ليس من السهل رصد اجابة هادئة لمسؤول عراقي رفيع على فكرة عقد اجتماع لمعارضة بلاده في العاصمة الاردنية، دون ربطها بموقف “شديد الحدة” اتخذته بغداد العام الماضي لسبب مماثل. المسؤول العراقي تحدث لـ “رأي اليوم” أثناء زيارته لعمان مؤخرا عن كون العراق السياسي اليوم “غير مهتم” بما يفعله المعارضون خارج البلاد، مشيرا الى ان للدولة الاردنية سيادتها التي تقرر ما تراه مناسبا، مع عدم اعتراف بلاده بالمعارضة المذكورة اساسا. الاشارة في الحديث قد تمر عادية ان انفصلت من سياق لا ينفصل، خصوصا واجتماع “العراق الجامع″ الذي عقد في العاصمة الاردنية الاسبوع الماضي، بتنظيم من “هيئة علماء المسلمين في العراق”، قد لا يقل اهمية عن اجتماع المعارضة السنية الذي تم في العاصمة ذاتها قبل عام وجرى على اثره استدعاء بغداد لسفيرها لمدة تقارب الشهرين. الكثير قد تغير في المعادلة العراقية الاردنية من جانب، وفي المعادلة الاقليمية من جانب اخر، إلى جانب ما يتغير في العراق ذاته حاليا. التغيرات في العراق، قد تتمثل اساسا في تغيير رئيس الوزراء قبل اي شيء، ثم في يافطة “محاربة الفساد” التي رفعتها الحكومة العراقية بالتزامن مع “انكشاف عوراتها” في عدة اماكن والتي يذكر منها دبلوماسي رفيع “ساحات القتال التي جمعت المقاتلين المحليين مع مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية” والتي اثبت بعض الجنود العراقيين فيها جبنهم وتراجعوا عن القتال. الفرار من ساحة الوغى بالنسبة لمسؤولين عراقيين التقتهم “رأي اليوم” في عمان، كان قمة الاشكالات ورأسها، فالحوادث المتعلقة بالفساد وان ظهرت في الكثير من المواضع لم يتخيل العراقيون يوما انها قد تفرّط بأراضيهم ببساطة التخلّي عن رداء بالٍ، الامر الذي يبرر فيه مسؤولو بغداد “سابقة” الاجماع البرلماني على خطة مكافحة الفساد الاخيرة، خصوصا والعراق اليوم غير عراق الامس بالنسبة للسيولة النقدية في ضوء الانخفاض الهائل لاسعار النفط. المعادلة الاقليمية والتي تقتضي “الغرق في الشأن المحلي” خصوصا في دولة كالعراق يكاد “المحلي” المعرّف لدى العالم بكونه ما بين خطوط الحدود الوهمية على الخارطة، يذوب ويتآكل، يبدو انها ايضا اثّرت على القرار السياسي في بغداد لتجعل عاصمة هارون الرشيد اليوم “لا تملك فعليا ترف” تتبع كل شؤونها بالداخل، فتقرر ببساطة ان ما يجري خارج اسوارها التي يقضم حوافها الارهاب، “لا يعنيها مرحليا”. معادلتي الداخل والاقليم، لم تكونا لتسكتا الحكومة العراقية عن “مؤتمر معارض” قام على الارض الاردنية لولا ما اسرّ به مسؤول عراقي لـ”رأي اليوم” بعدما اعرب عن تفهم العراق لاستقلالية القرار السياسي المحلي في عمان، إذ قال باللهجة العراقية “عيني خلص نحنا فاهمين انت بتغيّر صديقك بس جارك اللي بينك وبينه مصالح ما فيك تغيره فخليك معه زين”. حديث المسؤول يتفق ضمنيا مع قاله السفير العراقي في العاصمة الاردنية الدكتور جواد عباس لـ”رأي اليوم” عن “وحدة المصير” بين عمان وبغداد، والتي تجعل العراق اليوم يحافظ على الاردن ولا يفكر تحت اي ظرف من الظروف بخسارته ولو جزئيا، خصوصا وهو يعترف ان الاردن استضاف عددا لا بأس به من الجنود الذين كانوا يتناوبون على معبر طريبيل المتاخم لمعبر الكرامة البرّي بين البلدين، بعد اصابات بالغة وقعت عليهم جراء الهجمات الارهابية. بالنسبة لعمان، فقد تبين مجددا ان قرار “عدم الاعتذار” الذي تحدث عنه وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال الدكتور محمد المومني لـ”رأي اليوم” العام الماضي عن استضافة مؤتمر المعارضة في الاردن، اوصل رسالته للجانب العراقي دون الكثير من العناء، الامر الذي عزز بصورة واضحة “استقلالية القرار الاردني”. ولم تتخذ عمان اي اجراء حين استدعت العراق سفيرها للتشاور قبل عام، رغم كون السفير الاردني في بغداد عاد في اجازة خاصة، الامر الذي عولج بصورة تلقائية في مرحلة “التحالف على محاربة الارهاب”. بالنسبة لمخاوف بغداد ايضا، فإن “تسليح العشائر” لا يغيب عن اذهان العراقيين وهم يتحدثون عن “عمان” واستقلالية القرار معا، فبالنسبة لبغداد اليوم هناك قناعة راسخة ان “التسليح” قد يكون خيار عمان في حال شعرت بأي مساس بأمنها القومي، والذي لا تخفيه عمان منذ عام على الاقل اذ بدأت فعليا مرحلة “التكشير عن الانياب” في مرحلة الخطر. تسليح العشائر السنية في الانبار والذي تحدثت عنه حكومة الدوار الرابع في عمان وعاد العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني وتحدث عنه ضمنيا بتصريح حول “دعم واسناد” العشائر العراقية، يعلم القرار السياسي العراقي جيدا انه ممكن الحدوث، خصوصا والعشائر ذاتها بعثت عشرات النداءات للاردن ليمدّ يد العون لها في ضوء “عريّهم” بمواجهة الارهاب. بكل الاحوال، تخلق الفوضى في المنطقة بعض التواطؤات التي لا يغفل عنها احد، والتي تدركها عمان قبل بدء بغداد بإدراكها وبثمن اقل، يقول مسؤول عراقي !.
كتابات
تعليقات الزوار سيتم حدف التعليقات التي تحتوي على كلمات غير لائقة Will delete comments that contain inappropriate words