موقع «مجزرة سبايكر» يثير أحزان زواره في العراق
تحول موقع اعدام تنظيم داعش لمئات المجندين العراقيين عند ضفاف نهر دجلة في مدينة تكريت، مزاراً يستذكر فيه العشرات "مجزرة سبايكر"، احدى اسوأ عمليات القتل الجماعية التي نفذها التنظيم.
ووُضع في المكان نصب تذكاري رمزي احيط بالشموع والورود المصنوعة من البلاستيك، تخليدا لذكرى مئات من المجندين، غالبيتهم من الشيعة، ابان هجوم كاسح شنه التنظيم في يونيو، وسيطر خلاله على مساحات واسعة في الشمال والغرب.
وبعد اكثر من اسبوعين على استعادة القوات العراقية ومسلحين موالين لها مدينة تكريت (160 كلم شمال بغداد) من التنظيم، تحول الموقع الرئيسي لما عرف ب "مجزرة سبايكر"، نسبة الى القاعدة العسكرية التي اعتقل المجندون على مقربة منها شمال تكريت، الى محجة لشرائح واسعة من العراقيين.
ويزور عشرات المقاتلين يوميا الرصيف الضيق الملاصق للنهر، والواقع داخل مجمع القصور الرئاسية الشاسع في تكريت، والذي شيد في عهد الرئيس الاسبق صدام حسين المتحدر من قرية مجاورة لتكريت. كما يزور الموقع اقارب لمجندين لم يتم العثور على جثثهم بعد في المقابر الجماعية التي وجدت في المجمع، قادمين من مناطق مختلفة في العراق، اضافة الى وفود من رجال الدين والطلاب والفنانين.
واثارت هذه "المجزرة" التي قُتِلَ خلالها ما يصل الى 1700 شخص، سخطا وغضبا عارمين، وشكلت احد ابرز الاسباب التي دفعت عشرات الآلاف منهم لحمل السلاح والقتال الى جانب القوات الامنية، لاستعادة السيطرة على المناطق التي سقطت بيد الجهاديين. وتحمل الزيارات الى الموقع مزيجا من مشاعر التضحية والفخر بالضحايا. ويقول الشيخ ضرغام الجبوري لوكالة الأنباء الفرنسية "في هذا المكان سطرت دماء الشهداء"، ولذلك يجب ان يصبح "رمزا للشهادة، رمزا للتضحية من اجل هذه التربة العظيمة". ويضيف "يجب ان يكون هذا المكان متحفا لجميع العراقيين". وبكى هذا الشيخ الذي لف رأسه بعمامة بيضاء وارتدى عباءة سوداء، تأثرا وهو يقرأ الفاتحة على ارواح الضحايا قرب النصب التذكاري الرخامي.
وقبل ايام من زيارة الجبوري، شدد معين الكاظمي وهو قيادي في "فيلق بدر"، على اهمية الحفاظ على الموقع. وقال من المكان نفسه كالجبوري "ستستمر هذه الزيارات، وسنؤهل هذه المنطقة لتكون رمزا للجريمة التي ارتكبها هؤلاء الداعشيون".
وبين زوار المكان ايضا، كاظم عبد الحسن الذي فقدَ في مجزرة سبايكر، احد اقاربه الذي كان مجندا في القاعدة، دون ان يعرف مصيره حتى الآن.
ويقول عبدالحسن انه تلقى اتصالا هاتفيا من قريبه في يونيو يبلغه فيه انه نُقِلَ الى مجمع القصور الرئاسية، قبل ان ينقطع الاتصال به. وبعد سيطرة الجهاديين على مساحات واسعة من البلاد، انضم عبدالحسن الى "كتائب جند الامام"، وهي فصيل يقاتل الى جانب القوات الامنية لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش.
ويتولى هذا الشاب المولود في العام 1985، مراقبة الموقع. ومن على شرفة مطلة على النصب، تطارد الذكريات عبدالحسن الذي يحمل رشاشا من نوع "كلاشينكوف" يوجهه نحو النهر.
ويقول "اتذكر الضحايا واقضي بعض الليل بالبكاء لانه منظر مؤلم، امر ليس سهلا. 1700 شخص... ودمهم لا يزال موجودا امامنا". ونشر التنظيم المتطرف في يونيو، صورا واشرطة مصورة توثق عمليات القتل الجماعية بحق المجندين، بينها مشاهد لاقتياد العشرات منهم الى حافة النهر، قبل اطلاق النار على مؤخرة رأس كل منهم، ثم رميه في المياه. ولا تزال آثار الدماء ماثلة عند الحافة.
وعلى رغم قيام العشرات بزيارة الموقع، يرى عبدالحسن ان العدد يجب ان يكون اكبر من ذلك.
ويقول "يجب ان تكون الوفود اكثر، وان تعطى اهمية لهذا المكان اكثر باضعاف"، آملا في احضار عائلته واطفاله للزيارة.
ويضيف "هذا المكان ترك في قلوب جميع العراقيين جرحا عميقا لا يشفى الى ابد الدهر"، متابعا بتأثر "المكان سيبقى بداخلي حتى نهاية حياتي".
جريدة الرياض السعودية |