خريجو الجامعات: الشهادة نزيّن بها حيطان المنزل
هذان الشابان، أنموذج للمئات من الخريجين الذي "تفرّخهم" الجامعات سنوياً، من دون فرص جديدة للعمل على المستويين، الحكومي والاهلي، على حد سواء.
تخرّج مصطفى حسين من كلية الزراعة في جامعة بابل، في العام 2011، ليضيف رقماً اضافياً الى الاعداد المتزايدة للخريجين العاطلين.
غير انّ حسين كان يدرك حتى قبل دخوله هذه الكلية، ان المهندسين الزراعيين لا تُتاح لهم فرصة العمل في تخصصهم، حتى قبل سقوط النظام الدكتاتوري في 2003، لكنه "معدل درجاته"، اضطره الى دراسة "الزراعة"، بحسب حديثه لـ"المسلة".
لكن حسين أوفر حظاً من كثيرين، فبعد تخرّجه من الجامعة، وجد فرصة للعمل في احدى منظمات المجتمع المدني التي تقدم الخدمات للنازحين، لمدة سنة واحدة فقط، ثم تمكّن بعد ذلك، بمساعدة مادية من والده، من افتتاح مطعم، يدر عليه دخلا مناسبا، ليعلق شهادته الجامعية في "اطار" على حائط غرفته في المنزل والى الابد، على حد وصفه.
واذ يقول حسين انه "سعى في خلال السنوات بعد التخرج، الى اكمال دراسته العليا، ولم يتح له ذلك"، فان زميله سعد الخفاجي المتخرج من اكاديمية الفنون الجميلة في 2009، نجح في اكمال "الماجستير"، بعد سنتين من تخرجه. لكن هذه الشهادة العليا، كما يقول ﻟ "المسلة".. "لم تؤهله ايضا للانخراط في سوق العمل، ضمن اختصاصه، ولم يكن في وسعه سوى افتتاح دكان صغير، يبيع فيه القرطاسية، ويخط اليافطات".
وهذان الشابان، أنموذج للمئات من الخريجين الذي "تفرّخهم" الجامعات سنوياً، من دون فرص جديدة للعمل على المستويين، الحكومي والاهلي، على حد سواء.
وتتركّز البطالة بين الشباب من مختلف الاختصاصات حتى الهندسية والعلمية منها، لكنها بنسبة اكثر بين خريجي الجامعات الانسانية، وتبلغ ادنى مستوياتها بين خريجي الدراسات الطبية.
وعلى رغم ان علياء مهدي من المتفوقات في دراستها في كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد، التي تخرجت منها العام 2010، الا انها اضطرت الى العمل في المنزل بعد شرائها ماكنة خياطة حيث تخيط الاثواب، لتحصل على معدل دخل شهري يتراوح بين 200 الى 300 دولار.
وتؤكد علياء في هذا الصدد، لـ"المسلة"، في بغداد، ان "اغلب الخريجات من (دفعتها) لم يحصلن على فرصة عمل، وبعضهن آثر الزواج وتكوين أسرة ليغضضْن النظر الى الابد عن فكرة العمل".
لكنّ من الخريجين، من قادته ظروفه القاسية، الى مهن بسيطة، فلا يحصل الشاب عامر سعدون من افتراش الرصيف وبيع السكائر سوى معدل دخل لا يتجاوز المائة وخمسين دولار شهريا، على حد قوله لـ"المسلة".
ويعمل الكثير من الخريجين في المقاهي والمطاعم، فيما تراود الكثير منهم، فكرة الهجرة الى خارج العراق لاعتقادهم ان ذلك سيوفر لهم فرص الحياة الكريمة.
ولم يجد الكثير من الخريجين الجدد، سوى التطوع في الجيش والقوات الامنية، لأنها الفرصة الوحيدة امامهم، وهو ما يؤكد عمار الموسوي المتخرج من كلية التربية في بغداد في 2012، في حديثه ﻟ "المسلة"، من انه "اضطر الى التطوع في الجيش، جندياً، بعد ان دب اليأس في نفسه من امكانية الحصول على فرصة عمل مناسبة".
وتشير تجربة الكاتب والاعلامي قاسم موزان في حديثه لـ"المسلة"، الى "تأثيرات متوارثة، يتلقفها الخريجون وباتت من الاساسيات تقود الخريج الى حصر تفكيره بالوظيفة الحكومية دون غيرها بوصفها الضمانة له في المستقبل".
ويعتقد موزان انه "اذا كان واجب الدولة توفر مستلزمات الدراسة من كليات ومجانية التعليم، الا انها غير معنية تماما بتعيينهم، ولا توجد مصانع أو مزارع، تستوعب هذا الكم الهائل"، مرجعا اسباب ذلك الى "التنمية الضعيفة".
الى ذلك، فان الدكتور نادر عبد، المسؤول عن شؤون الطلبة في جامعة بابل، يعترف في حديثه ﻟ "المسلة" بـ"الاعداد الهائلة للخرجين مقابل فرص العمل القليلة"، لكن يرى ان ذلك "ليس من مسؤولية الجامعة ويقع عاتق استراتيجيات التخطيط في الحكومة".
من جانب آخر، فان الباحث الاقتصادي عصام القيسي، ينبّه الى ان "هناك بالفعل خيبة أمل بين الشباب، فقد كان مُنتظرا بعد 2003 حين سقط نظام الدكتاتور العراقي صدام حسين، ان تتحسّن فرص العمل بسبب الانفتاح الاقتصادي لاسيما النفطي على العالم، واعادة الاعمار، غير ان ذلك لم يحدث. كما ان المشاريع التي اقيمت والتي شابها الكثير منها، الفساد والسرقات لم توظف الا اعداد بسيطة من العاطلين".
ان المشكلة بحسب الاكاديمي حليم الياسري، في اتصال "المسلة" معه تكمن في ان "برامج الاحزاب السياسية تخلو من اجندة خاصة بكسب الشباب، ولعل التركيز في البرامج الانتخابية على توفير فرص العمل عبر تنشيط القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار، ودعم المشاريع الصغيرة، سوف يفتح فرص العمل امام الشباب".
فيما تدعو عضو مجلس محافظة بابل سهيلة عباس في حديث لـ"المسلة" والتي تشرف على مشاريع زراعية وخدمية، في المحافظة الى "التفكير في مشاريع اقتصادية تستوعب عددا اكبر من الخريجين، لتوظيف مهاراتهم التطبيقية والمعرفية في انجاح المشاريع التي تعاني من زج عدم الكفاءات فيها، بسبب المحسوبية والرشاوى والعلاقات".
المسلةّ |