أيتام دولتنا
صادف «يوم اليتيم» هذا العام، والذي تم الاحتفال به في الجمعة الأولى من شهر نيسان، مع «يوم الكذبة» الشهير في أول يوم من الشهر.
ويا للحزن؛ لحظة لم يستطع هذا الركام الفجائعي لليتم في بلادنا أن يسود على الكذبة ويومها، والعكس ممكن؛ كأن يقال لمن احتفل أو تذكر الأيتام بأنه يحاول تمرير كذبة ما.
وبعيداً عن تمويهات «كذبة نيسان» السمجة، وما يجري فيها من المكاره، ومن صميم واقعنا المأساوي، ثمة قضية تستحق أقصى درجات الوعي الإنساني والمسؤولية الوطنية، فقبل أيام، وبعد جدل طويل أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن موافقتها بالسماح للمنظمات المدنية والقطاع الخاص بفتح دور لرعاية الأيتام، بعد اعلان الوزارة عجزها عن القيام بتلك المهمة منفردة، وهو قرار مرّ في ثنايا الأخبار دون أن يواجه اعتراضات كثيرة، فمن يعاين السبب وراء ما أقدمت عليه الوزارة من قرار سيشعر بخيبة أمل كبيرة، فالمتحدث الرسمي لـ (العمل والشؤون الاجتماعية) ذكر في تصريح صحفي أن مجلس عمل الوزارة درس مشاكل مختلفة واجهت المتعاملين حكومياً مع ملف الأيتام، الأمر الذي دفع تلك الجهات الحكومية للتعويل على منظمات المجتمع المدني من أجل افتتاح دور ترعاهم.
وليت تلك الكلمات كانت كذبة بيضاء بالفعل، فكيف سيصدّق السامع من يقول إن هذه الإجراءات اتخذت بقرار وزاري «تخفيفاً عن كاهل الدولة في رعاية الأيتام، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد»!..
عبارة موحشة وموجعة وتستحق الحزن، فأية دولة تلك التي يثقلها أيتامها؟. ومن لليتيم بعد تعذّر الدولة عن رعايته؟. وهل الدولة محتاجة بالفعل ليقال باسمها ان هذا الإجراء جاء من أجل «إتاحة فرصة للقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، لمساعدة الحكومة في هذا الملف»؟!.
ومع فرض حصول الأمر، كيف سيتم استحداث ونشر تعليمات وتشريعات قانونية تبحث وبدقة بما يحق وما لا يحق لتلك المنظمات؟..وما هي المرجعيات القانونية لتلك التعليمات وبأي شيء ستكون المنظمات المدنية ملزمة في حال وجود مخالفات؟.
وماذا لو تم استغلال القضية بتأسيس منظمات وهمية؟..وهل كانت للدولة ضوابط في الأصل تبحث بملف ما كان من مؤسسات تعمل في مجال رعاية الإيتام خارج اطار الدولة قبل هذا القرار؟.
وللقارئ أن يضع أسئلته وهو يطالع جملة وجدتها في التصريح وأنقلها بالنص: «الوزارة لا تمانع افتتاح رجال الأعمال دور للأيتام خاصة أن بمقدورهم تأسيس منظمة مجتمع مدني»..
إنه الاستثمار بالأيتام إذن..وسيكون هذه المرة لا تحت رحمة من يتعلمون (الحجامة) كما يقول مثلنا الموحش، بل تحت رحمة من يجربون الرعاية لمجرد حصول الرخصة. أين من درسوا وبحثوا وحملوا الشهادات في هذه الاختصاصات؟.. وهل نحن أمام طوفان وسيل من اليتم لا تستطيع الدولة مواجهته؟.. ألا يُصدم من يكتشف أن كل هذا اللغط بسبب 22 داراً في عموم البلاد، 4 منها ببغداد والبقية في المحافظات؟.
هل في القضية عدل أم ظلم؟.. باختصار، ضعوا القضية في ميزان كلمة الإمام علي (ع): «ظلم اليتامى ينزل النقم، ويسلب النعم»، وسيتضح جزء من المشهد.
علي شايع
الأخبار |