حول القصة العراقية تاريخاً ومحطات – نصوص – باسم عبد الحميد حمودي
حول القصة العراقية تاريخاً ومحطات – نصوص – باسم عبد الحميد حمودي
كان الطريق طويلا وسط شوارع بغداد المزدحمة صباحا,وكنا نجلس في سيارة خاصة مـــــــبردة استضافنا سائقها ذلك الصباح ليوصلنا الى حيث نبغي , القـــــاص الشـــــــاب وانا.
تكفل الزحام باضاعة الوقت ,وتكفل حوارنا الذي نحاول ادراج بعض معالمه الان بأثارة الكثير من الذكريات والكشف عن تفاصيل حياتية ظلت خبيئة أو ضاعت تفاصيلها رغم تشكيلها لاجزاء من الحياة الاجتماعية الخاصة لبعض الاصدقاء من ادباء مراحل شتى .
انطلق الحوار بسؤال عام وجهه الاديب لي قائلا:
– عاصرت اجيالا متتاليةمن قصاصين وسواهم , فمن هو الافضل من بين الجميع ؟
لم استفز لضيق فسحة الاجابة عن هذا السؤال ولكنني قلــــــت له:
– لايوجد من هو أفضل من الجميع
– كيف؟ لابد من وجود الفاضل ووجود الافضل
– نحن لسنا في عملية تعيين من هو الخليفة , أننا نتحدث عن كتاب قصة .. اليس كذلك ؟
– هو كذلك ولكن لابد من تمييز
– أتريد فارس الصف ؟أننا نتحدث عن أجيال يا استاذ وارجو أن نتحدث بشكل آخر أقرب للموضوعية
– استمع اليك
– يوم نشر محمد فائق الكيلاني أول نص في القصة القصيرة عام 1913ببغداد(تحت عنوان رؤية ادبية في مجلة لغة العرب ) لم يكن ادب القصة القصيرة قد تكرس كظاهرة ثقافية اخترقت البناء الثقافي العام الذي كان عماده خطب المجالس ومقـــــالات الكتاب في الصحف والمجلات وقصائد الشعراء
– واين محمود السيد وجهد الكاتب القاص أنور شاؤول صاحب مجلة( الحاصد)الذي كان يمنح مبالغ تقديرية لمن ينشر عنده قصة قصيرة؟
– كان ذلك فيما بعد ,أو قل بعد عقدين من البداية فقد صدرت الحاصد في شباط 1929, لكن المهم أن أدب القصة القصيرة لم يكن أدبا يشجع عند المؤثرين من مثقفي العصر,لم يحز رضا كتاب المقالات والشعراء بوجه عام ,وكان ادب المقالة كما اسلفت هو السائد والشعر
العمودي, شن الرصافي حملة في جريدته (الامل) على هذا النوع من (الهذر), ولم يعبأ الزهاوي به ولم يشجعه ابرزمنتجي الصحف في العشرينات nالثلاثينيات من القرن الماضي امثال روفائيل بطي وعبد اللطيف البدري وسواهما ,وأن اضطر هؤلاء لنشر قصة ما فلسد فراغ ,أو لكونها قصة مترجمة عن اللغة التركية وسواها
– لماذا التركية؟
– لانها يومذاك كانت لغة المثقفين الاولى بعد العربية , وخصوصا موظفي الدولة العراقية الجديدة الذين كانوا ينتسبون قبيل ذلك الى الدولة العثمانية التي تفككت خلال الحرب,وذلك موضوع آخر
– هل تتذكر اسم اول مجموعة قصصية عراقية صدرت هنا في بغداد او اية مدينة عراقية؟
– لابد هنا من مراجعة فهارس مؤرخ القصة العراقية الراحل عبد الاله احمد
انقطع الحديث لسبب اولآخر وتشعب الى موضوعات أخرى وعدت الى المنزل لأقف عند كتاب (فهرست القصة العراقية) للراحل الكريم , اقلب صفحاته جادا فقد تطلعت شخصيا لمعرفة الجواب , وأنا امني النفس باكمال طبع فهرست الباحث الكبير الدكتور نجم عبد الله كاظم الجديد عن القصة العراقية ليستكمل مشكورا جهد العلامة عبد الاله أحمد.
وجدت أن د.أحمد يذكر أن (رواية ) في سبيل الزواج لمحمود أحمد السيد المطبوعة في القاهرة تعد من اوائل النتاجات السردية لآن اهدائها جاء موقعا في الاول من مارس1921 , وأن مجموعة (النكبات ) القصصية لمحمود السيد قد صدرت عن مطبعة المعاهد في مصر عام
1922.,وكان معروفا ان الرواية الايقاضية لسليمان فيضي قد صدرت طبعتها الاولى عام 1919 لكن الدكتور احمد لايعدها رواية متكاملة فنيا وانها خليط بين ادب المسرح والخطب والسرد القصصي .
الى جانب ذلك وجدت قصاصة قديمة لي موجودة في كتاب الفهرست للدكتور أحمد وقد دونت فيهابعض الاسماء وعنوانات القصص والروايات العراقية القديمة ومنها:
1- في عام 1924 أصدر الاستاذ عبد الرزاق الحسني الجزء الاول من روايته(تحت ظل المشانق ) عن مطبعة الفلاح ببغداد,ويذكر الدكتور يوسف عزالدين أن الحسني أخبره أن الجزئين الآخرين من الرواية قد صودرا قبل الطبع
2-مجموعة(ضحايا الآمال) الصادرة عن مطبعة النجاح ببغداد سنة 1928 كانت مجموعة قصصية مشتركة للكاتبين جورج عيسى قلاب ويوسف حناني أسحق
3 -في عام 1928 صدرت للكاتب آكو ب كبرائيل رواية قسيرة تحت عنوان(عجائب الزمان في صرح عروس البلدان) طبعت في المطبعة الكاظمية في البصرة
4-صدرت أول رواية(قصيرة ) للكاتب الرائد محمود أحمد السيد المدرس عام 1928 عن مطبعة دار السلام ببغداد وهي رواية(جلال خالد).
5-وفي سنة 1928 أصدر خليل عزمي قصته الطويلة (دلال) عن مطبعة الصباح ببغداد
والغريب أن انقطاعا ما حصل(عدا ما أصدره السيد) عام 1929 حيث أصدر أنور شاؤول أولى مجموعاته القصصية عام 1930 تحت عنوان( الحصاد الأول) , وذكرت فهارس القصة أن الشاعر محمد صالح بحر العلوم أصدر رواية قصيرة في نفس العام تحـــــت عــــــنوان (العــــــفة ) لم يرها أحد.
واستمر الكتاب في طبع اعمالهم السردية , قصصا قصيرة وروايات حتى يومنا هذا وبطرق متعددة تعتمد التمويل الذاتي في الطبع والمكتبات المعروفة في التوزيع مثل المكتبة العصرية ومكتبة المعارف والمكتبة العربية حتى ظهرت وكالة توزيع لبنانية اسست لها فرعا في بغداد للتوزيع فيما قامت مكتبة النهضة بطبع كتب القصة العراقية في بيروت وتوزيعها هناك وبتمويل الكتاب انفسهم, حتى أستقام الامر بعض الشئ في الستينات وبدأت وزارة الارشاد بالمساعدة على الطبع ,لكن ذلك موضوع آخر ينبغي فيه عدم تناسي دور مكتبة المثنى فيه , اذ هو يهتم بموضوعة النشر وتكاليف الطبع والتوزيع وهي امور تقلق الكثير من الكتاب بعد ان استغل اصحاب دكاكين الطبع والتوزيع حاجة الكاتب والشاعر الذاتية الى نشر نتاجاته واطلاع القارئ عليها وكذلك جمهور الادباء والمتابعين .قلت ختاما انه موضوع آخر وهو كذلك وهو موضوع لو تعلمون مؤسف عندنا وحزين,الامن حباه الله بالثروة والشهرة وما عاد يخاف ابتزاز الناشرين .
جريدة الزمان |