بينهم موظفون حكوميون..المعقبون والصراع مع المحاماة والاتفاقات الجانبية !

سأل سعدون صديق طفولته جبار عن الطريقة والكيفية التي يمكنه بها إنجاز معاملة البيع الخاص لداره في دائرة تسجيل عقاري ألأعظمية من دون تعب (اصعد وانزل وتعال باجر والدوام انتهي والمعاملة بيها نقص!) ردَّ جبار ونصحه أن يختار معقباً او دلالاً لغرض إنجاز المعاملة كون إنجاز أية معاملة في الوقت الحاضر ومزاجية الموظفين والمخمِّنين في دائرة الضريبة ستكلف ضعف المبلغ المدفوع الى المعقب. سعدون تساءل مرة أخرى، هل (المعقب) يحمل صفة قانونية في دوائر الدولة؟ أجاب زميله ( لا ) لكنه وسيط بينك وبين الموظف مؤكداً له أن العمل هنا وفق مبدأ (الكل مستفيد).

قطع الطريق أمام المحامي 

سمير مسعود موظف يقول لـ(المدى): إن وجود المعقبين أمام الدوائر الحكومية والمحدودة طبعاً هو قطع الطريق أمام دور المحامي في التوكيل القانوني للعديد من القضايا. مبينا: أن المبالغ التي تُفرض من قبل المحامي عالية جداً. مضيفاً: على سبيل المثال راجعت دائرة العقاري لغرض الحصول على سند للعقار المسجل باسم ورثة طلبت من المحامي التوكيل لكنه طلب مبلغاً يتجاوز المليوني دينار فيما طلب المعقب مليون دينار فقط وهناك فرق كبير.

وأوضح مسعود: ليس هناك صفة قانونية للمعقب لكنه ينجز المعاملة بالاتفاق او من دون ألاتفاق مع الموظفين، منوّهاً: ان هذا الأمر لا يعني المراجع الذي يهمه انجاز المعاملة فقط. 

اختصار الوقت والجهد

فيما يرى قحطان جواد بحديثه لـ(المدى) أن وجود المعقبين داخل وبالقرب من الدوائر واصطياد المراجعين يأتي بالاتفاق بين بعض الموظفين الذين يتعمّدون تاخير إنجاز المعاملات. لافتاً بالتالي على المواطن ان يلجأ لمن يمكنه اتمام ذلك وهنا طبعا يبرز المعقب. مبيناً: ان الكثير من الدوائر ترفع شعار يمنع وجود المعقبين لكن للأسف هي قطعة معلقة فقط !

قحطان يروي قصته بالقول: أمتلك عقار ورثة يقع في منطقة السباع وقد حذرت أمانة بغداد من سقوط العقار كونه قديماً ، وهنا قدمت طلباً لغرض استخراج سند جديد وبغية إخراج أجازة بناء. مستطرداً: هنا تبدأ المسيرة مراجعة دائرة الكهرباء والضريبة والأمانة والتسجيل العقاري وقرار المحكمة والأحوال المدنية كذلك شهادة حياة او عدمها للورثة وغيرها. منوهاً: الى ان المعقب يمكن ان ينجز هذه المعاملة في غضون اسبوع فقط وبالتالي اختصاراً للجهد والوقت الذي يمكن أن يكلفني شهوراً عـــدة. 

التوكيل الرسمي

فيما يُشير المواطن حسين القره غولي لـ(المدى) أن الكثير من المراجعين سواء في بغداد أو  في المحافظات يختارون (معقب) لغرض إنجاز معاملتهم للتخلص من الرحلة المكوكية بين دوائر الدولة والزحامات وعدم معرفتهم بآلية المراجعة. لافتاً إلى أن المبالغ التي يتقاضاها المعقب ليست بالكبيرة قياساً الى حجم المصروفات التي يمكن ان تدفع يومياً كأجور نقل او دفع رسوم وحتى الوقت والجهد.

وشدد القره غولي على أن العديد من الموظفين المتقاعدين يختارون مهنة المعقب لمعرفتهم ببعض تفاصيل الدوائر والعلاقات الشخصية بين بعض الموظفين أثناء الخدمة. مبيناً:  أن البعض من المعقبين يتسببون بالكثير من المشاكل لصاحب المعاملة. معزياً سبب ذلك لعدم التزامهم بالمواعيد او قلة علاقاتهم مع الموظفين المعنيين في الدائرة.

قلـة خبـرة الموظفين

هيئة النزاهة سبق وأن حذّرت دوائر التسجيل العقاري من استمرار ظاهرة تنقل المعقبين والدلالين بين أروقة ومكاتب موظفيها، عادة هذه الظاهرة حلقة من حلقات الابتزاز والتزوير والرشوة. وأكدت الهيئة في تقرير أُرسل الى مكتب وزير العدل، عن واقع أداء دوائر التسجيل العقاري في محافظة بغداد، وأهمية معالجة ظاهرة الأضابير المفقودة التي باتت حالة مبالغاً فيها خاصة في دوائر التسجيل العقاري في البياع والكاظمية الأولى والكرخ الأولى.

وجاء في التقرير الذي اطلعت عليه (المدى): أن أغلب دوائر عقارات بغداد تعاني من الزحام الشديد وقلة خبرة الموظفين ورداءة خطوطهم، فضلاً عن قلة عدد الكاميرات التي تراقب احتكاك الموظفين بالمراجعين وعدم وجود أرشفة الكترونية مع غياب واضح لدور الإعلام القانوني في هذه الدوائر. مشيرا: الى ظاهرة عدّها من الخطورة بمكان يُحتم معالجتها وايجاد الحلول الناجعة لها، وهي أن دوائر التسجيل العقاري في بغداد تمنح مسؤولية إدارة شُعبِها التسجيلية والتخصصية الى موظفين يحملون شهادات الإعدادية والمتوسطة وترك ذوي الاختصاص من حملة شهادة البكالوريوس.

استخبارات الداخلية والمعقبين

المواطن صهيب رمضان تساءل عن دور وأهمية المعقبين في دوائر المرور تحديداً ذاكرا لـ(المدى)  بين فترة وأخرى تظهر قرارات مفاجئة لدائرة المرور تدعو فيها الى المحاسبة أو المعاقبة أو الملاحقة القانونية بعد إمهال المواطن مدة شهرين. مشيرا الى الزخم البشري  الكبير الذي سيحصل على تلك الدوائر التابعة للمرور العامة. 

واسترسل رمضان: بسبب ذلك تبدأ أسعار الحصول على أجازة السوق مثلا او نقل ملكية سيارة او تعديل الأرقام بالارتفاع بسبب تحديد فترة زمنية تنص على معاقبة كل مَن تخلّف بالتالي سيلجأ المواطن الى المعقب. مردفاً: فهذا الحال الوحيد للخلاص من العقوبة واتمام المعاملة بوقت قياسي تلافياً لهدر الجهد والوقت.  

واشار رمضان الى تنويه وزارة الداخلية مراراً وتكراراً ومنع تواجد المعقبين والوسطاء امام مباني قواطع المرور، مستدركاً: لكن ذلك لا ينفع في ظل تفشي الفساد بين العاملين في هذا المجال واتفاق البعض منهم مع المعقبين، مشيراً الى مراجعته لإحدى دوائر المرور لإتمام معاملة نقل ملكية السيارة اختفى المعقبون بعد علمهم بتوجه الاستخبارات الى الدائرة وهذا فساد آخر!

تسعيرة موحدة 

في حين يقول المهندس كمال طارق لـ(المدى) إن العشرات من المعقبين يتولون مهام التوسط بين المراجعين وموظفي قواطع المرور في بغداد لإتمام المعاملات الأصولية واستحصال التواقيع الرسمية. لقاء مبالغ مالية. موضحا: ان هذا  الأمر معلوم ومعروف للجميع على أعلى المستويات. 

وأردف طارق: ان أحد اسباب تفشي ظاهرة المحققين غياب العمل بالنظام الالكتروني الذي يُعمل به في العديد من الدول منها إقليمة ومجاورة لا تملك امكانية العراق وكفاءتها. مبدياً استغرابه من اتفاق معظم المعقبين في دوائر التسجل العقاري على تسعيرة موحدة لكل معاملة اذا كانت نقل ملكية او إزلة شيوع او اخراج سند الطابو. داعيا: الجهات المسؤولة الى ضرورة الاعتماد على الكفاءات العراقية في تنظيم العمل الألكتروني. 

الحوكمة الالكترونية 

المهندسة زينب محمد تقول لـ(المدى) إن دول العالم تجاوزت منذ فترة طويلة العمل بالورق واتجهت الى تبني مشاريع الالكترونية في سبيل تبسيط الإجراءت وتقديم أفضل الخدمات للمواطن. متسائلة: عن ألاسباب التي تقف وراء تأخير العمل بالمشاريع الخاصة بنظام الحوكمة الالكترونية مثل الحصول على الجواز او سند عقار أو التحاسب الضريبي. مردفة: ان كل تلك المعاملات تدخل أموالا لخزينة الدولة عن طريق الرسوم لكن للأسف لا نحصل إلا على التعب والمضايقة التي تنتهي أحياناً باللجوء الى المعقب. 

زينب تروي قصة عاشتها للحصول على صورة قيــد ولادة لوالدتها إذ راجعت دوائر الصحة مرات عدة في كل مرة يُطلب منها شيء. مبينة: ان السجلات الخاصة بوزارة الصحة تشير الى عدم تسجيل الولادة لكن دائرة النفوس تؤشر حالة الولادة ، موضحة: بعد مراجعة لأكثر من شهرين لم أتمكن من الحصول على صورة قيد لهذا اتجهت الى المعقب واتفقت معه على مبلغ من المال الذي سيذهب جزءٌ منه الى الموظف الذي عطّل اتمام المعاملة وأصدر صورة قيــد. 

المحاكم الشخصية نموذجاً 

في المحاكم الشخصية ترى العشرات من المعقبين بشكل ملحوظ خصوصاً في قضايا الطلاق نهلة إحدى المراجعات لمحكمة الاحوال الشخصية في الكاظمية تقول لـ (المدى): اراجع المحكمة لغرض الحصول على قرار خاص بطلاقي والحصول على حقوقي. موضحة: لجهلها بالطرق القانونية والادارية استعانت بأحد المعقبين بسبب وضعه المالي الذي يمنع توكيل محامٍ بسبب ارتفاع أجورهم.  مشيرة: الى أهمية دور المعقب في مساعدة الكثير من المواطنين خاصة مَن لا يعرفون الطرق القاونية لإنجاز معاملتهم.

اما سهام خليفة فقد تحدثت عن قصتها وكيف استولى طليقها على اثاث البيت والاوراق الثبوتية لأبنائهم واختفى. وبسبب وضعها المالي استعانت هي الاخرى بمعقب في دائرة احوال البياع ساعدها باصدار اوراق جديدة. كما تكفّل لأخرى بمراجعة شكواها في محكمة الاحوال الشخصية وأصدر أمر قبض بحق طليقها. مبينة: ان كل ذلك كلف ربع الملبغ الذي طلبه المحامي. 

معقبون حكوميون

وزارة العدل، حذّرت من معقبين يدّعون الانتساب إلى بعض مكاتب الوزراء والمسؤولين في الدولة، وأكدت أنها لن تسمح بوجود أي شخص يدّعي الانتساب إلى مكتب وزيرها أثناء مراجعته لوزارات ومؤسسات الدولة من دون تخويل رسمي، وفيما دعت تلك الوزارات والمؤسسات إلى إعلامها بأية مخالفة، أشارت إلى أنها سترفض مراجعة جميع دوائرها بادعاء الانتماء إلى مكتب الوزير من دون تخويل.

وقالت وزارة العدل في بيان إن هناك معلومات تفيد بوجود أشخاص يقومون بتعقيب المعاملات في الدوائر الحكومية ويدّعون انتسابهم إلى بعض السادة الوزراء والمسؤولين في الدولة. مضيفا: ان الوزارة لم ولن تسمح بوجود أي شخص يدّعي الانتساب إلى مكتب الوزير أثناء مراجعته وزارات وجهات ودوائر الدولة الموقرة، من دون أن يحمل تخويلاً رسمياً صادراً عن مكتب الوزير، داعياً الوزارات والدوائر الحكومية إلى إعلامها عن أية حالة خرق قد تحصل مستقبلاً لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالف وإبلاغ الجهات الأمنية من قبلهم لمحاسبته وفق القانون.

النظام العام للحكومة  

المواطن مؤيد عبد الرزاق يقول: إن أحد الاسباب التي تتطلب دخول المعقب هو النظام العام للحكومة والروتين المتبع في بعض الدوائر الحكومية. منوهاً:  الى  مزاجية الموظف الذي ينظر الى مادبة الافطار الصباحي في المكتب اكثر مما ينظر في قضايا المراجعين. مؤكدا: لهذا نلجأ الى  المعقبين او الوسطاء وهم كُثر في  دوائر الدولة!

واشار عبد الرزاق: الى تجارب دول سبق وأن زارها وكيف يتم العمل بالنظام الالكتروني الذي خلصهم من الجهد والوقت اللذين يهدران من دون اتمام المعاملة. داعيا: الى ضرورة تبني هذا النظام خاصة في الدوائر التي تشهد زخما كبيرا مثل دوائر المرور والتسجيل العقاري والجوازات.

ربـح على حساب المواطن 

المحامي سامي جليل وصف القطع واللافتات المنتشرة في استعلامات دوائر الدولة التي كُتب عليها (ممنوع دخول المعقبين) أو (مراجعة المعاملة لصاحب العلاقة فقط ) الى انها مزحة. موضحا: ان المعقبين اكثر من المحامين في تمشية المعاملات اليومية؟! مردفاً: ان الموظف مستفيد كثيرا من هذه الظاهرة.

وأوضح جليل: انه توكل في قضية احد المحالين على التقاعد الذي يمنعه مرضه من القدرة على مراجعة دائرة التقاعد العامة. مستطردا: ذهبت إلى القسم المختص وعندما سألت عن الشعبة واسم الموظف الذي استلم المعاملة وبعد ان اطلع على التوكيل الرسمي الصادر من كاتب العدل الذي أعطاني موعدا لمراجعتهم. مضيفا: في الموعد المحدد راجعت لمتابعة المعاملة فأخبروني أن اذهب إلى شعبة أخرى وعندما ذهبت تفاجأت بكثرة أعداد المراجعين الواقفين على شباك صغير. 

معقب ينقـذ محامياً

واستطرد المحامي: لم استطع الوصول لهذا الشباك إلا بعد أسبوع عندما نادى الموظف باسمي ليخبرني أن الأوامر الموجودة في المعاملة غير صالحة ويجب استحصال أوامر جديدة. مستدركا: لكن بعد دخول احد المعقبين عن طريق محامي صديق تم انجاز المعاملة في وقت قصير من دون عناء او جهد فقط ناصفت الملبغ مع المعقب الذي ابدى مرونة في التعامل مؤكدا وجوده في أي اشكال آخر يصادفني في دائرة التقاعد ودوائر اخرى ذكرها للمحامي. الذي بقي تحت تأثير الصدمة اياماً عدة. التساؤل الذي يطرح نفسه اذ عجز محامي مخول من قبل سلطة قضائية في انجاز معاملة فكيف بالمواطن العادي؟

المدى