الدروس المستخلصة من انتكاستي الجيش العراقي
بين حزيران 2014 وأيار 2015 لا مساءلات ولا محاسبات، ونزوح كبير للمكون السني، وإصرار إيراني عجيب على إنكار التدخل في الشؤون العراقية.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: عبدالغني علي يحيى
بين نكستي الجيش العراقي في حزيران 2014 وأيار 2015 أوجه شبه كثيرة تكاد تكون متطابقة، ففي الاولى تخلت 6 فرق عسكرية عن اسلحتها لتنظيم الدولة الاسلامية ـ داعش ـ ثم ولت الادبار. وفي الثانية حصل الشيء نفسه حين انهارت 6 مؤسسات عسكرية في الانبار وتركت اسلحتها لداعش، وهي قيادة عمليات الانبار التي فرت باتجاه منطقة الكيلو 35، وقوات سوات التي توارت عن الانظار في الساعات الاولى من تقدم داعش الى المجمع الحكومي في الرمادي وحذت حذوها الفرقة الذهبية وجهاز مكافحة الارهاب ثم قوات التدخل السريع والشرطة المحلية.
وفي النكستين تعالت الاصوات لمعاقبة المتسببين فيهما.
واذا كانت الاجراءات ضد المتسببين في النكسة الاولى لم تتجاوز إحالة بعض منهم الى التقاعد أو النقل الى مواقع عسكرية أدنى، فلا تتوقعوا إلا اجراءات مماثلة لتلك تصدر بحق المتسببين في النكسة الثانية، رغم ما تردد من انهم سيحالون الى المحاكم العسكرية.
وفي النكستين حصل نزوح كبير للمكون السني حصراً. في الاولى كان النزوح بدرجة أولى الى كردستان وفي الثانية الى بغداد وبابل. وفي النكستين أيضاً لم يتوقف الاميركان والايرانيون عن دعم الحكومة العراقية، ومثلما امتنع الاميركان في النكسة الأولى عن ارسال قوات برية لهم الى العراق، فإنهم كرروا المنع في النكسة الثانية فيما بعد، علماً ان التدخل البري شرط للانتصار على داعش، الامر الذي يفهم منه ان المعركة ضد داعش ستطول اكثر.
وفي النكستين زعم الايرانيون بعدم التدخل عسكرياً، إلا انهم وحسب الوقائع تدخلوا في الحالتين.
لذا فإن اي تغيير لم يطرأ على مواقف هذين البلدين من الحرب الدائرة في العراق، ما يؤكد ان اسباب استمرار الحرب مع داعش ستبقى، ولكي تتواصل الحرب، فأن الاميركان قبلوا بدور للحشد الشعبي في معارك الانبار المقبلة بعد أن كانوا يرفضونه في السابق والى وقت قريب، وعندي ان سبب تراجعهم عن موقفهم السابق الرافض لمشاركة الحشد الشعبي، هو انهيار الجيش العراقي وعجزه بالمرة عن مجابهة داعش فضلاً عن الضعف الملموس في الحكومة العراقية نفسها، لهذا لم يجد الاميركان بداً من الموافقة على دخول الحشد الشعبي في المعارك وذلك لكي لا تتوقف الحرب، والمهم بالنسبة للاميركان هو بقاء الحرب دائرة، ولكي تبقى نارها مشتعلة، فإنهم أعلنوا عن تزويد العشائر السنية بالسلاح بمعزل عن بغداد، وهم يعلمون علم اليقين ان ذلك السلاح ونتيجة للنهج الطائفي للحكام العراقيين ضد السنة، سيكون في خدمة الطائفية فتوجيهه في نهاية المطاف نحو الشيعة.
وهكذا فإن السلاح الذي يسخر منه الاميركان على المكونات الاجتماعية العراقية الثلاثة لن يتعدى صب مزيد من الزيت على النار، ولن يساعد على الحل السياسي والسلمي للصراع الدائر في العراق بين تلك المكونات، فالمطلوب هو الفصل بينها وليس اغراقها بالسلاح.
والذي يثير من التساؤلات والشكوك هو: لماذا لم تكف أميركا عن تزويد الجيش العراقي بالسلاح الذي وقع في النكستين بيد داعش، ألا يعني ذلك ان السلاح الاميركي وغيره المقدم الى العراقيين سيسقط ابداً في قبضة داعش في المستقبل ايضاً؟
اذن تأسيساًعلى ما مر فإن اصرار الاميركان على دعم العراق بالسلاح يفيد بان سلاحهم سينتقل في النهاية الى داعش، وهو ما يريده الاميركان، ولو لم يكن الامر كذلك، فلماذا كان الاميركان يظهرون الخشية من تسليح المعارضة السورية من ان ينتقل السلاح الى الجماعات الارهابية أو الخشية من تزويد الحكومات به خوفاً من ان يستخدم في قمع المعارضين والقوميات المغلوبة على أمرها.
ان الذي حدث في النكستين كان منظماً ومدروساً ومقرراً عن سابق تصميم واصرار من قبل الاميركان وكبار القادة العراقيين وذلك بدءاً من انسحاب الجيش العراقي من مواقعه وانتهاء بالتخلي عن الاسلحة لداعش.
لم تكن موافقة الاميركان على مشاركة الحشد الشعبي في معارك الانبار التغيير الوحيد الذي طرأ على الموقف العسكري بل ان موافقة السنة بدورهم على دخول الحشد الشعبي الى الانبار، أتت تحت ضغط من الاميركان أيضاً.
ونتيجة لهذه الموافقة، اسقطت كل التهم التي كان السنة يوجهونها الى الحشد الشعبي بخصوص ارتكابه لجرائم حرق الدور ونهبها وقتل واختطاف المواطنين من اهل السنة وتدمير مساجدهم، علماً انه في اجواء الموافقتين فان التنكيل بالنسبة وبالاخص في محافظة ديالى على اشده في هذه الايام.
وبسبب هذه التغييرات في مواقف الاميركان والسنة من الحشد الشعبي فإن موقع الاخير في ممارساته الطائفية سيقوى ويتعزز، وأن النفوذ الايراني بدوره في العراق سيتسع ويمتد، إذا علمنا أن الميليشيات الشيعية بما فيها الحشد الشعبي كقوة عقائدية ومذهبية مسلحة موالية لإيران، وسبق للأميركان والسنة وان اكدوا على ذلك اكثر من مرة، ولقد تأكد ذلك بسرعة وفي وقت جد مبكر، فائتلاف دولة القانون وهو اكبر ائتلاف شيعي في البرلمان العراقي طالب بالأعتماد على المستشارين الايرانيين، ونسب القول الى نوري المالكي: "نحن والايرانيون نواجه تحدياً مشتركاً"، فيما صرح كريم النوري الناطق باسم اعلام الحشد الشعبي: "نحضر لمفاجأة ضخمة في الرمادي والايرانيون يقاتلون الى جانبنا"!
ومن الجانب الايراني قال مسؤول ايراني: "أمن العراق من أمن ايران" وقال على اكبر ولايتي: "سنتدخل عسكرياً في الانبار اذا طلب العراق رسمياً منا ذلك"! أما مرشد الثورة الاسلامية على خامنئي فلقد دعا الى إسقاط قرار الكونغرس الاميركي القاضي بتسليح البيشمركة والسنة، واخيراً وليس أخراً دعوة وزير الدفاع الايراني حسين دهقان الى تشكيل تحالف أقليمي تقوده طهران وبغداد.
وأعود الى أوجه التشابه في النكستين وتشابه تداعياتهما كذلك، ففي النكسة الاولى قال اوباما: "أن إنهاء احتلال داعش لأراضي عراقية سيستغرق 3 سنوات"، وبعد احتلال داعش للرمادي قال الجنرال مارتن ديمبسي: "ان تحرير الرمادي يحتاج الى جهد كبير"، وقال مستشار أمني عراقي كبير: "ان عملية تحرير الانبار قد لا تنجز إلا في نهاية هذا العام" ما يوحي بأن تحرير الموصل سيتأجل أيضاً.
بعد النكسة الاولى قال الكرد، إن عراق ما بعد 10 حزيران 2014 سيختلف عن عراق ما قبل ذلك التأريخ، وتمكنت البيشمركة من تحرير معظم المناطق الكردية المشمولة بالمادة 140 ولولا حرب داعش على الكرد في تلك المناطق، لكانت المسافة الى استقلال كردستان تختصر اكثر، وأرى ان احتلال داعش للرمادي زاد من المسافة لتحقيق استقلال كردستان الذي من شأنه أن يخل بالتوازن الذي يحرص عليه الاميركان وحلفائهم ليؤكدوا على الوحدة القسرية العراقية.
اوباما قال: ان رئيس الوزراء العراقي رجل مخلص ونزيه وملتزم بدولة عراقية تشمل الجميع، والحكومة البريطانية رأت ان خلاص العراقيين يكمن في حكومة تمثل المكونات كافة، وعلم ان اجتماع باريس المقبل سيؤكد على حكومة ذات قاعدة عريضة.
وكما خلفت نكسة الجيش العراقي الاولى تداعيات كارثية خطيرة فان نكسته في الانبار ستزيد من حدة المعارك في العراق وترسخ من النفوذ الايراني فيه وتوسع من العداوات بين الشيعة والسنة اكثر، اضافة الى استفحال التناقض بين بغداد واربيل، وازدياد معاناة الجماهير الشعبية العراقية.
|