انشقاق في الصف الشيعي و'البيت الداخلي' يَظهر الى العلن في العراق وسط عدم رضى السنّة العراقيين من أداء الحكومة، وامتعاض المرجعية في النجف من قلة الإصلاحات الاقتصادية - الاجتماعية، ورغبة الأكراد بالانفصال في ظل مشاريع طاقة مع تركيا من دون العودة الى الحكومة المركزية في بغداد، ودخول قوات 'احتلال' تركية الى الموصل على وقع تهديد بغداد 'بالردّ إذا استُنزفت الوسائل الديبلوماسية'، كما قال وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري. وسط كل هذه الوقائع الحالية في العراق، يتراجع نفوذ تنظيم 'الدولة الإسلامية' على الأرض، ومعه كذلك التأثير الإيراني داخل أروقة أصحاب القرار في بغداد لمصلحة النفوذ الأميركي، الذي أصبح واضحا وجليا. فقد قالت أميركا كلمتها وانكفأت مبدئيا عن سوريا لمصلحة روسيا التي قالت إنها باقية وستتمدّد في 'بلاد الشام'. وعودة الولايات المتحدة من الباب العريض الى العراق تأتي بعدما 'أخرجها' منها نائب الرئيس العراقي الحالي ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي ليفتح الباب لإيران بإعادة سيطرتها المعنوية والسياسية عليه، الا ان اختيار حيدر العبادي رئيسا للوزراء وإعلان 'الدولة الإسلامية' الخلافة، سمح لإيران بزيادة نفوذها العسكري من خلال تجهيز وتسليح مجموعات عراقية تابعة لها مباشرة، ومدّ بغداد وأربيل بالسلاح والدعم العسكري. ويقول مراقبون إن هذا الدعم لم يكن كافيا لوقف تَمدُّد 'الدولة الإسلامية' في العراق، إذ تأخرت الولايات المتحدة عن دعم حكومة العبادي لأسباب استراتيجية عديدة أهمها، 'رغبة واشنطن في تلقين العراق درسا لرفْضه فتْح قواعد عسكرية أميركية على أرضه، وسعيها إلى إبراز ضعف المجهود العسكري الإيراني وعجز طهران وبغداد عن إيجاد قوة نارية جوية واستخباراتية لاحتواء تقدم 'الدولة الإسلامية'، ورغبتها في رضوخ الإرادة العراقية لكل طلباتها التي ستأتي لاحقا'. والسؤال الذي يجب ان يطرح هنا هو: لماذا تهدد الولايات المتحدة العراق بطريقة غير مباشرة؟ ويقول محللون إن الجواب يبدو انه في جيب 'الدب الروسي'. فعندما شعرت إيران بعجزها عن إيجاد موقف عراقي موحد، شيعي - شيعي، وشيعي - سني، وشيعي - كردي، وعجزت كذلك عن وقف تمدد الأخطبوط الأميركي داخل الإدارة العراقية، لجأت الى روسيا وطلبت من الكرملين الدخول الى العراق، كما طلبت منه قبل ذلك الدخول الى سوريا. الا أن واشنطن تستطيع إغماض عين واحدة عن سوريا، ولكن العراق خط أحمر بالنسبة إليها، كما يقول المحللون، ولذا فإن الاعضاء البارزين في الإدارة الأميركية السياسية والعسكرية سارعوا الى تهديد العبادي بعواقب وخيمة اذا سمح لروسيا بالدخول الى بلاده. في الأثناء، احتفظت الولايات المتحدة في نفس الوقت بورقة كردستان وكذلك بورقة التواجد التركي في الشمال كواقع مؤجَّل البحث فيه، الى حين اطمئنان واشنطن الى خروج ايران وأدواتها من داخل الإدارة العراقية. ولحصول ذلك، طلبت واشنطن تغيير أشخاص وتعيين آخرين 'تستطيع التفاهم معهم' كمفاتيح في الدولة وأجهزتها العسكرية. وطلبت من العبادي إزاحة 'الحشد الشعبي' ومنعه من دخول الأنبار والموصل لاحقا، في انتظار أن يعلن قريبا عن انشاء الحرس الوطني أو ما شابهه بهدف دمج كل أفراده (الحشد الشعبي) وضباطه ضمن المؤسسات الأمنية والعسكرية، على النحو الذي ينهي نفوذ إيران العسكري عن طريق المجموعات الموالية لها، وإلا اعتُبرت تلك المجموعات خارجة عن القانون إذا رفضت حلّ نفسها والاندماج في تشكيلات تحت لواء الشرعية العسكرية. ويتساءل مراقبون عما إذا كانت إيران قد قالت كلمتها الأخيرة إلى حد الآن؟ يعترف مصدر إيراني رفيع في بغداد بالدور الأميركي 'المهيمن حاليا على الإدارة السياسية والعسكرية في العراق، إن كان في بغداد او في المناطق الكردية، وبتراجع النفوذ الإيراني حاليا'. ويقول المصدر 'كلما ضعف تنظيم الدولة الإسلامية كلما قوي النفوذ الأميركي، فلتأخذ الإدارة الأميركية ما تشاء من مكتسبات حالية وليخرج الرئيس باراك أوباما منتصرا في العراق بأقلّ خسائر وبحرب نظيفة، الا ان لإيران باعا طويلا وصبرا أطول، فالأرض في العراق ليست لأميركا ولا البيئة مؤاتية لإحتضانها. لذا فلينتهِ تنظيم الدولة الإسلامية اولا ومن بعدها لكل حادث حديث. وكما قال الخليفة العباسي هارون الرشيد عندما رأى سحابة 'وكان يقصد إتساع الخلافة'، أمطري أينما شئت فسوف يأتيني خراجك'. وليس هذا فقط كل ما يحدث على أرض العراق، فهناك انقسام حاد بين الأحزاب الشيعية التي تمثّل الأكثرية في البلاد. فالمجلس الأعلى يتناحر مع رئيسه عمار الحكيم وهو على وشك الانشقاق، وحزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي يتخبط. إذ أن قسما منه يدعم العبادي وآخر ضده. ومقتدى الصدر يعيّن وليد الزاملي لمدة عشر سنوات كمسؤول أعلى للمكاتب السياسية ثم يوقف صلاحياته بعد عشرة أيام ويتهم الحلقة الضيقة في تياره بالسرقة والانشقاق. اما العبادي، فعلاقته مع سنّة العراق غير جيدة إذ لم ينفذ شيئا من الإصلاحات والشراكة كما وعد بذلك، وكذلك المرجعية العليا في النجف غير راضية عن العبادي لأنه لم يسرع الخطى في الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي يحتاج اليها العراق بشدة. وسط هذا الخضم تحقق تقدم عسكري بطيء على جبهة الرمادي. ولا شك ان الموصل لن تُحرَّر قريبا بسبب المشكلات السياسية - العسكرية، الداخلية والإقليمية والغربية. وتقول مصادر مقربة من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ان 'العراق يمرّ بمرحلة حرجة من تاريخه لم يرها منذ قرابة المئة عام. فخطر الدولة الإسلامية وخطر الداخل والخطر الاقتصادي وخطر التقسيم في جو من التفرقة يصعب التعاطي معه. وبدأت كردستان بناء خط الأنابيب الكردي - التركي ليغذي تركيا من حقل باي حسن شمال - غرب كركوك المتنازَع عليها، ومن المتوقع ان يستمرّ بناؤه نحو 3 سنوات ويضخ ما يقارب 20 مليار متر مكعب من الغاز، وكل ذلك من دون مشاورة بغداد بالأمر. ويقول الخبير الأميركي في الشؤون العراقية جوول وينغ ان 'الرئيس مسعود البرزاني يتكلم كثيرا عن الاستقلال وعن الدعوة للاستفتاء الشعبي، ومن هنا أتى مبدأ بناء استقلالية اقتصادية لأن كردستان لا تثق بوعود بغداد التي لم تف بمستحقاتها كاملة.. رغم أن الاستقلال ما يزال بعيدا'. وبحسب وينغ فان 'الدولة الإسلامية لم يُهزم بعد وخصوصا ان الحرب في سوريا ما زالت دائرة من دون أفق واضح. فخسارة الدولة الإسلامية لأراض داخل العراق لا تعني هزيمته، لامتلاكه خلايا تمكنه من القيام بعمليات عسكرية وهجمات إرهابية يومية. وقد شيّدت كردستان على سبيل المثال، خنادق متعددة أيضا لإقامة سد بين المقاطعة الكردية والدولة الإسلامية بهدف حماية المناطق الكردية من هجمات إرهابية، من دون ان تخفي كردستان نياتها التوسعية لاستعادة المساحة الأكبر من الأراضي العراقية المتنازَع عليها'.
كتابات
تعليقات الزوار سيتم حدف التعليقات التي تحتوي على كلمات غير لائقة Will delete comments that contain inappropriate words