واشنطن تعرقل تحرير الرمادي حتى نجاح مساعيها لمصالحة بغداد مع فصائل مسلحة
/ المدى
بعد مرور شهرين على بدء عملية تحرير مدينة الرمادي عاصمة الأنبار بمشاركة الآلاف من القوات الأمنية العراقية وطيران التحالف الدولي، يشعر سكانها بخيبة أمل بسبب طول المعركة، فهناك حسابات سياسية تؤخر تحرير مدينتهم.
فخلف أحد السواتر الترابية في منطقة "الحميرة"، جنوبي الرمادي، يجلس قاسم العيثاوي، وهو احد مقاتلي عشائر الأنبار مع عدد من زملائه وهو يؤشر إلى السماء بإصبعه ويقول "الطائرات الأميركية هي التي تستطيع حسم المعركة كما فعلت في سنجار، ولا نفهم لماذا تتأخر في تحرير مدينتنا".
ويشعر مقاتلو العشائر الذين أعطى لهم الجيش مهامّ قتالية محدودة، بخيبة أمل بعدما تلقوا خبر تحرير قضاء سنجار غربي الموصل خلال يومين فقط، بينما ما زالت مدينتهم تحت سيطرة "داعش" على الرغم من مرور شهرين على انطلاق معركة تحرير الرمادي.
العيثاوي يقول لـ "نقاش" ان "الطائرات الاميركية حسمت المعركة في سنجار وقامت بقصف كثيف على عناصر داعش وهو ما مهّد الطريق لقوات البيشمركة للدخول إلى المدينة في اليوم التالي بكل سهولة، ومن الممكن أن يتم تحرير الرمادي خلال يومين أيضاً لو ان الطائرات الاميركية قامت بقصف كثيف بنفس ما قامت به في سنجار".
ويسيطر داعش على 90% من مساحة الأنبار ويحتل ست مدن كبيرة هي (القائم، راوة، عانة، هيت، الفلوجة، الرطبة) و(12) مدينة صغيرة وهي (العبور، العبيدي، الوليد، النخيب، الحقلانية، بروانة، الكرمة، كبيسة، الفرات، الوفاء، الصقلاوية، وجبة)، أما الحكومة فتسيطر فقط على مدينة كبيرة وهي "حديثة" وثلاث مدن صغيرة وهي (عامرية الفلوجة، البغدادي، الحبانية).
ولكن المهم للحكومة والمسؤولين المحليين والعشائر اليوم هو تحرير مدينة الرمادي لأنها مركز الانبار، وطرد "داعش" منها يسهل تحرير باقي المدن، ولهذا نجحت القوات الأمنية المؤلفة من الجيش وقوات مكافحة الارهاب وعدد محدود من قوات العشائر في محاصرة المدينة بشكل كامل.
نائب رئيس مجلس محافظة الانبار فالح العيساوي يقول لـ "نقاش" إنها "مسألة أيام معدودة حتى يتم تحرير الرمادي، الجيش وصل الى مركز المدينة ولكن العبوات الناسفة والسيارات المفخخة تؤخر تقدم الجيش، كما ان هناك عائلات ما زالت موجودة داخل المدينة ويستخدمها داعش دروعا بشرية".
من الاسباب التي أخرت تحرير الرمادي هو الخوف من غياب القانون، من سيحكم المدينة، ومن سيدير الأمن فيها، ومن سيضمن أن لا تحدث فيها عمليات انتقامية وفوضى كما حصل في عدد من المدن التي تحررت من "داعش" مثل تكريت وبيجي وشمال بابل وديالى؟
اكثر الجهات التي تخشى حصول فوضى في الرمادي بعد تحريرها هي الولايات المتحدة، التي وضعت كل ثقلها وقوتها في الأنبار، وأوضح دليل على ذلك ان المئات من مستشاريها وجنودها ينتشرون في قواعد عسكرية في الأنبار في "الحبانية" جنوبي الرمادي، و"عين الأسد" غربيها.مستشار عسكري اميركي يعمل في السفارة الأميركية، رفض اجراء مقابلة حول الحرب في الانبار، لكنه أجاب على سؤال لـ "نقاش" عبر الايميل هل لدى الولايات المتحدة مخاوف من مستقبل الانبار؟، فأجاب، شرط عدم كشف اسمه لأنه غير مخول بالتصريح، "نعم لدينا بعض المخاوف لأن عشائرها منقسمة والسياسيين هناك يتبادلون الاتهامات".واضاف ان "الشرطة المحلية في الرمادي تفككت بعد سقوط المدينة وعلى الحكومة بناء قوات شرطة جديدة لحمايتها ونحن نساعد على ذلك، وهناك قوات شرطة جديدة يتم تدريبهم وتسليحهم والجيش يحقق انتصارات في الرمادي، ولكن هناك فصائل شيعية قريبة والسكان يخافون من دخولها الى مدينتهم بعد تحريرها".وتشكل العشائر الغالبية العظمى من سكان الأنبار وتضم العشرات من القبائل والعشائر وجميعها سُنية ولكن الصراعات التي تشهدها المدينة اليوم قسمتهم الى فريقين، الاول مع الحكومة وابرزها عشائر "البو ريشة"، "الفهد"، "الذياب"، "العلوان" "العبيد" "العيسى" "البوعلي" "البوبالي" و"النمر"، وهي العشائر ذاتها التي شكلت "مجلس عشائر الأنبار المتصدية للإرهاب".الفريق الثاني من العشائر قرر التزام الحياد بين الحكومة وداعش خوفا من التنظيم المتشدد الذي سيطر على مناطقهم منذ وقت طويل وابرزها عشائر من "العساف، "الجابر"، "المرعي"، "الجميلي" "العيساوي" وعشائر "القائم"، وهناك عشائر أخرى أعلنت تأييدها لداعش بشكل سري.المعارك الطاحنة التي تشهدها الانبار منذ (23) شهرا، أدت الى مقتل المئات من أبناء العشائر على يد بعضهم البعض، وتصاعدت الخلافات بين هذه العشائر، وبدأت الحرب بينهم منذ الآن بشكل خفي عبر اغتيالات سرية لا تعلم بها الدولة بسبب غياب دور المحاكم في المعارك.
وهناك خوف من قيام العشائر المتحالفة مع الحكومة على القيام بعمليات انتقامية كبيرة ضد العشائر الأخرى، كما حصل في صلاح الدين عندما قامت العشائر المتحالفة مع الفصائل الشيعية بقتل وحرق منازل من عشائر اخرى بحجة أنهم عناصر في "داعش".كما ان الشرطة المحلية في الأنبار تفككت بشكل كامل بعد سقوط المدينة بيد "داعش" في أيار الماضي، ورفضت الحكومة إعادة عناصر الشرطة السابقين للخدمة لأن بعضهم تعاون مع "داعش" وساعدها على احتلال المدينة.
ولهذا قررت وزارة الداخلية اعادة تشكيل قوات الشرطة من متطوعين جدد من ابناء العشائر، وعناصر من الشرطة السابقين بعد التأكد من عدم ارتباطهم مع "داعش"، وقبل ثلاثة ايام أكمل الف عنصر من الشرطة تدريبهم وتم تسليحهم بأسلحة أميركية وبإشراف الحكومة العراقية.
ولكن الف عنصر من الشرطة غير قادر على ادارة الملف الامني في الأنبار، وهي بحاجة إلى عشرين ألف عنصر من الشرطة كما يقول نائب رئيس مجلس الانبار فالح العيساوي، وهو العدد ذاته قبل دخول داعش إلى المدينة.
على بعد (70 كلم) متر من الرمادي تنتشر قوات كبيرة من الفصائل الشيعية في منطقة الكرمة غرب الرمادي، يقاتلون من اجل تحرير مدينة الفلوجة جنوبي الرمادي، ونجحت القوات الاميركية في إبعادهم عن معركة الرمادي، لأنها ترفض التعاون معهم في القتال.
تخشى الولايات المتحدة والسكان المحليون من دخول الفصائل الشيعية الى الرمادي بعد تحريرها مستغلة الفراغ الأمني.
ومنذ ايام يجري مسؤولون في السفارة الاميركية اجتماعات متواصلة مع أعضاء مجلس محافظة الانبار في مقر السفارة الاميركية في المنطقة الخضراء في بغداد، والموضوع الأساسي دعم مقاتلي العشائر والتحضير لمرحلة ما بعد "داعش"، اخر الاجتماعات جرى في الحادي عشر من الشهر الجاري وفقا لبيان رسمي صادر من محافظ الأنبار صهيب الراوي.
وعلى الحكومة العراقية والولايات المتحدة التفاهم مع فصائل مسلحة سُنية في الانبار معارضة للحكومة قبل تحرير الأنبار، لأن بقاء هذه الفصائل معارضة للعملية السياسية في العراق سيبقي الأزمة في الانبار لسنوات اخرى.
وابرز هذه الفصائل هي "المجلس العسكري للثوار"، و"الجيش الاسلامي"، و"جيش المجاهدين"، و"كتائب ثورة العشرين"، وهذه الفصائل تلتزم الحياد بين القوات الأمنية وبين "داعش"، إذ رفضت مبايعة "داعش" وتعرض عناصرها للقتل بسبب رفضهم مبايعة ابي بكر البغدادي، ومن الممكن ان تقوم الحكومة بالتحالف معهم.
مفاوضات سرية ما زالت تجري بين مندوبين من الحكومة ومندوبين من هذه الفصائل بوساطة اميركية وعربية منذ شهور، وحتى الآن لم تتوصل الى نتائج ايجابية في آخر اجتماع لهما جرى في دولة تنزانيا في إفريقيا بوساطة أوربية.
اول الحلول التي طرحتها الولايات المتحدة لمنع الفوضى في المدن السُنية بعد طرد "داعش"، تشكيل قوة أمنية جديدة تسمى "الحرس الوطني" ويكون عناصرها من سكان المدن، وعلى الرغم من ان الحكومة العراقية أقرت قانون تشكيل الحرس وأرسلته الى البرلمان، ولكن الكتل البرلمانية الشيعية رفضته.راجع العيساوي عضو مجلس محافظة الانبار يقول لـ "نقاش" ان "الحرس الوطني هو الحل لمرحلة ما بعد داعش، هناك الآلاف من ابناء العشائر تطوعوا في معسكرات التدريب في الحبانية وينتظرون المشاركة في المعارك ويجب ان يكونوا ضمن قوة رسمية لضمان رواتبهم وتسليحهم بدل ان يبقوا كقوات عشائرية غير نظامية لا تعترف الحكومة بهم".
وعلمت "نقاش" ان خلافات كبيرة حصلت بين الحكومة وبين الاحزاب السُنية بسبب عدم تشكيل "الحرس الوطني" الذي وعد رئيس الوزراء حيدر العبادي في خطاب توليه منصبه في آب من العام الماضي بإقراره، وهنا بدأت العشائر تفقد ثقتها بالحكومة ولجأت الى الولايات المتحدة.
وبدأت السفارة الاميركية في بغداد مع الآلاف من مستشاريها الموجودين في العراق بتنظيم لقاءات سرية واخرى علنية مع شيوخ العشائر، تم الاتفاق بعدها على اعادة تشكيل قوات الصحوة العشائرية بنفس سيناريو عام 2006.
احمد الجغيفي، وهو احد القادة الميدانيين للمئات من المقاتلين في قضاء "حديثة" غربي الرمادي، يقول لـ "نقاش" ان "العشائر التي تقاتل بشكل عشوائي ودون تنسيق فيما بينها في جبهات عديدة في الرمادي والفلوجة وحديثة والبغدادي اتفقت على توحيد صفوفها".
ويضيف "تم الاتفاق على تشكيل قيادة عشائرية موحدة تضم جميع المقاتلين ومهمتها تنظيمهم وتسليحهم بالتنسيق مع القوات الاميركية، كما تقوم ايضا بالتفاوض مع الحكومة بشأن الأوضاع الأمنية في الانبار، انها فكرة ممتازة بدلا من بقاء المقاتلين دون صوت".
ولكن العبادي لم يكن سعيدا بما يحصل خلف ظهره من تزايد قوة العشائر وقيام واشنطن بتوزيع بعض الاسلحة الاميركية لهم، ولهذا قرر تسمية قوات العشائر في الانبار باسم "الحشد الشعبي العشائري" وهو نفس الاسم الذي يطلق على الفصائل الشيعية التي تقاتل "داعش".
رشيد فليح، وهو قائد عسكري برتبة جنرال في الجيش من أصول شيعية جنوب العراق ومعروف بولائه للحكومات الشيعية بعد 2003 هو من يقود "الحشد الشعبي العشائري" في الأنبار، وهذا الأمر سبب استياء لدى السكان وبعض العشائر، لأنه كان قائد الجيش في الأنبار عندما سقطت الرمادي بيد "داعش".الفوضى التي تعيشها الأنبار تثير القلق من انهيار المدينة بعد تحرير "داعش"، والمشكلة ليست في القدرات العسكرية لأن هناك أكثر من عشرين الف جندي مع مئات الدبابات والمدافع في الرمادي تقاتل منذ شهور وفق بيانات وزارة الدفاع، وهناك طائرات "التحالف الدولي" تقوم ايضا بالمساعدة لكن المشكلة تكمن في مرحلة ما بعد "داعش".واثبتت المعارك التي خاضتها الحكومة العراقية ضد "داعش" منذ عام ونصف ان طرد التنظيم المتشدد من المدن التي استولى عليها هدف مهم ويحتاج الى جهود كبيرة، ولكن إعادة الحياة الطبيعية والقانون الى هذه المدن مهمة اصعب ولا تمتلك الحكومة قدرة على تحقيق ذلك، كما ان الولايات المتحدة التي بقيت متفرجة على الفوضى التي حصلت في صلاح الدين، لن تسمح بتكرارها في الانبار.قاسم العيثاوي وزملاؤه الذين يقاتلون منذ شهور لتحرير مدينتهم دون رواتب يقولون بأن حسم المعركة بيد الولايات المتحدة، ويؤكدون ان الطائرات الاميركية تستطيع تدمير المتشددين خلال ايام قليلة كما فعلت في سنجار، ولكن الاميركيين كما يقول العيثاوي "لم يقرروا ذلك بعد".ويقول ايضا "اما انا فسأبقى اقاتل حتى اخر طلقة في بندقيتي"، وهي بندقية ورثها عن اخيه الذي قتلته "داعش" بتهمة التعاون مع الحكومة لانه كان ضابطاً في الجيش.
عن موقع نقاش |