لا زلت اذكر شجرة الخوخ ---ازهارها البنفسجية ترتقي فتعانق جبين حديقتنا---وريقاتها شفافة تشبه ورق الصفصاف،اما اغصانها،فكانت غضة،طرية،رقيقة؛غالبا ما تتكسر بمجرد ان تهب عليها رياح ربيعية،عاتية ---انهارقيقة ،ممتلىة،تعشقها ، وتتمنى،روحي الشابة ان تماثلها ،في كل شيء ---في الحركه ،في السكون ،وفي العناق أيضا كنت مثل شجرة الخوخ ---وانا لم ابلغ الخامسة عشرة ---فقد صرت طرية،بضة،شفافة،اتمايل كلما هزتني احلامي ،اترنح كاغصانها---واعبر بخيول بيضاء كل المرابع الخضراء،واتخيل ان نهرا جميلا ،ينساب ،بالمياه الرقراقة ،العذبة ،واحسب اني سازهر ،كما تزهر شجرة الخوخ ---واثمر مثلها،وانظر الى قدمي الصغيرتين الجميلتين ،على البساط العشبي،الاخضر ---فارى فيها شهية،ونشوة---فاتاكد ان مملكة ساحكمها،وان عرشا ساعتليه ،وتاجا سوف ارصع فيه شعري الكستناىي،لذا فاني احلم به شابا ،قويا،بعيون سوداء ،او عسلية ،واكون سعيدة به . وجاء ربيعي كما جاء لشجرة الخوخ ---وظهر لي الفارس القوي ،حينما بلغت السادسة عشرة ---لقد رايته كما تمنيت ---واخذ بيدي ،واحتضن كل جوارحي ،حتى تصبب كل عرق مني بعرق انوثتي ،وجمالي ---قارنت بين زهرتي ،وازهار شجرة الخوخ ،فتصورت انني اضاهيها جمالا،وروعة،لا بل ودلالا ،وخيلاء ---وتخيلت اني طرية ،جذلى---وقلت في نفسي،لابد وان تثمر زهرتي كما اثمرت ازهار شجرة الخوخ في باحة دارنا ---وازددت جنونا فقطفت زهرة ووضعتها بين نهدي ؛وقلت يا للجمال،ويا للروعة؛وزينت بها قمة شعري !!! ولم اصدق نفسي ، حينما علمت ان ثمرة علقت باحشاىي ---وانتظرت الميلاد ، حتى جاء ، واذا به نبعا ،وصار برعما ، ينمو،وينمو، فاضحى يافعا، رقيقا شفافا ،اءعطيته من روحي، واءحلامي حتى لم يبق لي منهما شيء لم اعباء بما في يد زوجي ---ولم اكن مهتمة بكلماته الحجريه ---فاحيانا اوبخه ---واخرى ارشده ---ومرة اطفاء مصابيحي بوجهه ---ولكنه لم يعباء بي ايضا بل مضى ،يستجدي ،وينافق،ويتذلل لمن يسحقه ،وينهش ،ويمتص ،ويستحلب من هو واقع في شباكه العنكبوتيه ---نزع ثوبه وخلع بريق عينيه حتى تحجرتا---وصار يبحث عما ييبس الغصون ، ويتلف الخضرة ---ويقتلع ما يظن انه يبعده عن هدفه الذي لا وجود له ، ولاشرف منه، ولا رفعة فيه وكبرت الالام ---ونمت الاموال الحرام ---كنت المسها حتى في عيون الجيران ---والمسها في شتاىم الاقرباء ،لا بل في ملبسنا ،وفي ماءكلنا ؛ حيث ان توسلات العجاىز والمسنين ،ما عادت تغسل ارواحنا الصدىه ، ولم استطع التحمل فخاطبته قاىلة : -ياابا احمد ، لقد ابتعدت عن الطريق !! *وهل انا الذي اوجدتها ؟! -لكنك كاي حجر فيها؛؛ *لست الوحيد فيها،فالغطاء تحته الكثير---ولا ا ريد ان اكون جرحا؛ - لكن احمد فاشل -هو مستقبلنا ؛؛ كانت الكلمات قنابل تقتلع جذور بيتنا ---لا بل اسس حياتنا،انها تحرق كل شيء ،ماضينا ، وحاضرنا ، ومستقبلنا ---وحانت مني نظرة الى شجرة الخوخ ---فرايت اوراقا اخرى تزدادذبولا ، وتزداد اصفرارا ، والازهار ايضا . رن جرس الباب،واذا به البستاني متلفعا بكوفيته ، مصفر الوجه ، بتراب حديقة احد الجيران ، فتحت له باب الدار---وسلم سلاما مقتضبا ---ادركت عمق بغضه لبيتنا ؛ لكن ما افاقه من بغضه سؤالي المتوسل اليه : -يا عم! *نعم !! - الم تستطع معرفة سبب ذبول شجرة الخوخ ؟! * لا ،ولعل ذلك يرجع الى جرذ يقطع جذورهااو حشرة تاكل امتدادها في الارض ؛واناس عندنا كما يفعل الجرذ واطرقت واحسست انه اصابني بسهم بغضه ---ولعله يشتمنا برفق بخلاف غيره ؛وسالته : -يا عم ! *نعم !! - ارجو ان تعيد الى شجرة الخوخ ،عرسها ، وشبابها ، وعطاءها ،ارجوك ؛لا تجعلها تموت ؛! * افعل انشاء الله ، ساحرثها من جميع جهاتها ، علها تعود ، كما ترغبين ، تصبري فالارض باقية لن تموت !! وهنا تصفحت وجهه ؛واذا بلحيته بيضاء طويلة؛يشوبها اصفرار التبغ ،والتراب---بدت لي كانها جذور تعشق الارض ،وتنغرس فيها؛ تمنيته ابا لاحمد ،انه حكيم ---ووضعني في صحراء لا ارى نهايتها، مملوءة بالافاعي ، وانهمرت الدموع من عيوني ؛ولاحت امامي شجرة الخوخ ،ذابلة ازها رها---امتدت يدي نحوها،وهي بعيدة اتوسل اليها : " انك ،شبابي --انك ولدي ؛انك--وحينما تموت الازهار --لا ينفع الندم "