عاما. وفي محاولات انتحارها الثلاث تم إنقاذها من قبل ذويها.

عن السبب وراء آخر محاولات انتحارها تقول حنان "تعرضت للضرب المبرح على يد زوجي بسبب معارضتي لعلاقاته المستمرة بنساء أخريات، وبرغم شكواي الدائمة لم يساعدني أو ينصفني احد، شعرت أنني محتقرة وضعيفة، كما أني لا اعرف كيف يصل بي الحال لاتخاذ قرار الموت رغم قناعتي بتحريمه شرعيا، لكني حينما أصل إلى لحظات اليأس الشديد، يغادرني الخوف ولا أعود أفكر بالعواقب".

أنقذت حنان من محاولة انتحارها الأخيرة على يد قريبها حسنين (20 عاما) والذي صادف وجوده في المنزل، يقول حسنين "علمت فور وصولي للمنزل أنها خاضت مشاجرة عنيفة مع زوجها، فساورني شعور بأنها ستؤذي نفسها، لذا لم أغادر بيتهم، وبالفعل عثرت عليها بعد دقائق في الحمام فاقدة الوعي، وقد قطعت احد شرايينها بآلة جارحة، ولو انها كانت وحدها لما أتيح إنقاذها".

ليست حالة حنان الأولى إذ سجلت المحافظة التي تضم ما يزيد على مليوني نسمة خلال العامين المنصرمين نحو (92) حالة انتحار فعلية و(72) محاولة فاشلة من كلا الجنسين وبأعمار (15- 35 سنة) بحسب ما أعلنته شرطة ذي قار.

الشرطة ذاتها أكدت في بيانات متتابعة -بين مساء الاثنين ونهار الثلاثاء الماضيين عن تسجيل خمس محاولات انتحار في غضون يوم واحد تقريبا، وقد انقذت اربع حالات من الموت المحقق، فيما لقى شخص واحد حتفه بعد ان شنق نفسه في منزله.

وبحسب بيانات الشرطة التي تداولتها وسائل اعلام محلية في مدينة الناصرية.

فقد تم انقاذ فتاة تبلغ من العمر (22 عاماً) بعد ان اضرمت النار في جسدها في مدينة الصدر بمركز مدينة الناصرية. كما انقذت الشرطة امراة اخرى تبلغ من العمر (43 عاما) اثناء محاولتها الانتحار من خلال محاولة القاء نفسها من اعلى جسر الحضارات بمركز مدينة الناصرية مساء يوم امس .

وفي قضاء الشطرة (شمال الناصرية) تمكنت سرية طوارئ مديرية الشرطة من إنقاذ شاب يبلغ من العمر 25 عاما من محاولة انتحار وذلك في حي المعلمين. كما تمكنت مفارز مديرية النجدة ودوريات الشرطة النهرية من إنقاذ شاب اخر يبلغ من العمر (16 عاما) عاما في منطقة حي الشموخ بمدينة الناصرية.

في حين اقدم مهندس ميكانيك يبلغ من العمر خمسين عاما ،يعمل موظفا بمديرية ماء ذي قار، على الانتحار شنقا داخل منزلة بمدينة الناصرية. وفتحت الشرطة تحقيقا في الحادث.

ويعد هذا اليوم الاكثر تسجيلا لحالات الانتحار في عموم مدن محافظة ذي قار التي تشهد من حين الى اخر وقوع حالات انتحار بدوافع مختلف

ولا يتوقف سيل المنتحرين في المحافظة، فآخر الحالات التي سجلتها الشرطة انتحار فتاة تبلغ (16 عاما) بشنق نفسها في غرفة تستخدم لعلف الحيوانات في إحدى القرى التابعة لقضاء سيد دخيل شرقي مدينة الناصرية، كما شهد حي العمال بقضاء الرفاعي (80 كم شمالي الناصرية) في شهر شباط الماضي حادث انتحار رجل يبلغ من العمر 53 عاما بإطلاق عيار ناري على الرأس.

ويقول مصدر مطلع في شرطة ذي قار حبذ عدم ذكر اسمه "أقدمت امرأة متزوجة ( 19 عاما) في العشرين من آذار الماضي على الانتحار بشنق نفسها بغطاء الرأس (الحجاب) في منزلها شمالي الناصرية، كما انتحرت سيدة (31 عاما) تعمل ممرضة في دائرة صحة ذي قار، بإحراق نفسها في باحة منزلها بمنطقة المنصورية غرب الناصرية. في حين شنقت فتاة ( 22 عاما) نفسها بحبل داخل منزلها - 20 كم غربي الرفاعي شمالي الناصرية".

وأضاف المصدر أن الشرطة النهرية أنقذت في غضون ذلك العديد من الأشخاص الذي حاولوا الانتحار غرقا في نهر الفرات برمي أنفسهم من احد الجسور، وكان من بينهم رجل كبير في السبعين من عمره يسكن منطقة المنصورية.

وقد تخفي حوادث الانتحار أسبابا جنائية تتعلق بالثأر العشائري أو الشخصي أو جرائم الشرف.

ويوضح المصدر أن "الشرطة تتعامل مع أية حادثة انتحار كجناية في بداية الأمر وتحاول تتبع الأدلة الجنائية في موقع الحادث إلى حين التأكد من الدوافع والأسباب. فقد تكون هناك دوافع جنائية للقتل، لذا تتم إحالة الضحية إلى الطب العدلي لتحديد سبب الوفاة ثم يفتح تحقيق مع عائلة الضحية ومن له صلة به للوقوف على الأسباب الحقيقية للحادث".

و اعتبرت مفوضية حقوق الإنسان العراقية أن هناك زيادة ملحوظة لمعدلات الانتحار في عموم العراق منذ 2013 وعزت ذلك إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وقالت في بيان لها أن محافظة ذي قار سجلت (119) حالة انتحار خلال عامين وهو أعلى معدل في حالات الانتحار بين محافظات العراق، ماعدا إقليم كردستان.

ولمواجهة الظاهرة أنشأت إحدى منظمات المجتمع المدني مركزا تخصصيا يعد الأول بالعراق بالتعاون مع منظمات دولية، لتقديم استشارات نفسية ووسائل تأهيل ومعالجة بالاعتماد على مسوحات ميدانية.

وعقد الاجتماع التداولي الأول برئاسة عادل الدخيلي النائب الأول لمحافظ ذي قار وحضور ممثلين عن دوائر الشرطة والصحة والشباب والرياضة وعدد من الأخصائيين النفسين وأكاديميين من جامعة ذي قار.

ويقول الدخيلي إن "هناك أسبابا عديدة لتنامي ظاهرة الانتحار في المحافظة، ربما في مقدمتها، المشاكل الاقتصادية والأسرية والتأثر بالظواهر الاجتماعية الدخيلة".

بينما يخلص الباحث الدكتور عبد الباري الحمداني (أستاذ علم النفس بجامعة ذي قار) في دراسته لظاهرة الانتحار، عبر استبيانات وجهت إلى عائلات وأصدقاء المنتحرين، ان العنف العائلي والكآبة والاغتراب والبطالة والتناقض الإدراكي الذي أفرزته الأوضاع السياسية الحالية هي الأسباب الرئيسة للانتحار، فضلا عن العوامل الأخرى.

ويقول إن "اغلب دوافع انتحار الفتيات كانت من اجل وضع حد لمعاناتهن جراء الإهمال أو لإخفاء فضيحة تؤدي بسمعة عائلاتهن، فاجتماعيا تكون التضحية بحياة المخطئة أهون من ضياع سمعة عائلتها ما يجعلها تختار الموت، أما الشباب فكان الدافع الأقوى عندهم هو الفشل الدراسي أو فقدان العمل أو عدم الحصول عليه أصلا، ناهيك عن حالات التفكك الأسري وتناول الحبوب المخدرة والعقاقير ذات الأثر النفسي المؤذي".

ويرى رافد رسول - الباحث الأكاديمي وأخصائي علم النفس- أن هناك تأثيرا خطيرا لوسائل الاتصال الحديثة التي لم يستطع الإنسان ذو الطبيعة المدنية أن يتعامل معها باتزان وبشكل سوي، فكيف الحال بالنسبة للأفراد الذين يعيشون في بيئة مغلقة.

ويقول "تزداد مشاعر الحزن والوحدة واليأس وعدم التصالح مع الذات (قيمها ومعتقداتها) في المجتمعات التي لا يجد فيها الفرد متنفساً لانفعالاته، ولاسيما إذا علمنا أن اغلب حالات الانتحار بحسب الإحصائيات المتوفرة تقع ضمن المناطق النائية: أقضية الشطرة والنصر والرفاعي وقلعة سكر، أي في المناطق ذات التقاليد الاجتماعية الصارمة".

لكن الدكتور عدي شبيب (رئيس قسم الاجتماع بجامعة ذي قار) لا يعتقد أن الأسباب تكمن فقط في نظامنا الاجتماعي والأخلاقي والتعليمي، فما يحسم تفسير تنامي الميل إلى الانتحار بين الشباب، مرهون بطبيعة الشخصية ذاتها وطريقة تعاطيها مع ظروفها المحيطة.

وربما يسري ذلك على حالة مصطفى (18 عاما) طالب السادس الإعدادي المتفوق في دراسته العلمية والمنحدّر من عائلة ميسورة، إذ صدم أهله وأصدقاؤه بإقدامه على شنق نفسه من دون أسباب واضحة.

وينفي عم الضحية -يعمل طبيبا في مستشفى الحسين- وجود أسباب بيّنة، ويقول "على ما يبدو فان الجزء الأكبر من حياة الشباب اليوم ليس معلوما لأهاليهم. فهم ضحايا واقع افتراضي فيه الكثير من المسببات والمغريات والدوافع التي يصعب علينا تتبعها وتقدير مدى تأثيرها فيهم". (نقاش)

ميدل ايست أونلاين