الإصلاح في المحافظات.. جدل الارتباط بـ"المركز" والانفكاك عنه
نقل الصلاحيات إلى المحافظات يعتبر نقلة نوعية في النظام الاداري.
رُفِعت شعارات قليلة، في تظاهرات المحافظات الوسطى والجنوبية، فيما يتعلق بمبدأ اللامركزية، وتفعيل نقل الوظائف والصلاحيات بين الوزارات والهيئات إلى المحافظات.
وفي حين ركّز المتظاهرون على تحسين قطاع الخدمات، هُمّش العامل الأهم في حسم ملفّها، وهي الصلاحيات المركزية التي كبّلت المحافظات بقيود الروتين والتبعية في التفاصيل للمركز.
وكانت ثمان محافظات وسطى وجنوبية أكدت في مؤتمر مشترك عقد في محافظة كربلاء تمسكها بفترة زمنية محددة لنقل الصلاحيات من الوزارات الاتحادية إلى الحكومات المحلية، وحددت السادس من آب الجاري اخر يوم لاستكمال نقل الصلاحيات وفقا لقانون المحافظات غير المنتظمة".
فيما أكد محافظ كربلاء عقيل الطريحي، في 27 حزيران الماضي "التزام المحافظين بتنفيذ القانون في موعده المحدد"، داعيا "الوزارات وهيأت الدولة المعنية الى التقيد بالدستور والقانون وتفعيل نقل الوظائف والصلاحيات والعمل الجاد لما فيه مصلحة المواطن، لتأمين عملية انتقال انسيابية سلسلة بما لا يؤثر على مصالح المواطنين".
ويثير ملف نقل الصلاحيات من الوزارات إلى الحكومات المحلية جدلا واسعا بين الناشطين والمراقين للشأن السياسي في العراق،
ويقول الاعلامي علي الشاهر في حديث لـ"المسلة"، من "الناحية العملية والإدارية فان نقل الصلاحيات إلى المحافظات يعتبر نقلة نوعية في النظام الاداري".
وتابع "الفساد لا يقتصر وجوده بالوزارات فقط وانما يتجذر ايضا بالمحافظات، ولابد من الحذر من ذلك".
و يوضح رئيس الجمعيات الفلاحية في ذي قار، مقداد الياسري في حديث لـ"المسلة"، إن عمله في الإدارة الزراعية يبرهن على إن "المركزية تقيد عمل الإدارة تقييدا مطلقا وتتيح الفرصة أمام الموظف الفاشل في أن يتذرع بحجج المركزية".
وتابع "في حال نقل الصلاحيات تتمكن الحكومات المحلية من تحديد الحاجة الفعلية، ووضع المشاريع وتنفيذها تحت مجهر المراقبين المحليين".
وتنص المادة (45) من قانون التعديل الثاني لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 الذي صوت عليه البرلمان في جلسته التي عقدت في ( 23 من حزيران 2013)، على ان "تؤسس هيئة تسمى (الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات) برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية الوزارات المشمولة بالنقل".
من جانب أخر يوضح الصحفي حيدر انذار في حديث لـ"المسلة"، ان "نقل الصلاحيات سيقضي على الروتين في تنفيذ والمشاريع".
وتابع "لكن هناك مخاوف من ان الحكومات المحلية التشريعية والتنفيذية ليست لها القدرة على ادارة هذا الملف الكبير وليست لها الإمكانيات اللوجستية والفنية في توليه، وسبق لها أن فشلت بإدارة جزئية صغيرة منه في العام الماضي في مسالة نقل الصلاحيات بخصوص ادارة ملف البطاقة التموينية".
وتساءل "هل ستتمكن الحكومات المحلية من إدارة ملفات عديدة وشائكة؟ ان ذلك يستدعي تهيئة الكوادر والخبرات الكافية".
ويُلزم قانون الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات بإنجاز أعمالها خلال سنتين اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون في (5 آب لعام 2013 )، وفي حالة عدم إكمال هذه المهام تعتبر هذه الوظائف منقولة بحكم القانون.
ونظام اللامركزية الإدارية الذي يدار طبقا له نظام الحكم في العراق يعطي صلاحيات كبيرة لمجالس المحافظات والمحافظين استنادا للدستور العراقي وقانون المحافظات وتحديدا ما أشير في المادة (45)من قانون التعديل الأخير لقانون 21.
ويرى الناشط المدني علي الغالبي في حديث لـ"المسلة"، إن "هنالك أمور لا يمكن نقل صلاحياتها مثل التربية وموضوع المناهج، وكذلك الصحة وموضوع توريد الأدوية واللقاحات لان ذلك يحتاج للفحص والتقييم، وكذلك الزراعة يجب ان تبقى بعض الأمور مركزية لعدم وجود مختبرات في المحافظات للسيطرة على ما تستورد من مواد".
وفي ذات السياق يوضح الصحافي رعد سالم في حديث لـ"المسلة"، بأن "من المؤكد إن تحويل صلاحيات الوزارات الاتحادية إلى الحكومات المحلية في المحافظات سيسهم والى حد كبير في كسر الجمود في تحريك العمل الإداري والحد من الروتين غير المبرر".
وكان رئيس مجلس الوزراء العراقي٬ حيدر العبادي٬ اكد في منتصف كانون الثاني الماضي٬ على أن "الحكومة الاتحادية ماضية في نقل الصلاحيات إلى محافظات الدولة".
وتابع "نعمل جاهدين لإعطاء المزيد من الدعم والصلاحيات للمحافظات٬ وأن يرافق تلك الصلاحيات تحمل للمسؤولية من أجل تقديم أفضل الخدمات للمواطنين".
ومن جانب اخر يوضح الخبير الاقتصادي، رشيد السراي في حديث لـ"المسلة"، ان "نقل الصلاحيات خطوة صحيحة باتجاه تفعيل اللامركزية طال انتظارها، وهي الآلية الناجحة حالياً لخلق تنمية حقيقية في المحافظات وخلق منافسة بينها وطرح بديل ناجح عن الفيدرالية وتقسيم البلد".
وأضاف "نقل الصلاحيات سوف يحسن الوضع الحالي المربك للحكومات المحلية وموظفيها ومواطنيها حيث صورة العمل هي مزيج غير متزن من مركزية ولا مركزية".
وتابع "الكثير من جوانب العمل ستبقى نفسها دون تغيير، وسوف يكون التغيير في مرجعية تلك الدوائر إدارياً وقانونياً ومالياً، وستتحول من الوزارة إلى الحكومة المحلية، وبعض جوانب العمل ستتطلب وقتا لتنفيذها وبعضها ستتطلب تدخلا تشريعيا".
وتُتّهم أحزاب سياسية بانها تعطل قانون المحافظات، وتسعى الى إيقاف إجراءات نقل الصلاحيات إلى مجالس المحافظات، بسبب مصالحها في الوزارات.
ان التعجيل في الإمساك بالزمن وترسيخ آليات نقل الصلاحيات من الوزارات الاتحادية إلى الحكومات المحلية، وفقا لقانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 لعام 2008 بتعديلاته، سيكون حاسما في تلبية الكثير من مطالب التظاهرات الماضية في مسيرتها من دون ان يدرك الكثير ممّن يشارك فيها ان الحماسة الثورية، وحدها لا تحقّق الأهداف.
ويتوجب على المحافظات الإسراع بتنفيذ القانون في موعده المحدد، وفضح الوزارات التي تتلكّأ في الموضوع، مع الانتباه الى ضرورة التقيّد بالدستور، فيما يتعلق بالجهة المنفذة، وهي المحافظات، والجهة المطالبِة وهي التظاهرات.
ويحتاج العراق اليوم الى صلاحيات تجري بانسيابية، تسير على وقع الصلاحيات اللامركزية، في ظل نظام لامركزية إدارية تناست شعارات المُحتجّين، التأكيد عليه.
المسلّة |