واشنطن تحمّست للدفاع عن أربيل وتقاعست عن نجدة الرمادي
هذه الانتكاسات المتوالية للقوات العراقية ما كان لها أن تحدث لو تبنت الولايات المتحدة وحلفاؤها العراقيون خطة هجومية ضد "داعش" في مناطق أخرى.
تثار نقاشات حادة في البيت الأبيض حول الزخم الذي اكتسبه "داعش" بسيطرته على الرمادي وسط نصائح محذرة من الانغماس أكثر في العراق، وهي نصائح خاطئة بكل المقاييس، فالولايات المتحدة أصلاً متورطة في العراق لسبب بسيط يتمثل في وجود تنظيم إرهابي سبق أن أعلن مسؤوليته عن هجمات في الولايات المتحدة وبلدان أخرى، وهو اليوم يعزز وجوده في العراق.
هذا الرصد هو لكل من كيمبرلي كاجان، مدير معهد دراسات الحرب الأميركي، و فريديريك كاجان، مدير مشروع التهديدات الخطيرة بمعهد "أميركان انتربرايز" في تقرير نشره "معهد واشنطن"،
وتنشره "المسلة" بتصرف، حيث يرى الباحثان، سهولة دحر "داعش" لو توافر للقوات الأميركية في العراق الموارد الأساسية والصلاحيات المطلوبة، فالخيار الذي يواجهه أوباما في العراق ليس بين نشر قوات كبيرة بمئات الآلاف، أو حرمانها تماماً من الموارد الضرورية، بل بين الاستخدام الأمثل لقوات أميركية محدودة العدد، وبين نشوء دولة إرهابية في العراق، وهنا يصعب علينا تخيل أن يقود أي نقاش جدي للسياسات إلى الركون للخيار الثاني.
وجاءت سيطرة "داعش"، الأحد الماضي على مدينة الرمادي العراقية لتنسف استراتيجية أوباما ضد التنظيم الإرهابي سواء في العراق، أو في عموم العالم الإسلامي، فهذه السيطرة الكاسحة تعني أن القوات العراقية لن تستطيع على الأرجح استعادة الموصل خلال السنة الجارية، مع ما يترتب على ذلك من حفاظ "داعش" على ثاني أكبر المدن العراقية، والأسوأ من ذلك أن التقدم الأخير لتنظيم "داعش" يمده بزخم إضافي داخل العراق، فيما هو يتوسع في سوريا وسيناء واليمن وأفغانستان ومناطق أخرى، لكن هزيمة الرمادي القاسية كان يمكن تفاديها ومنع حدوثها، فلم يسبق "لداعش" ولا لأي تنظيم آخر مرتبط بـ"القاعدة" أن استولى على منطقة حضرية تتولى وحدات من الجيش الأميركي بشراكة مع القوات المحلية حمايتها، بيد أن هذا ما يحدث عندما تلتقي الإجراءات المنقوصة والقيود القتالية بعدو شرس ويتحلى بعزيمة ثابتة في أرض المعركة، وإذا لم تغير إدارة أوباما أسلوبها قريباً سيجد الرئيس نفسه بعيداً عن تركة السلام مع إيران التي يبحث عنها، بل وجهاً لوجه أمام دولة إرهابية تمتلك ما يكفي من الموارد لشن هجوم على الولايات المتحدة وفي شرق أوسط يمزقه الصراع الطائفي.
ولعلنا نذكر بُطء استجابة أوباما وتردده عندما دخلت "داعش" الموصل في شهر يونيو الماضي واقترابها من بغداد، حيث سمح الرئيس وقتها بدعم الطيران الأميركي للأكراد ومساعدتهم في الدفاع عن عاصمتهم، أربيل، فيما أمر بنشر المئات، ثم لاحقاً الآلاف من المستشارين العسكريين الأميركيين دون السماح لهم بالانخراط في عمليات قتالية إلى جانب الوحدات العراقية، وفيما ساهمت الضربات الجوية في تدمير عدد من الأهداف التابعة "لداعش" وقتل بعض قادتها، إلا أن تلك الضربات لم تمتد إلى داخل سوريا ما سمح للتنظيم بالحفاظ على مناطقه الآمنة داخلها والمناورة أيضاً في العراق، كل ذلك أدى إلى المناورة الأكبر والأكثر تعقيداً التي جرى التخطيط لها لأسابيع، حيث تطلب الأمر، حسب الخبراء العسكريين، القيام بهجمات لصرف الانتباه في كل من مصفاة "بيجي" و"القرمة"، كما سهلوا هروب السجناء من سجن ديالى، فضلا عن هجمات أخرى ضد الزوار الشيعة في بغداد، وأخرى طالت مناطق قريبة من قاعدة "عين الأسد" في الرمادي، ومع أن قوات "داعش" استغلت أجواء الطقس السيئة لتفادي الضربات الأميركية والتحرك بحرية عبر سوريا نحو العراق، إلا أن أي قوات بموارد مهمة كان بإمكانها رصد تلك التحركات وضربها، وهو ما ينقص حتى الآن المجهود الأميركي.
ان متابعة "المسلة" لسياق الاحداث يشير الى تقاعس امريكي في الحرب على داعش بعد تحجيم خطره على اربيل والسماح له بالاندفاع جنوبا نحو الرمادي القريبة من بغداد وباتجاه الاراضي السورية وكأن ذلك رسالة الى التنظيم بان حدود ملعبه تلك الاراضي الواقعة بين الحدود السورية العراقية.
تمثل هزيمة الرمادي انتكاسة لاستراتيجية أوباما القائمة على دعم قوات الأمن العراقية لاستعادة الأراضي التي استولى عليها "داعش" في الصيف الماضي، على أمل التصدي له لاحقاً في سوريا، وكان من المنتظر حسب تصريحات مسؤولين عسكريين أميركيين وعراقيين أن يتم الضغط على محافظة الأنبار وفي الوقت نفسه التركيز على استعادة الموصل، بحيث يُفترض بتلك العملية أن تكون الخطوة الأولى في اتجاه تحرير كل محافظة الأنبار، لكن كل ذلك انهار بعد كارثة الأنبار الأخيرة ومعركة تكريت التي تزعمها الحشد الشعبي وتطلب الأمر وقوف الجيش الأميركي متفرجاً، لينتهي الأمر إلى وقف العملية الرامية لتحرير الموصل وتأخيرها إلى أجل غير مسمى، والحقيقة أن هذه الانتكاسات المتوالية للقوات العراقية ما كان لها أن تحدث لو تبنت الولايات المتحدة وحلفاؤها العراقيون خطة هجومية ضد "داعش" في مناطق أخرى، لكن مع الأسف حُصرت جهود التصدي للتنظيم الإرهابي في العراق، فيما هو استطاع تجنيد الأتباع في سيناء واليمن وليبيا وأفغانستان وباكستان.
المسلّة |