قراصنة الماضي وأموال العراق في البنوك السويسرية
بالذات؟
وبكل بساطة نعلم أنه لايوجد أي عمل نبيل خيري قام به أشخاص من سماسرة تجار مافيا الاختلاسات المالية وأمتصوا خلال عهودهم السوداء، ثروات شعوبهم وحولوا خيرات بلادهم الى ما إشتهرت به البنوك السويسرية المختصة المعروفة بين غيرها لأخفاء سرقاتهم المهربة؟ البنوك السويسرية تمنع مكاتب الملاحقة القانونية من التدخل المباشر في شؤون زبائنها وتمنع ملاحقتهم قضائياً وتترك القضاء الدولي ومفتشوه في موقف التخمين بأرقام المبالغ المختلسة، وتطمئن رجل الأعمال والمستثمر والغني والوكيل والعميل والسماسرة وقراصنة المال الجدد من السياسيين ولاتطالبهم بألايضاح الرسمي عن كيفية الحصول على المبالغ والأرصدة المحوّلة والقبول بما يدونه الزبون من تعهد. كما أن القوانين السويسرية وبلغة مفهومة وعامة تقف على الحياد من الجرائم المالية ( مادامت الجريمة المالية والجنائية لم تقع ولم ترتكب داخل الأراضي السويسرية ).
وبكلمة أوضح فأن البنوك السويسرية، وبكل صلافة، لاتجد نفسها ملزمة بتزويد أي حكومة أو هيئة تحقيق دولية لأشخاص مطلوبين للقضاء وبكشوفات لحسابات زبائنهم وأرصدتهم وأرقامهم السرية. وهذا (ماأدركه وتعلمه المزيفون من زين العابدين في تونس وسمعه القذافي وأبناءه،وأدركه مبارك وأبناءه، وتعلمه صدام وأبناءه) وشخصيات من عشائر عربية وإسلامية لاحصر لهم.
من المهم جداً أن قادة وشخصيات في دول السرقات والأختلاسات والتهريب المالي ترسل من تثق بهم للعمل في سفاراتها وممثلياتها التجارية في سويسرا. وليس غريباً مثلاً أن يشَغِل ( برزان التكريتي منصب سفير العراق في سويسرا وهو أخ صدام), وليس سراً أن زبائن هذه البنوك من أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية والصين والباكستان والهند يفضلون البنوك السويسرية على بنوك بلادهم للمزايا العديدة في فتح الحسابات وبالأسماء التي يفضلنوها وبأكثر من رقم سري والتهرب من دفع الضرائب في بلدانهم، مع أن النظام السويسري يفرض فائدة عالية على أموالهم. وتتصرف البنوك بتحويلاتهم المالية وإستثمارها دون السماح لأي حكومة أو مؤسسة أو بنوك فيدرالية لدول أخرى بالأستفسار عن أنسياب وسيولة أموال ضخمة من أشخاص مشكوك فيهم، كما أن السلطات السويسرية وبحجة حيادها وإستقلاليتها لاتجيب أو ترد على طلب هذه الدول أو" على الأقل" بمشاركة التحقيق معهم أو تجميد أموال المشتبه بهم ومحاربة مافيا المال من الأسماك الكبيرة وإطعامها الأفضال والزوائد الى الأسماك الصغيرة
وتُرّكز دول عديدة الآن على دراسة إسلوب السرقات المالية الضخمة مع التغيّر الذي حصل بتطور طرق المراقبة الألكترونية وأجهزة المراقبة المتطورة والمفتشين الماليين ومنحهم صلاحيات وتفويض الدولة قي محاربة مافيا المال وبطرق مضادة جديدة للكشف والتنسيق الدولي مع البنوك الدولية وفدرالية البنوك، مع أن التضييق والتأثير الدولي مازال ضعيفاً على سويسرا التي تعتبر اليوم محطة التهريب المالي الأولى في العالم. ولاتستطيع أي دولة في العالم الحصول على تفويض من الحكومة السويسرية للتحقيق المالي أو الحصول على كشف حسابات شخصية للمبالغ المودعة لديها.
سويسرا من الدول التي لها نُظمها السرية الخاصة ويصعب على الدول إلزام حكومتها ومؤسساتها المالية بالأنظمة الدولية الفدرالية الجديدة المتبعة في بلدان العالم.
شخصيات دولية عربية وإسلامية وغربية من المتهمين بغسيل الأموال والتحويلات المالية المفقودة من خزائن الدول وببلايين الدولارات تواصل إسلوبها في التلاعب بمقدرات بلدانها، وتسهم ضعف الوثائق المدونة وتزييفها في زيادة الأرباك. ويسهم الإعلام وبعض النشرات الأقتصادية في زيادة التمويه والتعمية والجدل الأفلاطوني أو كما يقال " وأذا أراد الله بقوم سوءاً منحهم الجدل ومنعهم العمل" وللأعتقاد الشائع لدى البعض بأن الانتخابات الحرة والتمثيل الديمقراطي النيابي في بلدانهم وتشكيل لجان المراقبة، يمكن أن يقيد أيادي قادة وزعماء عشائر ورؤساء برلمانات ويحد من إختلاساتهم.
وهنا تكمن المأساة المالية. الحكومة السويسرية ببنوكها ومحاميها وقوانينها ترفض إعادة الأموال ((المختلسة والمجمدة والمهربة)) التي لها تاريخ يرجع الى عام 1991. والحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003، لاتعرف سوى العويل والصراخ ومخاطبة بعضها البعض وتوجيه أسئلة في منتهى السخافة إن واجهت سياسياً برلمانياً في عراق السلطة، والتغطية على آخر وتجاهل شخصيات المافيا العراقية الحقيقية المتواجدة بينهم والمنخرطة في السلطة بأوجه حزبية وعشائرية مختلفة,
وتوجيه التهم والغمز والأشارة دون مساعدة السلطات التفتيشية السويسرية وتعنت رؤوساء بنوكها لن يكشف المختلسين والمسروقات المالية وإسترجاعها رسمياً.
في بلدان خَذلَ قادتها شعوبهم بسطوة أحزابهم ومسؤوليها وبتحكمهم الشخصي بخزينة الدولة ومواردها المالية فأن مآل التحقيقات تنتهي غالباً بالفشل بل وبإنتشار طرق التحايل والأختلاس وفنونه.
وختاماً. أرى أنه بدون قرار دولي يتخذه مجلس الأمن للسماح لمفتشين دوليين بكشف حسابات وأرصدة عراقية مختلسة ومجمدة وإجبار الحكومة السويسرية على الموافقة على إطلاع المفتشين على السجلات المالية للمشتبه بهم وفحصها بدقة، فأن أي قرارات أخرى هي هباء في هباء.
تابعوا أموالكم بشقيها ( المجمدة والمختلسة ) فمجلس الأمن الدولي له عنوان ومقر، ولا يمر بهيئة النزاهة أو مجالس نيابية ورئاسية سبق وأن إتخذت وأصدرت جملة قرارات لأسترجاع ما تمَّ نهبه من العراق ولم تصل الى أي نتيجة. ومجلس الأمن الدولي له صلاحيات مُلزمة على الدول الأعضاء وسبق وأن فرض المقاطعة الأقتصادية والحصار على دول والعراق واحدة منها، وفي إستطاعته اليوم إلزام هذه الدولة الأوروبية واخضاعها الى وقف التهريب المالي والتسليم لمفتشين دوليين لكشف أرصدة وإرجاع أموال مُستحقة إختلستها شخصيات مشبوهة بتنسيقها مع المافيا الدولية.
باخث وكاتب سياسي
|