إلا الطائفية أعيت من يداويها
أحمد عدنان
الدعوة إلى إسقاط الحكومة، أخرجت خطاب شباب الاحتجاج من الهم المعيشي الملح والجامع إلى وحول السياسة القائمة والاصطفافية.
الأحداث الأخيرة التي شهدتها العاصمة اللبنانية بيروت، من الصعب اختيار المدخل المناسب لمعالجتها، وليس السبب هنا الخيارات المحدودة، بل الواسعة جدا والصحيحة تماما.
لبنان بلد المفارقات والعجائب، فالشباب غير الطائفي ثار غضبا من نظام المحاصصة والطائفية، ولسخرية القدر لم تتردد أحزاب المحاصصة والطائفية في التكالب على “الثورة” واختطافها، ويبدو أن أرباب الطائفية اللبنانية من الواجب عليهم تكريم نبيه بري رئيس حركة أمل أصالة ورئيس البرلمان بحكم الأمر الواقع، فالرجل بعد ان فشلت ميليشياه الرسمية (حرس البرلمان) في ترويع المتظاهرين أو إبادتهم، سلط “زعران” الحركة والحزب الإلهي لاختراق المتظاهرين وتشويه حراكهم بالتخريب وبالشغب، وقد نجح إلى حد كبير، الطريف في المشهد أن نبيه بري حارس النظام الطائفي هو أكثر من دعا إلى إلغاء النظام الطائفي في مناسبات سابقة.
الشباب المتظاهرون مشهود لهم بالنزاهة وبالوطنية، وبمعاداة قوى 8 آذار بصورة تتجاوز خصومة 14 آذار، ولهم سابقة الاحتجاج على التمديد للمجلس النيابي مرتين، ومنذ بدأت أزمة النفايات التي يجب تسميتها “أزمة العمولات” تظاهروا سلميا مرة تلو مرة رفضا للكارثة ولا حياة لمن تنادي، وحين وجدت دعوتهم القبول والتعاطف والتأييد امتعض أركان النظام الطائفي عنفا وتهويلا.
حاول التيار الوطني الحر، ممثلا في قياداته كالوزير إلياس أبوصعب اختراق التظاهرة، لكن هذه المحاولة قوبلت بالسباب والطرد، لجأ التيار إلى بهلوانه “جبران باسيل” للتصريح تأييدا للثورة، لكن تصريحاته لم يعبأ بها أحد. حينها قرر التيار عبر محطته التلفزيونية الهجوم على التظاهرة والمتظاهرين “تعاطفا” مع القوى الأمنية.
السيد وليد جنبلاط، رجل أزمة النفايات الأول، أعلن تأييده لمطالب الشباب المحقة ثم دعا شباب حزبه إلى الانسحاب من التظاهرات، في تصرف متناقض لا يجيده إلا البك وحده، إذ لا يعقل أن يتظاهر الجمهور ضد الزعيم، لكن هذا لا يمنع الزعيم من التعاطف مع غضب الجماهير الأخرى.
حزب المقاومة الإلهي، اتهم بالوقوف خلف الحركة الاحتجاجية، وهذا شرف لا يستحقه، ثم اتهم لاحقا، في تناقض فاضح لقوى 14 آذار، باختراق الاحتجاجات لتخريبها، وهذا ليس مستغربا منه، لكن في كل الأحوال كان بوقه الإعلامي (قناة المنار) مؤيدا بالكامل للتعامل الأمني مع التظاهرات.
لم ينجح شباب الاحتجاج في تقدير الموقف بشكل صحيح حين طالبوا بإسقاط الحكومة رغم غضبهم المحق من التعامل معهم بالقوة وبالرصاص الحي، فهذه الدعوة أخرجت خطابهم من الهم المعيشي الملح والجامع إلى وحول السياسة القائمة والاصطفافية، فضلا عن أنها دعوة تقود البلاد إلى فراغ كامل وتنحاز لمطلب قوى 8 آذار بعقد مؤتمر تأسيسي يغير شكل لبنان وهويته، فأحيوا العصب الطائفي من حيث أرادوا إماتته، وكأن لبنان لن يتمكن من محاسبة حكامه إلا إذا كانوا من طائفة لا وجود لها في لبنان، كالهندوس مثلا، فينجح مجموع الطوائف اللبنانية في محاسبتها بلا حساسية أو عصبية.
تعامل الحكومة مع الأحداث كان مرتبكا وضعيفا، وفوق همّ التعطيل تراكم عيب التوتر وسوء التصرف، ولا أدري سبب تمسك رئيس الحكومة، تمام سلام، بوزير بيئته الفاشل والرديء محمد المشنوق، الذي ربما يكون صالحا لكل الوزارات إلا وزارة البيئة، كما كشفت الأحداث الحقيقية الخاوية لوزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يمكن وصفه بـ“عون السنة” أو “جنرال تيار المستقبل” نظرا لتلهفه على رئاسة الحكومة كولع الجنرال عون برئاسة الجمهورية، مما يعني انخفاض حظوظ ترقيته السياسية مستقبلا.
النقطة التي غابت عن أرباب التحليل وأغلب وسائل الإعلام، هي أن الشخصيات والجهات المنظمة لفعالية “طلعت ريحتكم” هي في حقيقتها وجوه أصيلة في ثورة 14 آذار، خرجت قبل 10 سنوات لتحرير لبنان من الوصاية السورية والنظام الأمني المشترك والطائفية والفساد، لكن لبنان الحلم لم يتحقق وتعاظمت كوابيسه، وقيادات 14 آذار تعرضت للتصفية أو خيبت الأمل، فما كان من شباب ساحة الشهداء إلا الاعتصام عند ساحة بطل الاستقلال رياض الصلح استقلالا عن كل شيء ورفضا لكل شيء، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
نقلا عن العرب |