ابو ريشة يتقاعد من الصحوات للانصراف للتجارة بانتظار تطورات الانبار
فيركن قصي من اكبر صالة في فندق الرشيد ببغداد يجلس شاب مربوع القامة في الاربعينات من عمره أميل الى القصر، ساهماً وسط مجموعة من الاشخاص يعتقد انهم اقاربه يحدقون بابصارهم نحو سيدات يبدو عليهن انهن زوجات مسؤولين او ناشطات في منظمات مدنية اتخذن مقاعدهن في ارجاء القاعة الفسيحة من الفندق المفضل للنواب والوزراء والقيادات السياسية في بغداد. ويقول المراسل الصحفي الامريكي اميل بيار اللبناني الاصل الذي انتج سلسلة برامج ولقاءات سياسية لقنوات السي ان ان، أي بي سي وفوكس نيوز الامريكية العائد توا من العاصمة العراقية، انه اكتشف ان الجالس بصمت في ذلك الركن القصي من الفندق هو الشيخ احمد ابو ريشة الذي كان حتى عام 2013 لاعبا اساسيا في العملية السياسية السائدة في العراق من خلال موقعه كزعيم قبلي لمقاتلين عشائريين في مدينة الرمادي، تطلق عليهم تسمية الصحوات كان قائد القوات الامريكية الجنرال ديفيد بتراويس قد نجح بتشكيلها في العام 2006 لمحاربة تنظيم القاعدة. ويقول بيار في لقاء له مع (العباسية نيوز) في استانبول عقب اختتامه زيارة عمل لبغداد، انه فوجيء بالشيخ ابو ريشة الذي كان يتدفق حيوية ومرحا في السنوات السابقة وهو في حالة نفسية قلقة بعيدا عن مضارب عشيرته في الرمادي وقد ظهرت على وجهه علامات الانكسار بعد ان انفض المقاتلون من حوله عقب اجتياح مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) لاجزاء واسعة من المحافظة واضطراره الى الاقامة في العاصمة في انتظار ما ستسفر عنها المواجهات العسكرية مع داعش في الانبار. وكان ابو ريشة قد تسلم قيادة الصحوات خلفا لشقيقه عبدالستار الذي لقى مصرعه في الثالث عشر من ايلول (سبتمبر) 2007 عقب مرور عام واحد على تشكيله قوة الصحوات بدعم امريكي وبعد اسبوعين من لقائه الرئيس السابق جورج دبليو بوش في قاعدة عين الاسد القريبة من ناحية البغدادي التي تشهد اليوم قتالا ضاريا بين قوات الجيش ومسلحي تنظيم الدولة. ويقول ابو ريشة ان ظروف وملابسات مقتل شقيقه فرضت عليه العودة من إمارة دبي التي كان يدير فيها عدة شركات تتاجر بمواد البناء واللوازم الكهربائية والمواد الغذائية، وقيادة الصحوات مدفوعاً بمشاعر التحدي لتنظيم القاعدة الذي قتل اضافة الى عبدالستار كلا من والده الشيخ بزيغ فتيخان واشقائه محمد وعبدالله وعلي عامي 2004 و2005 حيث كانت القاعدة في هذين العامين قوة مرعبة في محافظة الانبار ذات الثقل العشائري السني. وارتبط احمد ابو ريشة بعلاقات وثيقة مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي اغدق عليه اموالا واسلحة كثيرة ومنحه اغلب مناقصات البناء والتشييد في المحافظة حتى كاد ان يكون زعيم الانبار بلا منافس حيث اوكلت اليه مهمات اختيار المحافظين ورؤساء الدوائر وقادة الجيش والشرطة فيها، حتى وصلت مرتبته الى درجة اصبح فيها يرشح وزراء في حكومة المالكي السابقة كما حصل لوزير الثقافة والدفاع سعدون الدليمي ووزير الكهرباء كريم عفتان الجميلي. وجاءت حادثة ملاحقة وزير المالية الاسبق رافع العيساوي اواخر عام 2013 كنهاية سياسية غير متوقعة للشيخ ابو ريشة، فقد اندفع مع شيخ آخر من الفلوجة كان يعمل مساعدا له في الصحوات يدعى عيفان العيساوي بالدفاع عن الوزير تدفعهما روح التضامن والاعراف العشائرية وقابلا المالكي ورئيس مجلس القضاء الاعلى مدحت المحمود ورئيس المخابرات العراقية زهير الغرباوي ولكنهما عادا خائبين الى الرمادي بعد ان اصر رئيس الحكومة السابق على ملاحقة الوزير العيساوي قضائيا ومقتل زميله العيساوي الاخر في الفلوجة. ويقول بيار في انطباعته عن ابو ريشة وهو يقابله مؤخرا ببغداد، انه ما زال يعتقد ان رافع العيساوي مظلوم، وان المالكي ظلمه كثيرا، ولكنه نادم على مسايرة رافع ومشاركته في تهييج العشائر والشباب ورجال الدين في الفلوجة والرمادي واطلاق مسيرات شعبية ضد حكومة المالكي، ويقول بهذا الصدد: لقد اردناها يقصد التظاهرات السلمية ورقة ضغط على المالكي لتحقيق مطاليب مشروعة للسنة العرب ولكننا ـ الحديث لابو ريشة ـ فوجئنا بأمرين: الاول عناد المالكي ورفضه التعاون معنا، والثاني ضخامة التظاهرات وعدم قدرتنا على قيادتها مما ادى الى اندساس عناصر من الاسلاميين المتشددين في صفوفها من ضمنهم جماعة القاعدة التي تحولت فيما بعد الى داعش. ويضيف ابو ريشة انه اضطر الى الانسحاب من التظاهرات مع رفيقه الوزير العيساوي ولكن المالكي ظل يضمر العداء لهما حتى انه -أي المالكي- ظهرت على وجهه امارات التشفي وهو يحضر مجلس عزاء اضطر ابو ريشة الى اقامته في بغداد على روح ابن شقيقه محمد الذي قتله انتحاري داعشي في الرمادي. وبدت معالم السخط على وجه ابو ريشة عنما سأله الصحفي الامريكي اللبناني ان كانت داعش قد هزمته..! ويقول ان فرقا والوية ودبابات ومدافع هزمت في الموصل وتكريت، ثم يسترخي قليلا ويضيف بلهجته البدوية وهو نصف مبتسم ( الشغلة ظلت عليّ)..! وينفي ابو ريشة الاتهامات الموجهة اليه بانه باع اسلحة وسيارات الى تنظيم داعش في الانبار كان المالكي قد ارسلها اليه لتوزيعها على مقاتلي الصحوات ويقول: انه لم يستلم شيئا من المالكي الذي ظل (زعلان) عليه حتى بعد انشقاقه من الحراك الشعبي وان عملية توزيع الاسلحة والسيارات قام بها وزير الدفاع سعدون الدليمي وقائد عمليات الانبار رشيد فليح وانه شخصيا سمع بتسرب بعضها الى داعش. وعن مستقبله السياسي يعترف ابو ريشة بان المرحلة الراهنة ليست مرحلته فهو بعيد عن منطقته في الرمادي التي احتلها مسلحو داعش وفقد الاتصال بقاعدته العشائرية التي غادر اغلب افرادها الانبار خوفا من انتقام تنظيم الدولة وهو شخصيا اصبح أشبه بالمتقاعد لا عمل له ولا مهمة وسيذهب الى دبي لمتابعة اعماله التجارية ريثما ينجلي الموقف في الانبار. ويقول مراسل (العباسية نيوز) في تركيا ان حكاية احمد ابو ريشة في الصعود والهبوط السياسيين، هي نتاج اوضاع ملتبسة حدثت في العراق عقب الاحتلال الامريكي، فهذا الرجل المغمور والبعيد عن الاضواء قادته الظروف الى تصدر المشهد السياسي في محافظة الانبار، ولكنه ظل يفكر بطريقة الربح الشخصي والانتفاع المالي، فخسر موقعه السياسي وفقد وجاهته العشائرية، حتى ان اصدقاءه الامريكيين تجنبوا اللقاء به خلال زيارته الاخيرة الى واشنطن بعد ان ادركوا ان دوره صار هامشيا.
كتابات
تعليقات الزوار سيتم حدف التعليقات التي تحتوي على كلمات غير لائقة Will delete comments that contain inappropriate words