خلافة داعش وحب الزعامة
هشام الهاشمي
خاص - الغد برس
تعريف الخلافة عند الماوردي؛ بأنها "خلافة النبوة فى حراسة الدين وسياسة الدنيا". وعند ابن خلدون: "حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها". وايضا التقتازانى فقد عرفها بقوله "الإمامة رياسة عامة فى أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي لكن الإيجى يذكر أنها "خلافة الرسول فى إقامة الدين بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة".
والغالبية الغالبة من المذاهب المعتبرة توافقت على أن «جميع شؤون الولاية العامة» أو موضوع الخلافة وما يتبعها هو مبحث من مباحث الفقه، وليس من مباحث العقائد، وإن كان موضوع الخلافة قد ذكر فى كتب العقائد، فمن الواضح أنهم ذكروه للرد على من يرى أن "الخلافة من العقائد"، ومعنى ذلك أنهم قد أصابوا الحق فى التفريق بين الإلهي والبشري والعقائد شأن إلهى.
وأضافة قيد النبوة على تعريف الخلافة دون ضرورة صريحة، فليس هناك علاقة بين أي خليفة مسلم وبين الرسول، إلا علاقة اقتداء بسنته والنسب القريشي وذلك مثل علاقة سائر المسلمين برسول الله فلفظ النبوة فى هذا التعريف لا يفيد، وفوق ذلك فهو يحدث أضرارا بعيدة المدى.. إذ استناد الخلافة إلى النبوة يضفى على المنصب قداسة لا حد لها.لذلك فأن من البدع وتكليف المسلم بما لا يطيق أن تعرف الخلافة تعريفا مقدسا وذلك لاعتبارين أحدهما: أن الخليفة يتسلم منصبه بأرادة اهل الحل والعقد والشورى واختياره كممثل للأمة وليس مبعوثا عن الله (حاشى لله) أو رسوله، والاعتبار الآخر أن "الأمة وخاصة الأعيان والعلماء مكلفون شرعا بمراقبة الخليفة أشد من مراقبة الخليفة لهم مع الأخذ بنظر الأعتبار تجاوز الزلات والعثرات، وتلك الألفاظ تضخم الخليفة وتصيب الأمة بحالة من الخضوع لا مبرر لها".
ومصطلح أهل الحل والعقد أحدث في عهد العباسيين، ثم أقر بشرعية من ولاه أهل الحل والعقد خليفة على المسلمين!!.
الدولة هي التي تَدُول وتتغير من حالٍ إلى حالٍ. ولو نظرنا إلى كتب الاحكام السلطانية والأبواب الفقهية المتعلقة بالحكم وكتب التأريخ ، لوجدنا أنه لم يطلق على دولة صفة (الإسلامية)، برغم محاولة الخلفاء والسلاطين فرض أحكام الشريعة الإسلامية. فنقول دولة الخلفاء الراشدين والدولة الأموية والعباسية والبويهية والسلاجقة والفاطمية والموحدين والمرابطين والظاهرية والمماليك والعثمانية...، ولا يُضاف لها لفظ الإسلام.
والمسلمون السنة يعملون للوصول لغاية (ولاية الأمة على نفسها) لتكوين مفهوم الدولة الإسلامية، والمسلمون الشيعة يعملون على مصطلح (ولاية الفقيه) للتمهيد للدولة الإمام المهدي!!.
ومصطلح "الدولة المدنية" يعني التمركز حول الإنسان وجسده ولذاته وشهواته، مقابل التمركز السابق حول الله في "الدولة الكنسية"، وأصبح يعني الاهتمام بالدنيا وشؤونها وتطويرها في "الدولة المدنية" مقابل الاهتمام بالآخرة والروح في "الدولة الكنسية".
وعند انبثاق مصطلح(المواطن) في أثينا،كانت هذه الصفة لا تطلق إلا من يحصر ولاءه بالمدينة/الدولة، فلا يدين بالولاء لا لقبيلة ولا لطائفة ولا لمذهب.
ولما كانت الدولة من التداول والتبادل والاستيلاء والغلبة فمن حاز الشوكة وارضا يحوزها بالقوة، نال دولة ومن خسرها سقط عنه اسم الدولة واقعاً وبقيت البيعة في عنق المبايعين.كما حدث مع دولة العباسيين والأمويين ودولة الحديثة مع الدولة العثمانية.. وعلى هذا أعلن حامد داود الزاوي "أبو عمر البغدادي" دولته حين وقعت البيعة وحاز شوكة وسيطرة منذ عام ٢٠٠٦-٢٠٠٧ على أكثر من ٢٥٪ من شمال وغرب العراق إلى أن خسر الشوكة عام ٢٠٠٧-٢٠١٠ حين هزمته الصحوات وتم قتله بعد ذلك فذهبت شوكته وبيعته، وبمقتله سقطت دولته، وإبراهيم البدري" أبو بكر البغدادي" ورث عن أبي عمر البغدادي عصبة صغيرة جدا من المقاتلين فلم يكن له شوكة أو أرض تمكين يحوزها، وكان تنظيمه فرعا لقاعدة الجهاد في أفغانستان وتابعا لابن لادن...وعندما أعلن عن دولته في العراق والشام عام ٢٠١٣ لم يكن يحوز من ارض العراق الا صحاري الانبار ونينوى ومن سورية سوى بعض القرى هنا وهناك، فلم يصح له إسم الدولة، وحين أعلن في 29 حزيران 2014 نفسه خليفة لتلك الدولة وأماما لعامة أهل الإسلام وجوب عليه قتال كل حكام البلاد المسلمة، وعليه فإن إعلان الخلافة لدولة البغدادي، ما هو الا تمرد على خلافة طالبان وموقف سياسي إعلامي، لا معنى له شرعاً ولا يترتب عليه أي شيء على المسلمين.
والراية السوداء التي عليها رسم قريب من ختم النبي، والتي هي "علم داعش"، هي الشعار الرسمي لحزب التحرير الإسلامي، أسسه تقي الدين النبهاني عام
1953بالقدس وينادي بعودة الخلافة.. وبالتالي هي راية بدعية لا صلة لها برايات وألوية النبي في سلمه وحربه!!!.
التقارب العقائدي العلمي والمنهج العملي ضمن مكونات داعش يرجع لعدة اسباب؛ من أبرزها أن تنظيم القاعدة في العراق هو تجمع من ثلاث مشارب عقائدية ومنهجية متقاربة وهي( السرورية، والقطبية، وانصار الاسلام) ... وهؤلاء الثلاث كلهم يتقاربون ب(مسألة اقامة الحجة على الناس، والمجتمع الجاهلي، وكفر الشيعة والصوفية وكل المذاهب والنحل المتفرع عنهما، كفر الشيوعية والديمقراطية والعلمانية والليبرالية، تبديع جماعة التقريب بين المذاهب الاسلامية، قتال الصليبيين، مسألة الترس، بلاد العرب هي بلاد كفر، كفر حكام السعودية... والتداخل الفكرية بين السلفية العلمية وبين القطبية الاخوانية وبين جماعة التكفير...انتج الشدة، والورع الكاذب، والغلو..الامر الذي بعث في الشباب روح الخوارج على الحكم في البلاد العربية والاسلامية...وكان اشدهم غلوا هم جماعة التكفير الذين يتبعون افكار(مصطفى شكري) ومن ثم جماعة القطبية اتباع(سيد قطب) .. والتباين المنهجي و عمق الانتساب التاريخي لكل جماعة جعل القيادات تتنافس وتتفاخر فيما بينها بالسبق والعمل وصحة المنهج..
بالنظر الى تاريخ الخصومات المشتركة والفتن الداخلية في تنظيم القاعدة في العراق:
- ففي عام 2003 حين بدا انصار الاسلام الدعوة الى بيعة ابي عبدالله الشافعي، رفض الزرقاوي الانصياع الى هذا الطلب وانحسر هو مجموعة من العرب الى القتال على شكل خلايا خاصة بالمهاجرين العرب (وكان الداعي الى اتخاذ الزرقاوي هذا القرار هو تعاليه ان يكون تبعا الى قيادة او جماعة ليس هو الراس فيها..وهذا واضح في سيرة الزرقاوي من يتتبع سيرته يجده يحب الرياسة).
-انطلقت جماعة تتبع فكر القاعدة في نهاية 2003 اسسها المدعو (عمر بازياني، وسعد فوزي الجميلي) تحت اسم (ملة ابراهيم) امتنع الزرقاوي ان يعترف بهذه الجماعة وبدء يضغط على (عمر بازياني) حين حصلت جماعة(ملة ابراهيم) على فدية من خطف (مهندس بريطاني من الجامعة التكنلوجية في بغداد) الامر الذي جعل (عمر بازياني) ينظم الى الزرقاوي وحين ذاك اعلن الزرقاوي جماعته( جماعة التوحيد والجهاد).في بداية عام 2004، مما ادى الى انسحاب كل من (سعد فوزي الجميلي و ابو عبدالرحمن عبد الناصر الجياب الفلسطيني ومحمد يوسف عبدالسلام ابو اشرف ومحمد حردان هاشم العيساوي ابو سعيد) حيث استمر سعد فوزي على قيادة جماعة(ملة ابراهيم) واما عبدالناصر الجياب ومحمد يوسف انتقلوا الى (انصار الاسلام) واما الشيخ محمد العيساوي فقد اسس مع الشيخ نظام الرفاعي والشيخ عبد المنعم الكربولي (جيش المجاهدين).
- في عام 2005 اختلف المدعو( حسن ازيرج العزاوي ابوهدى) مع الزرقاوي حيث كان ابوهدى المسؤول العسكري لتنظيم الزرقاوي وكان يتذمر من تدخلات ابوعزام (عبد الله نجم الجواري) المسؤول العسكري للانبار...وحصلت تكتلات وكانت الاغلبية في ديالى وبغداد مع (حسن ازيرج) حتى تم التامر عليه وتبليغ القوات الامريكية على مكان تواجده في الاعظمية وتم قتله واعلن عن مقتله رئيس الوزراء (اياد علاوي) وكاد ان يكون هذا التفرق بينهم القاضية...
- في عام 2006 حاول كل من ابو اسلام( محمود عمران) و (اياد الجنابي) ابوعائشة،حيث كان اوسد اليهم الزرقاوي، قيادة(فيلق عمر) الذي هو ردة فعل ضد(فيلق بدر) وحين امتنع الزرقاوي من توسيع استحلال دماء الشيعة والقتل على الهوية مثلما اقترح ابو اسلام وابو عائشة...اعلنوا انفصالهم ..حتى دخلت بينهما واسطة للصلح ورجع الزرقاوي عن امتناعه ...واذن لهم بالقتل على الهوية في بداية 12/1/2006.في جلسة الطارمية المشهورة.
- الاختلاف في المنهج الجهادي العملي بين الزرقاوي وشيخه ابومحمد المقدسي، ادى الى تناحر علمي ونظري بين افراد التنظيم واسس المقدسي رسالة نصيحة للزرقاوي وكانت تتضمن مجموعة وقفات مع منهج الزرقاوي الامر الذي دعى الزرقاوي ان يستعين ب ابو انس الشامي وعبدالرحيم المفتي للرد على تلك الوقفات التي كادت ان تقسم التنظيم بين متبع للحق ومبتدع ضال.
- مقتل الزرقاوي في عام 2006 في شهر حزيران أدى الى نزاع حول من يكون الامير من بعده...انقسمت قاعدة التوحيد والجهاد الى ثلاث اقسام..قسم يريد الامارة للمدعو (خالد المشهداني ابو شهد) واخر يدعو بالامارة الى المدعو(محارب عبداللطيف الجبوري ابو عبدالله) واخر يدعو بالامارة الى المدعو(ابو حمزة المهاجر).
واجتمع مجلس شورى تنظيم القاعدة واخذ على نفسه ان يحافظ على وحدة الجماعة وان يسبقوا اعلان جبهات الفصائل الاخرى (جبهة الجهاد والتغيير وجبهة الجهاد والاصلاح وجبهة التحرير واجهاد..) فاعلنوا ما يسمى(دولة العراق الاسلامية في شهر 9 من عام 2006 وهي ردة فعل لتلك الجبهات..واختاروا اميرا لها باسم(ابو عمر البغدادي) وجعلوا قيادة الحرب والعسكر بيد(ابو حمزة المهاجر) ... ولم ينسوا خطر كل من خالد المشهداني ابو شهد ومحارب الجبوري ابو عبد الله حيث تم الوشاية بخالد المشهداني وتم اعتقاله من قبل الامريكان في محافظة الموصل وايضا الوشاية بمحارب الجبوري في منطقة النبايع حيث تم تصفيته من قبل الوحدة الخاصة في الجيش الامريكي.
-في عام 2007 قام المدعو الشيخ جمال الحمداني ابو نوح والمدعو الشيخ عبدالكريم الجبوري الشهير بالشيخ عبدالكريم الشورة والشيخ عمار سعيد الجبوري الى الانشقاق وتاسيس جماعة الايمانية وهي جماعة جهادية انشقت عن دولة العراق الاسلامية في ولاية الموصل وصلاح الدين وهم ردة فعل على تصرفات وتسلط الماهجرين العرب على المناصب القيادية والامنية والمالية في دولة العراق الاسلامية...وقد كلف المدعو الشيخ عبدالله يوسف الخاتوني بمتابع الموضوع وتم القاء القبض على المدعو الشيخ عبدالكريم الشورة وحكم عليه بالقتل وتم قتله في الموصل في حي السكر واما عمار سعيد الجبوري فقد هرب الى دهوك واما الشيخ جمال الحمداني اعلن تراجعه وتوبته وقبلوا ذلك منه واصبح عسكر الساحل الايمن حتى قتل نهاية عام 2011 في الموصل.
-في عام 2009 عمل كل من ابومجاهد العزاوي (علي حسين علوان) والمدعو ايمن الجعفري(ابو فاطمة) والمدعو ماهر الجحيشي (ابو رامي) الى حركة تصحيحة وعودة بالتنظيم الى ايام الزرقاوي من استهداف عشوائي موسع الى المناطق الشيعية وقد ناصرهم في هذه الفكرة ابو حمزة المهاجر، واذن لهم بتاسيس كتيبة(درع الاسلام) بقيادة (عبد الرحيم المفتي).. واعتقد كثير من المتابعين ان هذه الفكرة لو لم يناصرها المهاجر لأدت الى الانقسام الاكيد وخاصة في ديالى حيث تفاقم الخلاف بين صبري سامي الدايني وبين ليث مطلك المجمعي ابو شبل وكان سبب الخلاف هو حول الزعامات والغنائم وكيفية تقسيميها. |