حروب الوكالة تعيد رسم خارطة الشرق الأوسط
بعد أيام من تنفيذ أول غارة روسية في سورية ضد تنظيم داعش، أعلنت دول من ائتلاف تقوده الولايات المتحدة أن الغارات الروسية في سوريا ستؤدي الى تصعيد النزاع في هذا البلد ودعت الدولة الموقعة على البيان (وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وقطر والسعودية وتركيا والولايات المتحدة) موسكو الى التوقف فورا عن استهداف مقاتلي المعارضة السورية.
وبحسب تقرير نشرته "مونت كارلو" وتابعته "المسلة"،قد أفاد بيان هذه الدول المنشور على موقع وزارة الخارجية الاميركية أن "هذه الاعمال العسكرية ستؤدي الى تصعيد أكبر وستزيد من التطرف".
من جهة أخرى، على بعد بضعة آلاف الكيلومترات، أطلق الناطق باسم انصار الله محمد عبد السلام في بيان عبر موقعه على الفيسبوك تهديدا بإشعال مضيق باب المندب الإستراتيجي الذي يربط بين البحر الأحمر والمحيط الهندي عند خليج عدن، محملا المسؤولية للتحالف الذي تقوده السعودية.
فالتوتر يتصاعد في المنطقة بين روسيا وحلفائها (إيران، وسوريا)، والغرب (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا) وحلفاء الغرب في المنطقة، أي تركيا والسعودية وقطر رغم الخلافات بين البلدين الأخيرين المتعلقة خصوصا بمصر والأخوان المسلمين والموقف منهما.
يذهب الواقع السوري بالذاكرة اليوم، بتجاذباته وتحالفاته والتوتر الذي تعكسه الوقائع الميدانية إلى أحد المفاصل الهامة في تاريخ العلاقات خصوصا فترة الحرب الباردة بين الغرب وعلى رأسه واشنطن، وموسكو في الفترة السوفييتية وهي أفغانستان، عندما قام الروس بدعم حكومة انقلابية موالية لهم عبر تدخل عسكري، قام الأمريكيون على إثر التدخل، بدعم المجموعات الارهابية التي انبثقت منها لاحقا حركة طالبا التي انقلبت عليهم وشكلت حلفا قويا مع تنظيم القاعدة.
بالرغم من التشابه في التوتر بين المعسكرين في الحالتين السورية والأفغانية، إلا أن المعطيات المسببة لهذا التوتر مختلفة بشكل شاسع. وتبدو نتائج الخلاف حول سوريا اليوم أكثر جذرية في نتائجها وأعمق تأثيرا في الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط والعالم.
وتشير الكثير من التحليلات والتقارير إلى أن مستقبل منطقة الشرق الأوسط ذاهب إلى إعادة رسم معالم المنطقة وترتيب دولها (قد تختفي بعضها وتظهر أخرى)، ما يطرح سؤالاً مؤرقاً حول صحة هذه النظريات المتعلقة بإعادة تشكيل الشرق الأوسط ونشوء كيانات سياسية جديدة على حساب أخرى قائمة في المنطقة.
وفقا لبعض المحليين، ومنها تفكيك سوريا إلى دويلات علوية، درزية، ضم أجزاء منها في الجنوب إلى الأردن، وأخرى في الشمال إلى تركيا، وإلى كردستان العراق... إلخ.
والسؤال حول صحة النظريات التي تقول بتفكيك سوريا، وتوزع أراضيها على كيانات (إثنية، ودينية طائفية) تحيل إلى سؤال آخر، يتعلق بالمخاض "الخريطة السياسية الجديدة" تتضمن بعض الأجوبة عليه إشارات إلى احتمال أن تمر المنطقة في مخاضها هذا بمجموعة من الحروب بالوكالة، قد تقتصر على سوريا والعراق كما هو الوضع حاليا، أو تتسع لتشمل لبنان وربما الأردن، وفي حال ذهبت الأمور في هذا الاحتمال، ستلعب إسرائيل دورا أساسيا في هذه الحروب.
طبعا، دون إهمال أثر الحالة اليمنية التي قد تشهد تحولات درامية، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار التهديدات المتعلقة بمضيق المندب وما يترتب السيطرة على المضيق، وتمكنهم من إقلاق أمن المضيق لفترة طويلة لحد ما.
بالإضافة إلى كل ما سبق، لا بد من الأخذ بانعكاسات هذا التوتر بين المعسكرين (روسيا والغرب) على الحالة ليبيا، والدور المصري في شمال إفريقيا الذي تمارسه حاليا والمرشح للتصاعد.
فبحسب المعطيات المتوفرة، قد تكون منطقة الشرق الأوسط خلال عملية التحول الجذرية التي انطلقت كربيع عربي، ولكنها تحولت على المدى القصير ـ إلى حالة من الاضطراب السياسي والأمني والاقتصادي، مفتوحة على احتمالات خطيرة ذات تبعات جذرية قد وجه معجم الجيوبوليتيكي في العالم.
المسلّة |